-6-
أشجاربلادي تحترف الخضرة
وأنا أحترف الذكرى.
والصوت الضائع فيالبرية
ينعطف نحو السماء، ويركع:
أيها الغيم! هل تعود؟
لستُحزيناً إلى هذا الحدّ
ولكن، لا يحبُّ العصافير
من لا يعرفالشجر.
ولا يعرف المفاجأة
من اعتاد الأكذوبة.
لستُ حزيناً إلىهذا الحد
ولكن، لا يعرف الكذب
من لم يعرف الخوف.
أنالستُ منكمشاً إلى هذا الحد
ولكن الأشجار هي العالية.
سيداتي، آنساتي،سادتي
أنا أحبُّ العصافير
وأعرف الشجر
أنا أعرفالمفاجأة
لأني لم أعرف الأكذوبة.
أنا ساطع كالحقيقةوالخنجر
ولهذا أسألكم:
أطلقوا النار على العصافير
لكي أصِفَالشجر.
أوقفوا النيل
لكي أصف القاهرة.
أوقفوا دجلة أو الفراتأو كليهما
لكي أصف بغداد.
أوقفوا بردى
لكي أصفدمشق!
وأوقفوني عن الكلام
لكي أصفنفسي...
-7-
ظلُّ النخيل، وآخرُ الشهداء، والمذياع يرسلصورةً
صوتيةً عن حالة الأحباب يومياً، أُحبُّك في
الخريف وفيالشتاءْ.
- لم تبك حيفا. أنت تبكي. نحن لا ننسىتفاصيل
المدينة, كانت امرأةً، وكانت أنبياءْ.
البحرُ! لا. البحرُ لم يدخل منازلنا بهذا الشكل.
خمسُ نوافذٍ غرقتْ، ولكنَّ السطوحتعجُّ
بالعشب المجفَّف والسماءْ -
ودَّعتُ سجّاني. سعيداًكان بالحرب الرخيصة.
آه يا وطن القرنفل والمسدّس، لم تكن أُمّيمعي.
وذهبتُ أبحث عنك خلف الوقت والمذياع. شكلك
كان يكسرني... ويتركني هباءْ.
كان الكلام خطيئةً، والصمت منفى. والفدائيون
أسرى توقهم للموت في واديك. كان الموت تذكرة
الدخول إلىيديك. وكنتً تحتقر البكاءْ.
والذكرياتُ هويةً الغرباء أحياناً، ولكنالزمان
يضاجع الذكرى وينجب لاجئين، ويرحل
الماضي، ويتركهم بلا ذكرى. أتذكرنا؟ وماذا
لو تقول: بلى! أ نذكر كل شيئ عنك؟ ماذا
لو نقول: بلى!... وفي الدنيا قضاةُ يعبدون الأقوياءْ.
من كل نافذةٍ رميتُالذكريات كقشرة البطيخ,
واستلقيتُ في الشَّفَق المحاذي للصنوبر (تلمع
الأمطار في بلد بعيد. تقطف الفتياتُ خوخاًغامضاً...)
والذكرياتُ تمرُّ مثل البرق في لحمي،وترجعني
إليك... إليك. إنَّ الموت مثل الذكريات كلاهما
يمشي إليك... إليك، يا وطناً تأرجح بين كلِّ
خناجر الدنيا وخاصرةِالسماءْ.
ظلّ النخيل، وآخر الشهداء والمذياع يرسل صورة
صوتيةعن حالة الأحباب يومياً – أحبك في
الخريف وفيالشتاءْ.
-8-
حالة الاحتضار الطويلة
أرجعتني إلى شارعفي ضواحي الطفولةْ
أدخلتني بيوتاً
قلوباً
سنابل
منحتنيهويَّه
جعلتني قضيَّه
حالةُ الاحتضار الطويلةْ.
كانيبدو لهم
أنني ميّت، والجريمةُ مرهونةٌ بالأغاني
فمرُّوا، ولم يلفظوااسمي.
دفنوا جثتي في الملفّاتوالانقلابات،
وابتعدوا.
(والبلاد التي كنتُ أحلم فيها – سوف
تبقى البلاد التي كنتُ أحلم فيها).
كان عمراًقصيراً
وموتاً طويلا
وأفقتُ قليلا
وكتبتُ اسم أرضي علىجُثَّتي
وعلى بندقيَّةْ
قلت: هذا سبيلي
وهذا دليلي
إلىالمدن الساحليَّةْ.
وتحركتُ،
لكنهم قتلوني.
دفنواجثتي في الملفات والانقلابات
وابتعدوا.
(والبلاد التي كنتُ أحلم فيها –
سوف تبقى البلاد التي كنتُ أحلم فيها).
أنا في حالةالاحتضار الطويلةْ
سيِّد الحزن.
والدمع من كل عاشقةعربيَّة
وتكاثر حولي المغنّون والخطباء
وعلى جثتي ينبتُ الشعروالزعماء
وكل سماسرة اللغةالوطنيَّة
صفَّقوا
صفَّقوا
صفَّقوا
ولتعشْ
حالةالاحتضار الطويلةْ
حالةُ الاحتضار الطويلةْ
أرجعتني إلى شارعفي ضواحي الطفولة
أدخلتني بيوتاُ... قلوباً... سنابل
جعلتنيقضيَّة
منحتني هويَّة
وتراثَ السلاسل.
-9-
إنيأتأهَّب للانفجار
على حافة الحلم
كما تتأهب الآباراليابسة
للفيضان.
إني أتأهَّب للانطلاق
على حافةالحلم
كما تتأهب الحجارة
في أعماق المناجم الميتة
إنيأتحفَّز للموت
على حافة الحلم
كما يتحفز الشهيد للموت
مرةأُخرى.
إني أتأهَّب للصراخ
على حافة الحقيقة
كمايتأهَّب البركان
للانفجار.
-10-
الرحيلانتهى
من يغطّي حبيبي
كيف مرَّ المساء المفاجئ
كيفاختفى
في عيون حبيبي؟
الرحيل انتهى.
أصدقائي يمرونعني.
أصدقائي يموتون فجأة
الرحيل انتهى
في جناحالسنونو.
الرحيل ابتدأ
حين فرَّ السجين.
ما عرفتُالضياع
في صرير السلاسل
كان لحمي مشاع
كسطوحالمنازل
لعدوّي ، ولكن
ما عرفت الضياع
في صريرالسلاسل
أصدقائي يمرّون عني
أصدقائي يموتونفجأة.
-11-
أداعب الزمن
كأمير يلاطفحصاناً.
وألعبُ بالأيام
كما يلعب الأطفال بالخرزالملوَّن.
إني أحتفل اليوم
بمرور يوم على اليومالسابق
وأحتفل غداً
بمرور يومين على الأمس
وأشرب نخبالأمس
ذكرى اليوم القادم
وهكذا... أُواصلحياتي!
عندما سقطتُ عن ظهر حصاني الجامح
وانكسرتذراعي
أوجعتني إصبعي التي جرحت
قبل ألف سنة!
وعندماأحييت ذكرى الأربعين لمدينة عكا
أجهشت في البكاء على غرناطة
وعندماالتفَّ حبل المشنقة حول عنقي
كرهت أعدائي كثيراً
لأنهم سرقوا ربطةعنقي!
-12-
نرسم القدس :
إله يتعرَّى فوقخطَّ داكن الخضرة. أشباه عصافير تهاجرْ
وصليب واقف في الشارع الخلفيَ. شيءيشبه البرقوق
والدهشة من خلف القناطرْ
وفضاء واسع يمتدُّ من عورةجنديّ إلى تاريخ شاعر.
نكتبُ القدس :
عاصمة الأمل الكاذب... الثائر الهارب... الكوكب
الغائب. اختلطتْ في أزقَّتها الكلماتُالغريبةُ،
وانفصلتْ عن شفاه المغنّين والباعةِالقُبَلُ
السابقةْ.
قام فيها جدار جديد لشوق جديد،وطروادةُ
التحقتْ بالسبايا. ولم تَقُل الصخرةُ الناطقةْ
لفظةًتُثبِتُُ العكس. طوبى لمن يجهضُ النار في
الصاعقةْ!.
ونغنيالقدسَ :
يا أطفالَ بابلْ
يا مواليد السلاسلْ
ستعودون إلىالقدس قريباً
وقريباً تكبرون.
وقريباً تحصدون القمح من ذاكرةالماضي
قريباً يصبح الدمع سنابل.
آه، يا أطفال بابل
ستعودونإلى القدس قريباً
وقريباًتكبرونً.
وقريباً
وقريباً
وقريباً...
هلّلويا
هلّلو يا!
ثائر!