حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: مر القطار**نازك الملائكة 2/6/2007, 04:28 | |
| الليل ممتدُّ السكونِ إلى المدَى
لا شيءَ يقطعُهُ سوى صوتٍ بليدْ
لحمامةٍ حَيْرى وكلبٍ ينبَحُ النجمَ البعيدْ،
والساعةُ البلهاءُ تلتهمُ الغدا
وهناك في بعضِ الجهاتْ
مرَّ القطارْ
عجلاتُهُ غزلتْ رجاءً بتُّ أنتظرُ النهارْ
من أجلِهِ .. مرَّ القطارْ
وخبا بعيداً في السكونْ
خلفَ التلال النائياتْ
لم يبقَ في نفسي سوى رجْعٍ وَهُونْ
وأنا أحدّقُ في النجومِ الحالماتْ
أتخيلُ العرباتِ والصفَّ ا لطويلْ
من ساهرينَ ومتعبينْ
أتخيلُ الليلَ الثقيلْ
في أعينٍ سئمتْ وجوهَ الراكبينْ
في ضوءِ مصباحِ القطارِ الباهتِ
سَئمتْ مراقبةَ الظلامِ الصامتِ
أتصوّرُ الضجَرَ المريرْ
في أنفس ملّت وأتعبها الصفيرْ
هي والحقائبُ في انتظارْ
هي والحقائبُ تحت أكداسِ الغبارْ
تغفو دقائقَ ثم يوقظها القطارْ
وُيطِلُّ بعضُ الراكبينْ
متثائباً، نعسانَ، في كسلٍ يحدّق في القِفارْ
ويعودُ ينظرُ في وجوهِ الآخرينْ
في أوجهِ الغُرَباء يجمعُهم قطارْ
ويكادُ يغفو ثم يسمَعُ في شُرُودْ
صوتاً يغمغمُ في بُرُودْ
" هذي العقاربُ لا تسيرْ !
كم مرَّ من هذا المساء؟ متى الوصولْ ؟"
وتدقٌّ ساعتُهُ ثلاثاً في ذُهُولْ
وهنا يقاطعُهُ الصفيرْ
ويلوحُ مصباحُ الخفيرْ
ويلوحُ ضوءُ محطةٍ عبرَ المساءْ
إذ ذاكَ يتئدُ القطارُ المُجْهَدُ
... وفتىً هنالكَ في انطواءْ
يأبى الرقادَ ولم يزلْ يتنهدُّ
سهرانَ يرتقبُ النجومْ
في مقلتيه برودةٌ خطَّ الوجومْ
أطرا فَهَا .. في وجهِهِِ لونٌ غريبْ
ألقتْ عليه حرارةُ الأحلام آثارَ احمرارْ
شَفَتاهُ في شبهِ افترارْ
عن شِبْهِ حُلْمٍ يفرُشُ الليلَ الجديبْ
بحفيفِ أجنحةٍ خفيّاتِ اللُحونْ
عيناهُ في شِبْهِ انطباقْ
وكأنها تَخْشَى فرارَ أشعةٍ خلف الجفونْ
أو أن ترى شيئاً مقيتاً لا يُطَاقْ
هذا الفتى الضَّجِرُ الحزينْ
عبثاً يحاول أن يرَى في الآخرينْ
شيئاً سوى اللُغْزِ القديمْ
والقصّةِ ا لكبرى التي سئمَ الوجودْ
أبطالهَا وفصولهَا ومضَى يراقبُ في برودْ
تَكْرارَها البالي السقيمْ
هذا الفتى.....
وتمرُّ أقدامُ الَخفيرْ
وُيطل وجهٌ عابسٌ خلفَ الزُجاجْ،
وجهُ الخفير!
ويهزُّ في يدِهِ السِراجْ
فيرى الوجوهَ المتعَبة
والنائمينَ وهُمْ جلوسٌ في القطارْ
والأعينَ المترقبة
في كلّ جَفْنً صرخةٌ باسمِ النهارْ،
وتضيعُ أقدامُ الخفير الساهدِ
خلفَ الظلامِ الراكدِ
مرَّ القطار وضاع في قلبِ القفارْ
وبقيت وحدي أسألُ الليلَ الشَّرُود
عن شاعري ومتى يعودْ ؟
ومتى يجيء به القطارْ ؟
أتراهُ مرَّ به الخفير
ورآه لم يعبأ به .. كالآخرينْ
ومضى يسيرْ
هو والسِّراجُ ويفحصانِ الراكبين
وأنا هنا ما زلتُ أرقُبُ في انتظارْ
وأوَدُّ لو جاءَ القطارْ ....
1948 | |
|
حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: رد: مر القطار**نازك الملائكة 20/6/2007, 10:30 | |
| صلاة الأشباح - لنازك الملائكة تَململت الساعةُ الباردةْ على البرج , في الظلمة الخامدةْومدّتْ يداً من نُحاسْيداً كالأساطير بوذا يحرّكُها في احتراسْيدَ الرَّجل المنتصبْعلى ساعة البرج , في صمته السرمديّيحدّقُ في وجْمة المكتئبْوتقذفُ عيناهُ سيلَ الظلامِ الدَّجِيّعلى القلعة الراقدةْعلى الميّتين الذينَ عيونُهُمُ لا تموتتظَلّ تُحدَّقُ , ينطقُ فيها السكوتْوقالتْ يد الرَّجُلِ المنتصِب:"صلاةٌ , صلاهْ !"* * *ودبّتْ حياهْهناكَ على البُرْج , في الحَرَس المُتْعَبينْفساروا يجرّونَ فوق الثَّرَى في أناهْظلالَهُمُ الحانيات التي عَقَفَتْها السنينْظلالَهُمُ في الظلام العميقِ الحزينْوعادتْ يدُ الرجل المنتصِبْتُشير: "صلاةٌ , صلاهْ !"فيمتزجُ الصوتُ بالضجّة الداويهْ ,صدَى موكبِ الحَرَسِ المقتربْيدُقّ على كلّ بابٍ ويصرخُ بالنائمينْفيبرُزُ من كلّ بابٍ شَبَحْهزيلٌ شَحِبْ ,يَجُرّ رَمَادَ السنينْ ,يكاد الدُّجى ينتحبْعلى وَجْهِهِ الجُمْجُمِيّ الحزينْ * * *وسار هنالكَ موكبُهُمْ في سُكونْيدبّونَ في الطُّرقاتِ الغريبةِ , لا يُدْركونْلماذا يسيرونَ ? ماذا عسى أن يكونْ ?تلوَّتْ حوالَيْهمُ ظُلُماتُ الدروبْأفاعيَ زاحفةً ونُيُوبْوساروا يجرّون أسرارَهُمْ في شُحُوبوتهمسُ أصواتهم بنشيدٍ رهيبْ ,نشيدِ الذينَ عيونُهُمُ لا تموتْ ,نشيد لذاك الإلهِ العجيبْوأغنيةٌ ليد الرَّجُلِ المنتصبْعلى البرج كالعنكبوتْيدٌ من نحاسْيحرّكها في احتراسْفترسل صيحَتها في الدياجي "صلاةٌ , صلاهْ "* * *وفي آخر الموكب الشَّبَحيّ المُخيفْ رأى حارس شَبَحَيْنيسيرانِ لا يُدْركان متى كان ذاك وأيْن ?تحُزّ الرّياح ذراعيهما في الظلام الكثيفْوما زال في الشَّبَحينِ بقايا حياهْولكنّ عينيهما في انطفاءْولفظُ "صلاة صلاهْ"يضِجّ بسَمْعَيْهما في ظلام المساءْ* * *" ألستَ ترى "" خُذْهما ! "ثم ساد السكون العميقولم يَبْقَ من شَبَح في الطريق* * *وفي المعْبَد البرْهميّ الكبيروحيثُ الغموضُ المُثيرْوحيثُ غرابةُ بوذا تلُفّ المكانْيُصلّي الذينَ عيونُهُم لا تموتْويَرْقُبُهم ذلكَ العنكبوتْعلى البرج مستغْرَقاً في سكوتْ ,فيرتفعُ الصوت ضخْماً , عميق الصدى , كالزمانويرتجفُ الشَّبَحانْ* * *" من القلعةِ الرطبةِ الباردهْ " ومن ظُلُمات البيوت" من الشُرَف الماردهْ " من البرجِ , حيثُ يدُ العنبكوتْ" تُشيرُ لنا في سكوتْ " من الطرقات التي َتعْلِك الظُلْمَةَ الصامتهْ" أتيناكَ نسحَب أسرارَنا الباهتهْ" أتيناكَ , نحن عبيدَ الزمانْ " وأسرَاه نحن الذينَ عيونُهُم لا تموتْ " أتينا نَجُرّ الهوانْ "" ونسألُكَ الصفْحَ عن هذه الأعين المُذْنبهْ " ترسّبَ في عُمْق أعماقها كلُّ حزْنِ السنينْ " وصوتُ ضمائرِنا المُتعَبَهْ " أجشٌّ رهيبُ الرّنينْ" أتيناكَ يا من يذُرّ السُّهادْ" على أعينِ المُذْنبينْ" على أعينِ الهاربينْ" إلى أمسِهِم ليلوذوا هناك بتلّ رمَادْ" من الغَدِ ذي الأعين الخُضرِ . يا من نراهْ" صباحَ مساءَ يسوقُ الزمانْ" يُحدّق , عيناه لا تغفوان" وكفَّاه مَطْويّتانْ" على ألفِ سرٍّ . أتينا نُمرِّغ هذي الجباهْ" على أرض معبدِهِ في خُشُوعْ" نُناديهِ, دونَ دموعْ ," ونصرخ: آهْ ! " تعِبْنا فدعْنا ننامْ "فلا نسْمع الصوتَ يَهْتف فينا : "صلاهْ !" إذا دقَّتِ الساعة الثانيهْ ," ولا يطرق الحَرَس الكالحونْ " على كل باب بأيديهم الباليه " وقد أكلتْها القُرونْ" ولم تُبْق منها سوى كومةٍ من عظامْ " تعبنا... فدعنا ننامْ .." ننامُ , وننسى يد الرجل العنكبوتْ " على ساحة البرج . تنثُرُ فوق البيوتْ " تعاويذَ لعنتها الحاقدهْ " حنانك بوذا , على الأعينِ الساهدهْ " ودعها أخيرًا تموتْ * * *وفي المعبد البرهمي الكبيرْتحرّكَ بوذا المثيرْومدّ ذراعيه للشبحَيْنْيُبارك رأسيْهما المُتْعَبيْنْويصرخُ بالحَرَس الأشقياءْوبالرَّجُلِ المنتصبْعلى البرْج في كبرياءْ ," أعيدوهما! "ثم لفَّ السكونُ المكانْولم يبقَ إلا المساءْ ,وبوذا , ووجه الزمانْ
المصدر : ديوان نازك الملائكة ، المجلد الثاني ، ص 389 ، دار العودة - بيروت ، 1986 .
| |
|
حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: رد: مر القطار**نازك الملائكة 22/6/2007, 07:25 | |
| الكوليرا - لنازك الملائكة سكَنَ الليلُأصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْفي عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْصَرخَاتٌ تعلو, تضطربُحزنٌ يتدفقُ, يلتهبُيتعثَّر فيه صَدى الآهاتْفي كلِّ فؤادٍ غليانُفي الكوخِ الساكنِ أحزانُفي كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْفي كلِّ مكانٍ يبكي صوتْهذا ما قد مَزَّقَـهُ الموتالموتُ الموتُ الموتْيا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ* * *طَلَع الفجرُأصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْفي صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكينعشرةُ أمواتٍ, عشرونالا تُحْصِ أصِخْ للباكينااسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكينمَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُمَوْتَى , موتَى , لم يَبْقَ غَدُفي كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْلا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْهذا ما فعلتْ كفُّ الموتْالموتُ الموتُ الموتْتشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ* * *الكوليرافي كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْفي صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْاستيقظَ داءُ الكوليراحقْدًا يتدفّقُ موْتوراهبطَ الوادي المرِحَ الوضّاءْيصرخُ مضطربًا مجنونالا يسمَعُ صوتَ الباكينافي كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءفي كوخ الفلاّحة في البيتْلا شيءَ سوى صرَخات الموتْالموتُ الموتُ الموتْفي شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ* * *الصمتُ مريرْلا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْحتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْالجامعُ ماتَ مؤذّنُهُالميّتُ من سيؤبّنُهُلم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْالطفلُ بلا أمٍّ وأبِيبكي من قلبٍ ملتهِبِوغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْيا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْلا شيءَ سوى أحزانِ الموتْالموتُ, الموتُ, الموتْ يا مصرُ شعوري مَزَّقَـهُ ما فعلَ الموتْ ( 1947)
المصدر : ديوان نازك الملائكة ، المجلد الثاني ، ص 138 ، دار العودة - بيروت ، 1986 .
| |
|
سعيد شحاتة مشرف مؤسس
عدد الرسائل : 665 العمر : 45 تاريخ التسجيل : 16/04/2007
| موضوع: رد: مر القطار**نازك الملائكة 22/6/2007, 19:31 | |
| | |
|
حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: رد: مر القطار**نازك الملائكة 23/6/2007, 15:24 | |
| سعيد
نازك الملائكة رمز إبداعي عراقي عربي وستظل نازك الملائكة رائدة بيننا بما صنعته من جمال وسيظل العراق شامخا رغم المؤمرات والمحن فلتحيا العراق بأبنائها وتاريخها الذي لن يستطيع أن يطمسه أي غزو ورحم الله نازك الملائكة | |
|