الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نص الشهادة التي كتبها أدونيس لندوة «الأدب والمنفى»(1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

نص الشهادة التي كتبها أدونيس لندوة «الأدب والمنفى»(1) Empty
مُساهمةموضوع: نص الشهادة التي كتبها أدونيس لندوة «الأدب والمنفى»(1)   نص الشهادة التي كتبها أدونيس لندوة «الأدب والمنفى»(1) Icon_minitime23/4/2007, 00:27

جاء في لسان العرب ان النفي هو إخراج الإنسان من بلده وطردُه. وعُرف عن العرب نوعان من النفي: نفيُ الزاني، ونفي المخنّث. «كان الزاني الذي لم يُحصن يُنفى من بلده الذي هو فيه الى بلد آخر، وهو التغريب الذي جاء في الحديث. ونفيُ المخنّث يعني ان لا يُقرّ في مدن المسلمين. «ففي هذه الرواية التي يوردها لسان العرب ان النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر بنفي رجلين اسمهما هيت وماتع وكانا مخنثين في المدينة».
لكن، هل عرف العرب النفي، بالمعنى السياسي؟ أو هل يحدث اليوم، ان تحكم سلطة عربية على سياسي يعارضها بنفيه وطرده؟ والجواب في حدود علمي هو: لا.
هناك طبعاً، سياسيون وكتاب ومفكرون وعمال عرب تركوا بلدانهم الى بلدان اخرى، طوعاً أو كرهاً، في ظروف صعبة ذاتياً وموضوعياً. وهذا أمر آخر نابع من التوق الى الهجرة. والهجرة في عمقها ليست في ذاتها منفى، بقدر ما هي، على العكس، خروج من صحراء الداخل، تحركها رغبة دفينة في انتقال الشخص من مرحلة الإنسان – الجماعة، الى مرحلة الإنسان – الفرد. وهي الرغبة في الحرية والانعتاق. إنها رغبة الخروج من التقليد المقيِّد الى التجديد المحرِّر. فلا تُضمر الهجرة لدى صاحبها، إجمالاً، إرادة التماهي مع الآخر. إنها تضمر، بالأحرى، تحدياً للمخاطر ورفضاً للطغيان، وتطلعاً للعمل والتقدم. والحق ان معظم المهاجرين العرب قد يفضلون، اليوم، البلدان التي يعيشون فيها على بلدانهم الأصلية، لأنها تتيح لهم ان يستعيدوا انفسهم المستلبة، وأن تتفتح عبقرياتهم، وأن يعيشوا أحراراً. هكذا تتيح لهم ان يتابعوا سيرهم على الصراط الإنساني، الخطر الضيق، لكن الأخلاقي والخلاق، مرددين مع الشاعر العربي القديم: «وكل بلاد أوطنت، كبلادي»، أو: «وطول مقام المرء في الحي مخلق/ لديباجتيه، فاغترب تتجدد».
كان المخنّث والزاني ينفيان بوصفهما يمثلان مرضاً، أو يعارضان وضعاً دينياً – أخلاقياً. أما المعارض، سياسياً، فلم يكن يُنفى، وإنما كان يُقتل غالباً. فقد كان يُنظر إليه بوصفه يمثل خروجاً على السلطة القائمة بأمر الله ورعايته. وإذا نجا من القتل فمعنى ذلك انه هارب أو ثائر، وقتله مرجأ الى حين، الا اذا تراجع وتاب، وأظهر من جديد الطاعة لولي الأمر. غير ان هذا كان نادراً جداً.
ولا نعرف في الماضي العربي إلا حالتين واضحتين بارزتين من النفي الذي يمكن ان يقال عنه انه «سياسي»، بالمعنى العام:
الأولى هي نفي الشاعر طرفة بإفراده، كما عبّر، «إفراد البعير المعبّد»، والثانية هي نفي ابي ذر الغفاري الى الرّبذة في الصحراء.
وفي العصر الحديث، مارست سلطات الاستعمار في البلدان العربية النفي السياسي. أما الدولة الوطنية التي قامت بعد الاستعمار، فلم تلجأ الى النفي، وإنما الى اساليب اخرى أكثر فاعلية في استئصال المختلف المعارض. ذلك انها لم تتأسس على اختيار حر، ولم تبن نظامها على ما يشمل الجميع، أكثرية وأقليات، وإنما ارتكز نظامها على أقلية خاصة مرتبطة عضوياً به، هي الجماعات الموالية. وهكذا تُرك طريق المنفى التلقائي مفتوحاً، غالباً، امام المختلف – في الدين، في الطائفة، في الرأي، وفي البحث عن السبل التي تضمن الحياة الكريمة.
وتختلف مكانة الأقليات بين بلد عربي وآخر. ففي بعض البلدان العربية ليس لها أي حضور سياسي، أو حتى أي تمثيل برلماني. ولا يقتصر الأمر على الأقليات الدينية. فالأقليات الإتنية سارت هي كذلك في طرق المنفى، كمثل الأكراد. اما الأقليات من الأديان والإتنيات القديمة كالصابئة والآشوريين والكلدان والمندائيين والسريان، فإنها تعيش نزفاً سكانياً خطيراً – في هجرتها شبه الجماعية الى بلدان العالم.
إن غياب النفي، سياسياً، بحكم تصدره السلطة في المجتمع العربي، اليوم، ظاهرة تستدعي التأمل. انها تشير، أولياً، بالنسبة إلي، الى ان فكرة الحرية ليست قائمة عضوياً، في الحياة العربية، ذلك ان فكرة الفرد أو الشخص المستقل، سيد إرادته وفكره وعمله، وسيد مصيره، ليست هي الأخرى قائمة. «الجماعة – الأمة» هي الوجود السياسي والثقافي الأكمل، وقاعدة هذا الوجود، ومعياره. إنها الشجرة – الأم، وليس الفرد إلا برعماً فيها. لا رأي له إلا بوصفه امتداداً لها، أو تكراراً. «من قال في الدين برأيه، فهو مخطئ وإن أصاب» قول فقهي شرعي يؤكد ما اقول. فليست الحقيقة، بحسب هذا التفكير، انبثاقاً، أو نتيجة للقاء المتواصل بين الفكر والواقع، وإنما هي موجودة مسبقاً في النص الديني وفي تأويله الذي يحوز الإجماع. والفرد إذاً محتوى في الجماعة – الأمة. انه اثنية في ثوب.
أشير هنا الى انني لا أمزج، كما قد يبدو، بين الحكومة الدينية القائمة على الإجماع (المفترض) وبين الدولة الجديدة التي ليست دينية ولكنها تعطي لنفسها عصمة الدولة الدينية وتقمع الرأي المختلف. فالدولة الحديثة ليست حديثة ولا هي دينية. لكنها تمارس نهج الدولة الدينية. الفرد في الدولة الدينية لم يكن موجوداً قانونياً. والفرد هو المواطن في دولة اليوم أي صاحب الرأي ما دام يقترع ويشكل أساساً لانتخاب الحاكم. لكن المشكلة هي استمرار المفهوم الديني للدولة ومعه مفهوم الرعية بدل المواطن وإعادة إنتاج العلاقة السلطوية الدينية نفسها. هكذا قد يُلفظ الفرد من الأمة، بوصفه مرضاً، أو كفراً، أو غير ذلك، تبعاً للحالة. ليس له انا، أو ذاتية مستقلة، بحيث يقدر ان يخالف رأي الجماعة – الأمة، ويظل مقبولاً، أو جزءاً منها، من دون ان يُرفض أو يُكفّر، او يُقتل. يتعذّر على سبيل التبسيط، ان تقبل الجماعة – الأمة شخصاً فيها مثل نيتشه، أو فرويد أو داروين، أو رامبو. شخصاً يقول حقيقته هو، ضد الحقيقة التي تقول بها الجماعة – الأمة التي ينتمي إليها، وتظل مع ذلك حاضنة له، قابلة به، حريصة على حقوقه وحرياته. ذلك ان الجماعة – الأمة لا ترى من الفرد أو فيه إلا دوره الديني والدور الاجتماعي الثقافي المرتبط به. هنا، لا يتكلم الفرد بأناه وإنما يتكلم بدينه كما تنقله الجماعة – الأمة. أو لنقُل: الدين هو الذي يتكلم في الفردوية، فلا ذاتية له. ويقدر كل فرد هنا ان يقول: «حياتي ليست أنا»، لأنني لست أنا من يبتكرها، وإنما هي معطاة لي، على نحو جاهز ومسبّق. هكذا يُمضي الفرد في المجتمع العربي الإسلامي حياته بحثاً عن حياته، وبحثاً عن نفسه.
إنه يولد منفياً، نفياً مزدوجاً: تراثياً ومدنياً. وعليه ان يتحرر من منفى التراث الأصل، ومن المنفى الآخر، المنفى – النظام الذي يستمد أسسه من ذلك التراث.
لنقل ان بنية الطغيان في الحياة العربية، منذ نشوئها سياسياً، حتى اليوم، ادت الى الأمور التالية التي يعيشها العرب راهناً:
1- ليس النظام هو الذي يتبع واقع البلاد، بل البلاد هي التي تتبع واقع النظام.
2- أُلغيت فكرة الوطن، وحل محلها النظام.
3- أُلغي النفي، سياسياً، وحل محله القتل.
لكن، كما غيّر الطغيان في الحياة العربية معايير المواطنية والحرية والعلاقة مع الآخر، غيّرت ارادة التحرر في الوقت نفسه، معايير الوطن والمنفى. لم يعد الوطن حيث الولادة والعائلة، بل حيث الحرية والعمل. صار ما يسمى المنفى مكاناً للطمأنينة والعمل، وإمكاناً لممارسة الحرية ومختلف النشاطات الإبداعية.
أقول، إذاً، لا يكون المنفى في المكان وحده. المنفى قائم كذلك داخل الذات. في اللغة ذاتها. وقد يكون اشد هولاً في مسقط الرأس منه في أي مكان آخر.
أقول، إذاً، وُلدت منفياً. فمنفاي الأول، الحقيقي المتواصل، هو الوطن الذي ولدت فيه، والثقافة التي ربيت عليها. وسوف اقص عليكم حكاية منفاي داخل مواطنيتي. من دون تستر وراء قضية، من دون دعاوى رسولية أو رسالية، دون حجب للفردي الخاص باسم الجمعي العام، ومن دون أي نزوع ايديولوجي يحرف ويموّه ويرائي. سأقصها كما عشتها. لن أكون كمثل كثيرين يتكلمون على قضايا يتخيلونها أو يتمنونها، وعلى بشر لا يعرفونهم، فيما يتجاهلون الأساسي الحي: الإنسان الذي فيهم. وآنذاك، لا يكون الكلام إلا حجاباً.
عندما أجد نفسي في حالة أكبُتُ فيها ما يتوجب علي أن أكتبه، فإنني أكون في منفى – أو على الأقل، في حالة تشبه المنفى.
عندما أكون مجزّأً، مشطوراً: جسدي مقيم حيث ولد، وعقلي يتغذّى من عالم لم أولد فيه، ومن ثقافة ليست ثقافتي، فإنني أكون في حالة نفي، أينما كنت جغرافياً. فالمنفى اسم لتجربة لا تنحصر في الهجرة من مسقط الرأس، والإقامة في بلد آخر.
وعندما اتكلم لغة أخرى، داخل لغتي نفسها، فإنني أكون في حالة من حالات المنفى: منفى اللغة، أو المنفى في اللغة. المنفى داخل اللغة – الأم، خروج من الرَّحم إلى العالم. كأن أمي التي أخرجتني إلى العالم هي التي تنفيني من أحشائها. لا ملجأ لي حتى في اللغة. تائه فيها. مشرّد فيها. كأنني أنا نفسي، أنفي نفسي. ومنفاي هنا يتحرك باستمرار: لا أتوقف عن نفي نفسي، لكي أعرف كيف أحظى بها، أو لكي أحسن الوصول إليها. ولن أصل. لحسن الحظ. لأن الوصول هنا نوع من الاندراج في ركود المادّة.
إذا كان المكان الذي ينظر إلى لون بشرتي وأسماء أجدادي هو الذي يحدد هويتي، ويرسم لي نطاق الحركة ودرجة الحقوق ونسبة المواطنة ومسافة التأمل ومرجع الأسئلة، فإن هذا المكان منفى.
إن كنت لا أملك حرية فكري كاملة، أو كنت لا أملك تقرير مصيري وتوسيع وجودي الفكري، أو كنت لا أقدر أن أطرح أسئلتي بلا مواربة وأعلن تحفظاتي بلا تقية وأناقش القضايا الجوهرية الكيانية بلا حدودٍ ولا كوابح ومحرمات فكرية من أي مستوى كانت، فإما أن أتمرد وإما أن أقبل المنفى. فالمنفى الفعلي هو الإطار الثقافي الذي يحدّ من شكوكي وتساؤلاتي حول الكون والمصير.
المنفى هو أولاً غربة الإنسان عن ذاته وحريته الفكرية. هو الحجاب على العقل ورباط الأسئلة وتمويه القلق والحيرة وقبول الإذعان والتسليم بدل التعبير والمساءلة.

-2-
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نص الشهادة التي كتبها أدونيس لندوة «الأدب والمنفى»(1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: الرؤى :: الخروج مع الشمس :: بورتريهات إبداعية-
انتقل الى: