الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شهادة ادونيس (3)

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

شهادة ادونيس (3) Empty
مُساهمةموضوع: شهادة ادونيس (3)   شهادة ادونيس (3) Icon_minitime23/4/2007, 00:36

- 5 –

المنفى إذاً، بالنسبة إليّ ليس في الخارج، وإنما هو في الداخل. ولم يؤثّر في منفاي تغيير الأمكنة. وبما أنّ المنفى، بالنسبة إليّ، ليس مسألة جغرافية، وإنما هو مسألة ثقافية، فإنّ العلاج، إذاً، لا يجيء من خارج، بل من الداخل. والسؤال هو نفسه: ماذا أفعل داخل ثقافةٍ أشعر بأنني منفيّ فيها ومنها؟
يتمثّل هذا المنفى، ثقافياً، في الرؤية الأوحدية، الدينية والسياسية، السائدة الى الحياة والإنسان، تلك التي تقود المجتمع العربي، وتؤسس لوجوده. ما تقول هذه الرؤية؟
تقول إن دور الإنسان ليس في الكشف عن حقائق جديدة، وإنما هو في شرح الحقائق التي أُوحِيت الى خاتم الأنبياء، وبُلّغت في رسالة سماوية هي خاتمة النبوّات. كل دعوى تزعم القول بحقائق أخرى، باطلة حكماً، عدا أنها تحمل رفضاً معرفياً لهذه الرسالة التي هي الوحي الأخير.
ومعنى ذلك أن المستقبل لا يمكن أن يحمل حقائق أكثر صحة من تلك التي حملها هذا الوحي. والثقافة إذاً، علماً وفناً، ليست إضافة، وإنما هي انبثاقات من النصوص، شرحاً وتفسيراً وما نسميه بالتقدم، إذاً، لا يعني الإتيان بشيء لم يكن موجوداً، وإنما يعني إبراز ما كان كامناً في النصوص، وإن كان يعني التحسين والتجميل... وجهد الإنسان، نظرياً، يقتصر إذاً على النقل، واضعاً العقل نفسه في خدمة هذا النقل. فليس هناك، وفقاً لهذه الرؤية، ماضٍ ليكون هناك مستقبل. (...)
وبما أن التقدم الكامل أو الأكمل موجود في النبوة، أي موجود في الماضي، فأن نتقدم اليوم هو أن نقتدي بهذا الماضي، سياسة وثقافة. فالماضي بهذا المعنى، هو مستقبلنا.
والدين والسياسة والثقافة كل لا يتجزأ، وفقاً لهذه الرؤية.

- 6 –

كان عليّ، لكي أكون نفسي، أن أنفيها من هذا المنفى. لا في خارج أجنبي، بل داخل هذا المنفى ذاته – داخل شعبي وثقافتي ولغتي. كان عليّ أن أبتكر مكاناً آخر، في ما وراء الوطن والمنفى.
وفيما أخذت أعيش في هذا المكان الآخر، كان معظم أبناء جيلي، شعراء ومفكرين، يعيشون ويفكّرون ويكتبون من دون أن يطرحوا أي سؤال جذري على هذه الرؤية، أو على أصولها. وتلك نقطة افتراق عميق بيني وبينهم. وفي هذا الأفق تحديداً، لا أعدّ لغتي جزءاً من اللغة الشعرية العربية السائدة، أو اللغة الفكرية السائدة. والفرق بيننا هو الفرق بين قبول البناء القائم وتحسينه وتزيينه، من جهة، وإعادة النظر فيه، وإعادة بنائه على أسس جديدة، وفي أفق جديد، من جهة ثانية. فلم تكن المشكلة، بالنسبة إليّ، في الإصلاح – تعديلاً وتحسيناً. المشكلة هي، على العكس، في إعادة التأسيس.
ازداد عملي تعقداً عندما وعيت أن النص الديني الإسلامي لا ينفصل حكماً وطبيعة عن مشكلات الثقافة الغربية، عبر تجانسه مع النص التوراتيّ وحياً وتاريخاً. فالعلاقة بين النصّين وثيقة جداً، وهذا يعني أنه لا يمكن الفصل بين الثقافة العربية – الإسلامية، والثقافة الغربية اليهودية – المسيحية.
المظهر الأكثر تعقيداً في هذا الإطار هو أنه أتيحت للنصوص الدينية اليهودية والمسيحية عقول خلاّقة وحرة تعيد قراءتها وتأويلها في ضوء الشغف الإنساني الى المعرفة والتقدم والسيطرة على المادة واكتشاف الكون. هكذا فُصِلَت عن المدينة، وأتيح لها أن تبتكر مدنيَّتها وشرعَها المدني وقوانينها المدنية وثقافتها، من دون أن تسيء الى الإيمان الديني، ومن دون أن يفرض الدين تعاليمه عليها. بذلك تحقق النهوض في الغرب، مؤسساً على الفصل بين عالم الدين الذي صار تجربة روحية فردية خاصة، وعالم المدينة، الجمعي المدني المشتَرك. (...)

- 7 –

الداخل الذي أنتمي إليه منفى، لا أنتمي إليه. هكذا أتحرّك بين ضفتين في داخلي: ضفة الأصل، وضفة البحث والانتظار. بين ماضٍ أسس للظلم والقهر، للإلغاء والإقصاء، ومستقبل مجهول، معلَّقاً بينهما في وضع شخصٍ يرفض العودة الى الوراء، ولا يعرف الى أين سيصل به المطاف. انتظاراً لنهاية المطاف، أطوّف في هذا المكان الآخر، داخل لغتي، بلغتي. صار الشعر، بالنسبة إليّ، أكثر من الشعر. صار محيطاً تلتطم فيه أطراف العالم والأشياء كلها، ذاتاً وموضوعاً، داخلاً وخارجاً، طبيعة وصيرورة. صار وطنَ حريتي وميدانَ أسئلتي وتمردي. وكان عليّ أن أحوّله الى أسطورة لكي تتصادى مع أسطورة المنفى. وفي هذا ما قد يفسّر انهماكي في التاريخ. فقد كان عليّ، لكي أضيء منفاي، أن أُضيء الجذور التي جئت منها. وفي هذه الإضاءة، أشعر بأن المنفى، داخلاً وخارجاً، هو البعد المحرّك في الإنسان. ذلك أنه يتيح توظيفاً وتحريراً عاليين للطاقات الإنساني، على مستوى المخيلة، وعلى مستوى الواقع، وعلى مستوى الإبداع. يتيح الحياة في تماسّ مباشر مع حركية العالم. كأنما الإنسان لا يحيا حقاً إلا وهو يبتكر منفاه، كما يبتكر وطنه. وكأنّ الخارج إنقاذ من الداخل في أحيان كثيرة. أو كأنّ الأجنبية أو الغربة، تتيح ابتكار وطنية عالية في ما وراء الجذور والأصول، السلّف والتاريخ. أو كأنّ الذات تولّد هي كذلك في الآخر.

- 8 –

قلت مرة في قصيدة كتبتها في باريس: «لا الخارج بيتي، والداخل ضيّقٌ عليّ». في هذا ما يفسّر ذلك المكان الآخر الذي أعيش فيه، في ما وراء التخوم. في منفى – وطن، في ما وراء المنفى والوطن.
واللغة العربية هنا، لغتي – لغة انتمائي الإنساني والثقافي، هي مدار هذا المكان. وهي طينه، والأفق، ومادة المعنى وهي فضاء التمرد وسماء الحرية. الوطن هنا ذائب حاضر في المنفى. المنفى هنا ذائب مقيم في الوطن.
وُلد جسدي في هاوية وصار هو نفسه هاوية. فليس المنفى شيئاً أضيف الى حياتي. إنه حياتي نفسُها.

* نص الشهادة التي كتبها أدونيس لندوة «الأدب والمنفى» التي نَظّمها واشرف عليها الدكتور عبدالله إبراهيم ودعا إليها «المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث» في الدوحة بقطر (25 – 27 آذار/ مارس، 2007
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رامي نور
مشرف
مشرف



ذكر عدد الرسائل : 104
تاريخ التسجيل : 23/04/2007

شهادة ادونيس (3) Empty
مُساهمةموضوع: رد: شهادة ادونيس (3)   شهادة ادونيس (3) Icon_minitime23/4/2007, 21:50

لقد تجولت في المنتدى هذه أول زيارة لي بعدها لن يضيع النحل طريقه إلى الحدائق ...شكرا لك على الدعوة .... مودتي ....رامي نور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شهادة ادونيس (3)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: الرؤى :: الخروج مع الشمس :: بورتريهات إبداعية-
انتقل الى: