( جان دارك )
أو عذراء أورليانز .
شغلت تلك الفتاة العالم بقدرتها العسكرية والقيادية المتميزة ، حتى أصبحت مثلا يحتذى به في الشجاعة وروح التضحية ، والنقاوة الفرنسية .
كان هدفها من النضال أن تكشف عن زيف الحكام وشعاراتهم الرنانة ، هؤلاء الذين تجردوا من الرحمة والأنسانية
جان دارك تلك الفتاة البسيطة ....
إن سيرة حياة تلك القديسة تدور حول أحداث حرب المئة عام ، بين بريطانيا وفرنسا (1337_1453) ،
وانتهت بخسارة الأنجليز لكل اقطاعاتهم في فرنسا .
ولدت جان دارك في قرية ( دومرمي) عام 1412 ، التي كانت جزءا من (بريغاندي )
أباها متوسط الحال ، مزارع أسمه ( جون دارك) ، وأمها( أيزابيل ) التي لقنتها التعاليم الدينية ، تأخذ حياة ( جان دارك ) شكل الأسطورة ، فعندما بلغت الثالثة عشر من عمرها كانت تسمع أصواتا تناديها ،وتدعوها الى تحرير بلادها من الإحتلال الانجليزي ( هذا ما أشارت أليه في مذكراتها ) ; فلبت النداء الداخلي ، وعملت على تجميع قوات عسكرية ، قادتها بنفسها لدحر القوات الانجليزية ،بعد أن تنكرت بزي الرجال ...! وأستطاعت بهذه الطريقة أن تحصل على بعض السلطة ، التي كان يصعب لأمرأة الوصول اليها في تلك الفترة .
كان أسمها الحقيقي ( جانيت ) ،وحينما جاءت الى فرنسا نادوها ( جان ) .
بينما كانت مشغولة بأمر الحرب ، أخبرتها أمها أن والدها قد حلم بها أكثر من مرة وهي تهرب مع مجموعة من الجند ، وأنه تحدث الى اخوتها منذرا : ( لو آمنت بأن هذه الأحلام ستتحقق ، لطلبت منكم أغراقها ، وأذا رفضتم سأغرقها بنفسي !) ... وفعلا تحقق قوله الأخير لأنها أحرقت ورميت جثتها بنهر السين .
وبسبب حلم أبيها تعرضت للمراقبة والاضطهاد من والديها ، كانت مطيعة لأوامرهما ،ألا انها لم تستطع ان تعصي مشيئة ربها ، الذي كانت تقول انها اوحى لها بضرورة النضال من أجل حرية واستقلال شعبها .
ولقوة ايمانها بما تعتقده ،فقد عصت والديها .
توجهت الى ( فورسولورز) ، وقابلت قائد المدينة ( روبرت ديودريكورت ) ، وطلبت منه أن يساعدها في السفر الى فرنسا ، ألا انه رفض طلبها ، فتوجهت الى مساعده ( جون ديميتير ) ، الذي لبى طلبها ،
فأضطر ( ديودريكورت) ان يساعدها ، فأعطاها سيفا ، ورافقها فارس واربعة جنود .
عند وصولها قابلت ابن الملك ، واخبرته انها أتت لتحارب الانجليز ، اختبرها العلماء مدة ثلاثة أسابيع ، وعندما تيقنوا من أنها جاءت تنقذ(أورليانز) من الاحتلال الانجليزي ، ولتتويج الابن البكر للملك على العرش ، وهبها الملك اثنا عشر ألف جندي ، قادتهم الى ( أورليانز ) ، وكتبت رسالة الى ملك بريطانيا ( الدوق بدفورد) ، قائلة : أرسلني المتعالي ملك السماوات والارض لطردك من أراضي فرنسا ، التي انتهكت سيادتها وعثت فيها فسادا ... لو أطعتني ;فسأرحم رجالك وأسمح لهم بال>هاب الى ديارهم ،والا ستشعلها حربا ضروسا لم تر فرنسا مثلها منذ ألف عام )
وتوجعت جان دارك الى أورليانز ، وزحفت اليها بجنودها الذين حاصروها ، واحتلوا أبراج حامية المدينة ، واثناء تسلقها على السلم ، أصيبت بسهما في حنجرتها ، لكنها لم تستسلم وازدادت قوة وايمانا ، وامتطت فرسها دون أتأبه لجرحها وألمها ، وعادت الى المعركة وهي تشجع الجنود : ( كونوا شجعان ولا تتراجعوا ، وبعد قليل سيكون النصر لكم ..... المدينة لنا )
كانت جان دارك رحيمة فحينما انسحب الانجليز من المدينة ، قالت والرقة تعلو وجهها : ( لا تلحقوا بهم أي ضرر ....) ، وبقيادتها احرز الفرنسيون انتصارات باهرة ، ونجحت جان دارك في تحقيق رسالتها
تم القبض عليها حين كانت تقوم بمهمة سرية الى مدينة ( كامبين ) ، وأسرها البرغانديون ، عملاء الاحتلال البريطاني ، واقتادوها الى ( ريون ) وباعوها للأنجليز ، بعد ان فكت الحصار عن أورليانز .
أخبروها أنها ستحرق ، بعد ان تتعرض لصنوف العذاب فلم تركع .
حوكمت في محكمة الكنيسة بتهمة الالحاد والهرطقة والسحر ،وصدر قرار الحكم عليها بالحرق ، فواجهت الحكم صامدة ، شامخة الرأس ( 30/5/1431)
قامت السلطات الانجليزية ، وبمشاركة علماء جامعة باريس ، بتقييدها الى خشبة وأحرقوها ، بعد أن أقتيدت الى قاعة المحكمة مكبلة بالأصفاد والحديد
قبل حرقها ، قيدوها الى شجرة ومزقوا جسدها وهي في عمر الورود ، فقالت لهم ( لو كنت في مكان أعدامي ، وشاهدت الزبانية يشعلون النيران التي تلتهب ، حين يلقون لها بالأخشاب الجافة ، ولو كنت وسط الهيب آنذاك ; فليس لدي ما يمكن أن أضيفه من أقوال )
ارتبط أسم القديسة جان دارك ليس فقط بمقاومة الاحتلال في فرنسا ، وانما بالمقاومة النسائية في العالم ، ففي عام 1450 ، أقيمت محكمة خاصة لتكريمها
وفي عام 1909، تم تطويبها كمسيحية ، ولقبت جان دارك بالقديسة في عام 1920 ، وأصبحت مصدر الهام الكثيرين من المبدعين داخل وخارج فرنسا
كتبت حولها المسرحيات مثل مسرحية ( عذراء اورليانز ) ل شيللر وهي دراما رومانسية أنسانية ، لم يقصد بها أمة معينة ، بل عممها لكل الأمم المفككة ، التي تسعى الأطماع الخارجية بتحقيق الوحدة .
وهناك مسرحية أخرى للألماني الشهير ( برتولد بريخت ) بعنوان ( جان دارك قديسة المسالخ )
وهكذا كانت هي ( جان دارك ) رمزا للمقاومة في جميع بلدان العالم .