الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هنري ميشو وتجربة الأعماق

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

هنري ميشو وتجربة الأعماق Empty
مُساهمةموضوع: هنري ميشو وتجربة الأعماق   هنري ميشو وتجربة الأعماق Icon_minitime28/4/2007, 10:36

هنري ميشو وتجربة الاعماق



(1899-1984)



ولد هنري ميشو في بلدة نامور في بلجيكا. وخصوصيته تنبع من حبه للأسرار والغموض. عرف كيف يبتعد عن الأضواء وعن الصحافة نأى عن المجد الأدبي عندما رفض نيل الجائزة الوطنية الكبرى للأدب عام 1965. وفضل أن يقرأه عدة مئات من القراء المهتمين -حسب قوله- على أن يقرأه الجمهور الواسع. ولهذا السبب لم تطبع أعماله في سلسلة كتب الجيب المعروفة بشعبيتها وانتشارها إلا بعد وفاته.
لم يكتب مذكراته ولا سيرته الذاتية، وملخص حياته كلها عبر عنه بستة صفحات حملها العنوان التالي. "بعض المعلومات عن تسع وخمسين عاماً من الوجود". ومما قاله عن طفولته في هذه الصفحات القليلة: "كان يضرب عن الحياة، واللعب، والتسلية والتنوع، يكره الأكل، والروائح والتلامس نخاعه الشوكي لا يصنع الدم ودمه لا يعشق الأكسجين فقر الدم. أحلام بلا صور ولا كلمات، جامد، يحلم بالاستمرارية، بأبدية ليس فيها أي تغيير، طريقته في الحياة هي أن يعيش على الهامش، طبيعته المضربة تخيف وتزعج، لذلك كانوا يرسلونه إلى الريف". كما كان يتحاشى الصور أيضاً لشعوره بأنها تختزل المرء وتسجنه في وضعية نهائية ليغدو مجرد صورة جاهزة.
بعد انتهائه من الدراسة سافر كبحار على ظهر سفينة وبدأ بكتابة نصوصه الأولى "حالات من الجنون الدائري" _1922). كتب جزءاً كبيراً من أعماله في النصف الأول من هذا القرن، ونذكر منها: إكوادور (1929)، بربري في آسيا (1933)، الليل يتحرك (1935)، ريشة (1938)، اختبارات وطرد أرواح شريرة (1945)، في مكان آخر (1948)..
عبر في مجمل أعماله عن صعوبة الوجوه وجاءت كتاباته الشعرية سريعة وإيقاعية وقادرة على التعبير عن أقل خلجة من خلجات النفس المتألمة. اهتم على وجه التحديد "بالمساحة الداخلية للنفس"، وتميز أسلوبه بالخيال وحب الحكاية والخرافة واعتاد أن يصوغ شعوره بالضيق على شكل حواريات ساخرة لكي يتمكن من القضاء على هذا النوع من المشاعر.
ازدادت نشاطاته وتزايد عدد قرائه في النصف الثاني من هذا القرن. نشر العديد من الكتب الجديدة، وزاد من نشاطه الفني كرسام وأقام معارض عدة. أراد أن يمضي إلى أبعد حد في معرفة واكتشاف النفس الداخلية وكان سبيله إلى ذلك تعاطي وتجربة أنواع مختلفة من المخدرات. ولكنه أصر دائماً على أن تتم هذه التجارب تحت إشراف طبي.
أراد بالدرجة الأولى أن يعرف نفسه وقال في ذلك: "أكتب لكي أجوب مجاهل قارات نفسي، ولذلك أرسم، وأؤلف وأكتب. أتجول داخل نفسي. المغامرة هي أن تكون على قيد الحياة". لقد كتب ميشو بسبب شعوره بالضيق بالدرجة الأولى وليس للتعبير عن موهبة أو ميول أدبية. لذلك فقد قضى معظم حياته باحثاً عن هواجسه وآلامه الداخلية في محاولة منه للسيطرة عليها. فجاءت أعماله على شكل سلسلة من التجارب والمحن وفي الوقت نفسه، سلسلة من المحاولات للتغلب على هذا الشقاء، بعبارة أخرى: لطرد الأرواح الشريرة فغدت الكتابة بالنسبة إليه "الطريق المباشر من النفس إلى الأشياء".
التقت تجربته الأدبية في أحيان كثيرة مع الحركة السريالية ولكن دون أن تمتزج بها. وقد نشر نصوصاً شعرية عديدة في مجلة القرص الأخضر التي كانت تنشر أيضاً أعمالاً سريالية. مارس هنري ميشو أنواع مختلفة من الكتابة، فجرب القصيدة، والشعر المنثور، والملاحظات والسرد والقصص والمسرحيات القصيرة والألبومات المصورة. كان هذا التنوع بالنسبة إليه وسيلة يحارب بها جموده وانغلاقه على نفسه واختار لغته عنيفة ومباشرة لا تسعى إلى التجميل ونيل الإعجاب، بل إلى تعرية النفس وإزالة الأقنعة في محاولة منه لإظهار ضعف الإنسان وهشاشته. للبحث عن الحقيقة وطرد الأرواح الشريرة.
غير أن رغبته اللامحدودة في الإبحار إلى أعماق نفسه والاقتراب من مشكلة الوجود، دفعت به كما أشرنا، إلى طريق المخدرات التي تركت أثرا واضحاً في كتابات ورسوم تلك الفترة من حياته ونذكر من هذه الأعمال: /الهائج اللامتناهي (1957)، المعرفة عن طريق الهاوية(1961)، تجارب العقل الكبرى (1966). وتميزت هذه الأعمال جميعها بعطش كبير إلى المعرفة، واتخذت أشكالاً مختلفة كالمقالة أو الريبورتاج أو السرد الذي يحلل ويدرس ردود الأفعال المتضاربة للنفس والجسد في أقصى حدودهما تحت تأثير المخدر.
تميزت فترة الخمسينيات بالنسبة لميشو بتغلب الرسم على الكتابة. لأنه شعر بأن الرسم يتيح له الانعتاق من نفسه إلى درجة كبيرة ولم يتعلم تقنيات الرسم مطلقاً، لذلك بقيت رسوماته عفوية ومفاجئة وهنا تكمن أهميتها. لقد رسم ميشو انتقاماً من الكتابة "مع الرسم أشعر بأني شاب، والكتابة تشعرني بالشيخوخة". فالكلمات في سعيها إلى المعرفة تجمد الأشياء وتصوغها في قوالب ثابتة، وهي فضلاً عن ذلك لا تريح من القلق. أما الرسم فهو بمثابة عملية تطهير للغة تستعيد بواسطتها حركاتها وصورها البدائية. وقد ساعده الرسم خاصة على التخلص من قيود اللغة والتعبير عن ألمه العميق عند وفاة زوجته متأثرة بحروق شديدة على أثر حادث تعرضت له.
المقتطفات الشعرية التي سأترجمها منتقاة من ديوان صدر عام 1997 بعنوان "عن بعد"، وهو عبارة عن مختارات لم تنشر في ديوان خلال حياة الشاعر. بعضها نشر بشكل متفرق في بعض المجلات، والبعض الآخر بقي على شكل مخطوط.

في اللحظة الأخيرة

البرد في داخلي، أنتم الذين تصرخون بالقرب مني
سأترك البيت ذا الألف مقام
في أعصابي المتصلبة
تمر بلا رحمة عربة ضجيجكم
هزيمة، هزيمة، مسألة غريبة
أتمدد في وسط النهار كشجرة مقطوعة
لا يعيش النمر أكثر من الأيل
لكنه يأتي دائماً في الوقت المناسب ليقتل الأيّل
عن غير قصد اخترق سكين
أحد المهووسين صدري
لكن هناك دائماً ظل
يطرد ظلا آخر، ليلتقي بالظلال الأخرى
لا ترتجف يا كياني، لا تبتئس، لا تتحطم
لنتذكر كيف نستدرك ذواتنا
في صداقة الصمت
لنلج وحدنا رحبة الليل الشاسع



المستوحد في المغارة
المغارة في أنفه
أنفه في وجهه
ووجهه مفتوح بتلكؤ
وجهه في الحزن
والحزن في الداخل
في الداخل، الداخل، اليأس في الداخل
واليأس في أحسن أحواله
اليأس في عمقه
عمقه، أعماقه، أعماقه الفسيحة
كلها تتفكك تتشكل ثانية، كلها قاحلة
وتصطف التجاعيد بأعداد كبيرة
والموت ومن ثم الموت
وفي الخارج الموت! الموت! الموت!
الحيوان -الإنسان
له هنا وجه آخر
الشعوب: رغبات فاغرة الفم
لمَ كل هذه الرغبات.؟
لمَ كل هذه البلدان؟
لمَ كل هذه العادات
لماذا المتعدد لا يزال دائماً عديداً؟
من شعر روحها، يمسك بها، بينما تتخبط في داخلها محاولات للممانعة ولكن دون جدوى،
تتخبط بحركات غير مجدية، برجعات سدىً، بانفكاكات عبثية، تنزلق رغماً عنها، تنزلق لتغدو شبه معلقة، بدون سند، فوق حفر الرغبة المشتركة.
تعالي مرة أخرى
تعالي، أيتها الكلمات البائسة
لكي تعبري عما هو أشد بؤساً منك
لتعبري عن الساقط والمجتاح والمشوّه
والمرعب المخيف الذي يتحفز في الظل
تعالي، لتعبّري عن جبال الخجل التي تنبثق فجأة
لتسد الآفاق
الأقفاص في كل مكان، تعالي لتحكي عن يهوذا
يهوذا المتعدد، يهوذا الذي يلازمنا
لن يركض مال الخيانة طويلا خلف اليهوذا بصيغة الجمع
تعالي لتعبّري عن الأوراق التي تتساقط
والجباه التي تتكسر
والمحطات التي تطفأ
والطرقات التي تنضب
يضرب الشتاء بسوطه القطيع الكبير
لتعبّري عن الأذرع، والمِعَد والمحاكات الجائرة
والملايين من البشر بأكملهم داخل الفخ
وآلاف البشر تنخرهم الجراح
الجراح، جراح السقوط
أو مسمّرين، صامتين، يتأملون تكسر ظهر
مستقبلهم
متأملين بخاصة التمثال الشامخ الذي بعد هزيمة
ذويه
أنهار على قاعدته
أشلاؤه تؤلم. اشلاؤه تعذبنا، وتلاحقنا
لقد أتى الليل. تبتعد الأصداء. البرد يكبر.
جسد كبير ذو مخالب، يتمدد، بكل ثقله، فوق نفسه




المستنقع

أعطه رجلا وبعض الوقت فيجعل منه جثة،
ثم يرميه على ضفافه
ينفخه بالهواء ثم يرميه
وهو يبقى
وضعت المقاعد حوله لنتمكن من الجلوس
كان المتعبون يأتون بالقرب منه ليدخنوا الغلايين الطويلة
وبُني قصر قبالته
كان المستوحدون والأيتام والعاطلون عن العمل بإرادتهم يقتربون منه وهو لا يفعل شيئاً،
والحزانى يبوحون له بأحزانهم، بعضهم يقول، لو أني غرقت لو كنت جثة، لكنت ربما أكثر سعادة، ويفكرون.
وآخرون كانوا يرمونه بكتل من التراب ليلونوا سطحه.
كان يجعل الأوراق الساقطة تتعفن شيئاً فشيئاً.
لكنه لا يلح في طلب الأوراق التي لا تزال على الشجرة
لم يكن ذا فائدة تذكر بسبب بعده، وتمنوا لو يقربوه من القرية
ولكن من صاحب العربة الذي سيتكفل بالأمر؟
واستمر في بقائه
كان هنا، ولم يذهب لأي إنسان، ولم يحاول إطلاقاً أن يعدو، أو ينفخ، اص، اص.. مثل ماء النهر الذي يتقدم فوق الحصى، ولا يبحث عن أسماك غير التي فيه.
والتعساء الذين ألقوا بأنفسهم فيه يندمون في اللحظة نفسها، ويرتفعون بواسطة الفكر للمرة الأخيرة فوق المياه، ويصلون إلى منازلهم ويجلسون فوق كراسيهم.. زرعت بسببه الصلبان الترابية، خمسة عشر صليبا.
وهو باق
حاول حلزون منذ ولادته أن يدور حوله. وها هو في سن البلوغ يتم دورته مع أفراد عائلته.
وعند احتضاره أورثهم رغبته تلك، لكنهم كانوا ينظرون إلى ورقة خضراء يانعة وهو باق.
تتغذى النباتات منه على هواها منذ ألفي عام بنوع معين من الحشرات التي تركض فوقه.
أبا عن جد دون أن تبتل قوائمها.
يتأمل الطفل المستنقع، يدخل إصبعه في أنفه ويفكر
يحلم بأن المستنقع سوف ينهض، ويرى المستنقع وهو ينهض، ينهض المستنقع ويقول:
"أنا لم أعد ميتا"، ويمضي المستنقع تاركاً حفرته شاسعة وعميقة.
ويمضي على الطرقات، منحنياً مثل رجل ضخم الجثة، وشامخ مثل كاتدرائية، وشفاف على الرغم من بعض النمل الأسود أو البني الذي يلطخه بين حين وآخر ويمضي مجمعاً حوله قطراته التي قطعتها الحجارة الصغيرة، يمضي وهو يصدر ضجة الخرير..
إنه مجرد حلم.
المستنقع هنا في حفرته باق.
في النهار يغدو فم المستنقع على مستوى الأرض بسبب لمعانه.
لكن في المساء.. ذات مساء كان راكب دراجة يتوجه مسرعاً نحو بيته، حيث تنتظره عاداته، فوقع الرجل في فم المستنقع الذي تبلغ مساحته حجم ساحة كبيرة. وفي الغد عثر على السائق ودراجته، لكنهما كانا قد سقطا عميقاً جداً، وما عاد الرجل يحيا حياة إنسان. ولم تعد الدراجة تحيا حياة الدراجات.
وهو باق.
إنه لا يشعر بالمركب، ولا يتعرف على قبطانه من بين كل الرجال،
لأنه يفقد الذكريات، لأن الريح تبعدها سريعا
ولا شك أيضاً أنه يجهل آكلي المستنقعات، الشمس التي تكتشفه ثم تقلصه، الضفدع الذي يأخذ معه فوق جلده قطرات الماء حين يقفز إلى الأرض الصلبة.
لا شك أنه لا يأبه للعصفور الذي حط على صحن أخضر من ورق النيلوفر وبدأ يشربه بجرعات صغيرة، ولا يأبه كذلك للغيم أو لماء المطر الذي يغذيه.
ولا يعبر نفسه بانتباه محاولاً إحصاء أسماك الشبوط أو الغجوم الموجودة فيه.
حتما ليست له روح
أنا والطفل فقط أعطيناه روحا، وهو يجهل هذا الأمر ولا يستفيد منه.
أعطيناه روحا ليغدو جميلا: لقد غدا المستنقع الذي أعرفه جميلا مذ أعطيته روحا ونوايا.
يسعى بكل ثقله إلى الأعماق، ينتظر أن تتعمق حفرته في الليل، بالقرب من مركز جاذبيته المستنقعات جميعاً.
كان يجلس في حفرة وينتظر
يرمونه بالحجارة فيبتلعها
ويبقى كما الليل والنهار
أطول من حياة جاموس
أطول من حياة أرزة
أطول من المزامير التي تنشدها أشجار الأرز المقطوعة
ينتظر دائماً ويتقلص، حتى يغدو في النهاية ظلاً لنفسه.

الاداب الاجنبية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيد شحاتة
مشرف مؤسس
مشرف مؤسس
سعيد شحاتة


ذكر عدد الرسائل : 665
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 16/04/2007

هنري ميشو وتجربة الأعماق Empty
مُساهمةموضوع: رد: هنري ميشو وتجربة الأعماق   هنري ميشو وتجربة الأعماق Icon_minitime28/4/2007, 12:20

جميل الموضوع يا حمدى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://saidshehata.blogspot.com
 
هنري ميشو وتجربة الأعماق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: الرؤى :: الخروج مع الشمس :: بورتريهات إبداعية-
انتقل الى: