الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أحمد مطر يكتب عن :مئوية "هيرجيه"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

أحمد مطر يكتب عن :مئوية "هيرجيه" Empty
مُساهمةموضوع: أحمد مطر يكتب عن :مئوية "هيرجيه"   أحمد مطر يكتب عن :مئوية "هيرجيه" Icon_minitime5/6/2007, 06:58

في الثاني والعشرين من مايو لهذا العام، تكون قد حلّت الذكرى المئوية لميلاد الرسّام البلجيكي الشهير (هيرجيه)، أحد أهم روّاد فن القصص المصوّرة في العالم، ومبتكر شخصية الصحافي الشاب (تان تان) الذي طبقت شهرته الآفاق، من خلال مغامراته التي انتشرت بمختلف اللغات الحيّة، وأقحمت معها رسّامها في دائرة الأضواء طيلة حياته، على الرّغم من تواضعه الجمّ وكراهيته للإطراء المفرط وازدرائه لبريق الشهرة.
و (هيرجيه) هو اسم فنّي نحته الرسّام (جورج ريمي Georges Remi) من الحرفين الأوّلَين لاسمه الثاني والأوّل، كما ينطقان بالفرنسية: (هيرR) و (جيه G) .. وظلّ يُوّقع به رسوماته منذ عامه الثاني والعشرين وحتى وفاته باللوكيميا في مارس 1983 عن ستة وسبعين عاماً.
ولأنّ أحداً لم يستطع أبداً أن يواصل تأليف قصص (تان تان) ورسمها بذات الأسلوب الذي كان يقدّمه هيرجيه، فقد توقّف عددها عند حدود الثلاث والعشرين مغامرة التي أنجزها الرسّام.
ومع ذلك فإنّ العجب لا ينتهي من أنّ هذه المغامرات بعددها المحدود، ظلّت حيّة ومتجددة وتجد قرّاءها في كلّ زمان، مثلما تجد، على الدوام، اهتماماً متواصلاً من النقّاد الجادّين .
فبعد مرور أربعة وعشرين عاماً على وفاة هيرجيه، لا تزال قصص (تان تان) تستقطب اهتمام الناس برغم اختلاف طبائع وأمزجة الأجيال، وتُطبع كلّ سنة بلغات جديدة عبر العالم، حتى بلغ ما بيع منها، منذ ظهورها حتى اليوم، أكثر من مائتي مليون نسخة في أكثر من ستّين لغة !
وعلى الرّغم من أنّ فن القصص المصوّرة (الكوميك) هو ابتكار أمريكي خالص، منذ أواخر القرن التاسع عشر، فإنّ (هيرجيه) برسمه مغامرات (تان تان) عام 1929 قد استطاع أن يكون رائداً أصيلاً لهذا الفن، بعدما نقله من مجال الموضوعات الآنيّة الخفيفة أو التهريج الفارغ، إلى ميدان الحبكة الروائيّة المدروسة، كما طبعه بطريقته المميّزة التي تضع الشخصيات في منطقة وسط بين (الكارتوني) و(الواقعي) .
وإذا كان الفرنسيون قد ملكوا زمام هذا الفن لاحقاً، فإنّ ريادة (هيرجيه) كانت المحرّك الفعّال الذي بسط أثره على كبار الفنانين الفرنسيين في هذا المجال من أمثال (أودرزو) رسام مغامرات إستريكس، أو (موريس) رسام مغامرات لاكي لوك، وغيرهما من المميزين، برغم اختلاف الأساليب والموضوعات.
وأكثر ما يثير الدّهشة هو أنّ قراءة مغامرات (تان تان) لم تقتصر، يوماً، على الأطفال، بل تعدّتهم إلى البالغين، وحتى الكهول والشيوخ.
وفي هذا الإتّجاه، يذكر (مايكل فار) في مقالة له نشرت في العدد الأخير من مجلة (الكتب) الفصلية التي تصدرها مكتبة (ووترستون) أنّ محرر فرنسا الرئيس الأسبق (شارل ديغول) كان من قرّاء تلك المغامرات، وأنّه قد صرّح ذات يوم بأنّ (تان تان) هو منافسه العالمي الوحيد !
وكفى بتلك الشهادة الظريفة أن تنهض كدلالة على عمق الأثر الذي تركته تلك المغامرات في نفوس القرّاء من مختلف الأجيال في جميع دول العالم.
ولعلّ السرّ، وراء عمق هذا الأثر وسعته، يكمن في أنّ (هيرجيه) لم يكن مجرّد رسام قصص فقط، بل كان،على نحوٍ ما، روائياً ممتازاً، وباحثاً جادّاً ومدقّقاً .
والدليل على ذلك أنّ قصصه الأولى، وخاصّة (تان تان في بلاد السوفييت) و (تان تان في الكونغو) قد كانت بدائيّة إلى حدّ ما، إذ لم تكن سوى تجميع للقصاصات الأسبوعية التي كان ينشرها في ملحق الأطفال لجريدة (فانتييم) البلجيكية، وكان يغلب عليها طابع النكت التي لا رابط بينها سوى شخصيّة (تان تان) الذي شاء الرسّام أن يجعله محرراً صحافياً يزور البلدان البعيدة ليزوّد الجريدة بتقارير عنها.
ونتيجة لتلك الخفّة التي كان الرسام يتعامل بها مع مواضيعه، وعدم دقّة معرفته بشؤون تلك البلدان أو بطبائع أهلها، فقد تلقّى نصيحة ثمينة من أحد المشرفين على تلك الجريدة الكاثوليكية، دعاه فيها لأن يسعى إلى التعرّف على أحوال البلدان وطرائق عيش شعوبها، قبل أن يرسم عنها، لكي تكون قصصه أكثر صدقاً وإقناعاً . وذلك ما فعله (هيرجيه) لاحقاً، وبذل من دونه جهوداً حقيقية ومخلصة، حتّى تحوّل ببطل مغامراته من (الصِّفر) إلى (البطولة المطلقة) كما عبّر عن ذلك (توم مكارثي) في كتابه (تان تان.. وسرّ الأدب) الذي صدر عن مطبوعات (غرانتا) خلال العام الماضي، والذي عُنيَ، على وجه خاص، برصد الجانب الأدبي في مغامرات (تان تان). وأذكر أنّ الملحق الأدبي لجريدة (الغارديان) قد اهتم بنشر فصل من الكتاب عند صدوره، وذلك لأهميّة السؤال الذي طرحه وحاول الإجابة عنه، عمّا إذا كان هيرجيه، في أعماله، رسّامَ مغامرات أم روائياً ؟
وقد خلص إلى القول بأنّه كان مزيجاً من الاثنين .
وأحسب أنّ هذا القول هو أبلغ تكريم للفنّان الكبير.
أمّا (مايكل فار) الذي يُعَدّ مختصاً بما يسمّى (التانتانيّة) فقد صدر له عن دار نشر (جون موراي) عام 2001 ، كتاب فريد عنوانه (تان تان – الرفيق الكامل)، عرض فيه لهيرجيه الباحث المدقّق، وذلك بتتبّع دراسات الرسّام للمواقع والأزياء والأدوات والوسائل والطبائع التي تضمنتها مغامراته، فأرانا الأصول التي استلهم منها رسم الأشخاص والأشياء ، كالغوّاصات والسفن والطائرات والمركبات الحربية والمعابد القديمة والتماثيل ووسائل ريادة الفضاء في عصره..إلى غير ذلك من التفاصيل الدقيقة التي يجدها القارئ ماثلة في أعماله.
وفي هذا السّياق لابدّ لي أن أذكر، بدهشة وإكبار، روعة القصّ وعظمة التجسيد في مغامرته (رحلة إلى القمر) التي وصف فيها معدّات مركبة الفضاء، ومستلزمات الرحلة إلى القمر، وشروط الانطلاق والهبوط ثمّ العودة، وذلك قبل زمن طويل من هبوط الأمريكي (نيل أرمسترونغ) ورفاقه على سطح القمر!
وليس هنالك أدنى ريب في أنّ (هيرجيه) كان قد اطّلع على أعمال عباقرة قصص الخيال العلمي، من أمثال الإنجليزي (هـ .ج .ويلز) والفرنسي (جول فيرن)، وغيرهما، لكنّه أراد أن يميّز نفسه عمّن سبقوه، في هذا المجال، بأن يكون عمله مبنياً على أسس علمية دقيقة، وليس على التخيّل المجرّد. ولذلك نجده قد اهتم كثيراً باستشارة صديقه عالم الفضاء الدكتور (بيرنارد هويفلمان) صاحب كتاب (الإنسان بين النجوم)، كما عكف على استشارة عالم فضاء آخر هو البروفيسور (ألكساندر أنانوف) مؤلف كتاب (ريادة الفضاء) .
وبعد كلّ جهوده الحثيثة في البحث، أمكنه، في النهاية، أن يؤسس روايته الخيالية على دعائم علمية وطيدة، ممّا أكسبه فرادة بين كبار هذا الفن، سواءً من الناحية الروائية أو التقنيّة. وممّا له دلالة خاصّة في هذا الشأن، أنّ الفرنسي المختص بأعمال هيرجيه (بينوا بيترز) كان قد نشر ضمن كتابه (صناعة رحلة تان تان إلى القمر) صورة لقاء تمّ في بروكسل عام 1969 بين (هيرجيه) و (فرانك بورمان) أحد رواد مركبة الفضاء الأمريكية (أبوللو-8). وفي تلك الصّورة كانت قد وُضِعتْ بين الرسّام ورائد الفضاء نسخة من مغامرة (رحلة إلى القمر)، وكأنّ تلك النسخة دليل إثبات على أنّ الفنّان القدير قد سبق الروّاد الأمريكان إلى استكشاف القمر !
وكمثل آخر على دقّة بحث الرسّام، يلفتنا إتقانه لرسم طبيعة الحياة والأزياء والمساكن في الصحراء العربية. ففي مغامرة (تان تان والذهب الأسود) تبيّنَ لي أنّه قد استلهم رسم شخصية الأمير (بن كاليش) أحد أبطال القصّة، من صورة لمؤسس السعوديّة الملك عبد العزيز، كما استلهم رسم ولده الصغير المشاكس من صورة لملك العراق الراحل (فيصل الثاني) كانت قد التقطت له في طفولته المبكّرة.. وقس على ذلك .
بالنسبة لي، كان تعرّفي على مغامرات (تان تان) قد جرى في أوائل السّتينات، بفضل مجلة (سمير) الصّادرة عن دار الهلال بمصر. حيث بدأتْ المجلة، في ذلك الوقت، نشر تلك المغامرات مسلسلة بواقع أربع صفحات في الأسبوع.
وقد بهرت وأقراني، حينذاك، بدقّة وقوّة الرسم وجماله ومهابته، وببراعة القصّ، وهو مالم نكن قد عرفنا مثيلاً له في المسلسلات المصوّرة الأخرى.
ولابدّ أن أذكر هنا أنّ (التمصير) قد زاد تلك المغامرات حلاوةً وروح فكاهة. ذلك لأنّ الكلام كان يجري باللهجة المصرية، كما أنّ أسماء معظم الشخصيّات قد تحوّلت إلى أسماء ذات نكهة مصرية. ففي حين بقي اسم القبطان البحري (هادوك) على أصله، رأينا (تان تان) بالفرنسية، أو (تن تن) بالإنجليزية، قد تحوّل في مجلة (سمير) إلى (تم تم). أمّا البروفيسور (كوثبرت كالكولاس) في الطبعة الإنجليزية فقد أصبح اسمه (برجل)، وتحول اسما المخبرين التوأمين (تومبسون وتومسون) إلى (تيك وتاك).
وبينما كان (هادوك) الغاضب يلعن، في الطبعة الإنجليزية، بكلمات مستمدّة من طبيعة البحر والأنواء مثل (بلسترنغ بارنيكالس ثاندرنغ تايفون)، فإنّه اعتاد بالطبعة المصريّة أن يلعن على وتيرة مكررة هي (ألف ألف مليون لعنة).. وبدلاً من أن يخاطب خصمه الأسمر قائلاً (ايّها البربري المتوحش) فإنّه أصبح يناديه بالطبعة المصريّة بقوله (يازتونة مدهونة) !
لقد تسنّى لي، على مرّ الأيّام، أن أستجمع معظم تلك المغامرات بطبعتها العربية الصّادرة عن (دار المعارف بلبنان)، ثمّ توفّرت لي بأجمعها، لاحقاً، بالطبعة الإنجليزية. ولا أزال حريصاً على أن يكون لها في مكتبتي مكان خاصّ وعزيز. كما لا أزال، منذ تعرّفي على تلك المغامرات وحتّى اليوم، أعود بين فترة وأخرى إلى قراءتها، فأشعر، على الدوام، بالمتعة ذاتها، وكأنني أقرؤها لأوّل مرّة .

أحمد مطر
عن (الراية) - مايو 2007
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أحمد مطر يكتب عن :مئوية "هيرجيه"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: الرؤى :: الخروج مع الشمس :: بورتريهات إبداعية-
انتقل الى: