الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بورتريه أحمد فؤاد نجم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

بورتريه أحمد فؤاد نجم Empty
مُساهمةموضوع: بورتريه أحمد فؤاد نجم   بورتريه أحمد فؤاد نجم Icon_minitime22/7/2007, 04:43

أحمد فؤاد نجم








بورتريه أحمد فؤاد نجم Aaa

[color=black]
[color:bf0b=navy:bf0b]محمود صلاح
[b][b]في يوم بعيد بعيد ..
ذات مساء في يوليو قاهري حار. وكنت علي وشك التخرج من الجامعة سحبني من يدي صديقي الأسمر الذي أصبح فيما بعد المطرب محمد منير الي حي "سيدنا الحسين" . ومن حارة الي حارة توقفنا أمام بيت قديم متهالك في حارة "حوش قدم" والتي تعني بالفارسية "قدم الخير" . وصعدنا الدرجات الضيقة المكسورة. حيث توقفنا أمام باب حجرة بالطابق الثاني. كانت تنبعث من وراء بابها أصوات مرتفعة هي خليط من الغناء والكلام والسباب والدخان.
وقال لي قبل أن يدق الباب: هنا .. يعيش صاحبك.
سألته في دهشة: أي صاحب؟
قال : صاحبك الذي دخلت السجن بسببه يا جدع .
قبل أن يتلقي المزيد من دهشتي .
قال منير وهو يطرق باب الحجرة: هو في غيره .. أحمد فؤاد نجم يودي في داهية ؟
لم تكن هذه بداية معرفتي بأحمد فؤاد نجم شاعر "تكدير الأمن العام" كما يطلق عليه الصحفي صلاح عيسي. بل ولم يكن ذلك هو اليوم الأول الذي سمع فيه نجم عني. اذ اننا ما أن دلفنا الي حجرة "نجم والشيخ امام" الشهيرة في حوش قدم في ذلك المساء القاهري الحار من شهر يوليو حتي وجدنا أنفسنا وسط "معمعة" عجيبة وحبيبة، فنانين وفنانات مهندسين وميكانيكيين وأحد أطباء مستشفي المجانين. وشخص مجهول يحتضن عودا ويجلس علي صندوق خشبي قديم.
ورحب بنا نجم الذي كان يجلس في الحجرة علي فراش ضيق في جلباب بلدي احترقت أطرافه من فحم "الجوزة".ثم سرعان ما انغمس في الغناء بصوت جميل أجش مع المجموعة. وعندما ذكر له محمد منير اسمي في فترة راحة كان نجم قد استغلها في "نوبة كحة" شديدة .توقف في الحال عن السعال واحتضنني بشدة .
وقال للموجودين : يا ولاد الأبالسة.. الدنيا دي صغيرة.. والواد ده من قبيلة صلاح اللي كبيرهم كان أحسن واحد معاي في السجن. ولا يمكن أنساه أبدا.
وفيما بعد كتب نجم ذكرياته في "الفاجومي" ولم ينس وهو ينتقم علي طريقته من نماذج الضباط الذين قابلهم في السجون والمعتقلات.. أن يتعرض بالكلام الحلو لبعض الضباط الذين عاملوه معاملة حسنة. ومنهم اللواء صلاح طه الذي كان ذات يوم مديرا لمصلحة السجون المصرية قبل أن يتوفي .
أما أنا فقد حاولت أن أنسي أن هذا الرجل النحيل الذي يخطو الآن فوق السبعينيات من عمره. كان السبب فعلا في دخولي السجن. وكان ذلك في عهد الرئيس الراحل أنور السادات في بداية السبعينيات. الذي كان وقتها قد أطلق الكثير من التعبيرات مثل "عام الحسم" و "عام الضباب" .
وكنت مثل كثير من غيري من طلاب الجامعة أتجرع مشاعر الهزيمة وأتنفس أحاسيس الغضب . وكان أحمد فؤاد نجم والشيخ امام عيسي يجوبان الجامعات المصرية . ويلقيان بقصائد نجم واداء الشيخ امام مزيدا من الوقود علي نار الطلبة .
في ذلك الوقت كان يكفي لطالب متحمس مثلي لكي يدخل السجن . ان يكتب مجلة حائط يعلقها علي جدران الكلية. وان يكتب فيها احدي قصائد نجم . وحبذا لو كانت قصيدة "ورقة في ملف قضية".
علي أن الله فيما بعد انتقم لي من أحمد فؤاد نجم. اذ ان الشاعر المجنون ذهب الي كلية هندسة عين شمس. حيث القي قصيدة "بيان" بصوت مذيع راديو "شقلبان" عاصمة بلد اسمها حلاوة زمان. المفروض أن يذيعه رئيسها "شحاته المعسل" . واشعل نجم وهو يلقي القصيدة حماس الطلبة. فأخذ يقلد لهجة الرئيس السادات. وكانت النتيجة أنه قدم الي المحاكمة العسكرية بتهمة "اهانة الرئيس" وحكم عليه بالسجن عاما مع الشغل. صحيح أنه هرب بعد صدور الحكم لكن البوليس القي القبض عليه بعد ثلاث سنوات واقتاده لتنفيذ الحكم . وعاد نجم الي السجن الذي كان بيته الأول قبل بيته في حوش قدم!
في حجرته الشهيرة بحوش قدم اكتشفت وطنيتي .
وعشقت الرجل الذي جذبتني اليه نظرة الطفل اليتيم التي لم تختف من عينيه رغم سنوات عمره الطويلة. وكان نجم الذي ولد عام 1929 في احدي قري محافظة الشرقية، أحد أطفال ضابط بوليس مات في عز شبابه. وترك أسرة كبيرة العدد في رعاية زوجته أم نجم . والتي كانت فلاحة مصرية رائعة الجمال. وكانت "خزانة أدب شعبي" تحفظ الأغاني والمواويل وتلقيها بصوت ساخر اخاذ .
عن أمه يقول نجم "الله يرحمك يا أمه .. هي اللي علمتني "اللماضة".. كانت واحدة فلاحة لا تكتب ولا بتفك الخط. انما أجارك الله كانت في الكلام مكلمة.. وكانت لما تبدأ ما تنتهيش .. زي أبريق العسل اللي ميل علي بزبوزه وهاتك يا نز .. اشي حواديت علي اشي نوادر علي اشي حكم وأمثال علي اشي مواويل في شكوي الزمان .. ولما كان الوجد يستحكم ويحرك الشجن والمواجع وتغني لي .. آه يا وعدي صوت زي هديل اليمام في عز بؤونه الحجر .. سخن ومفرهد ومشروخ . لكن جواه خيط حرير ناعم ماتعرفلوش أول من آخر.. يشدك من شراشيب قلبك. ويفضل يطوحك في الهوا "دوخيني يا لمونة" . وبعد الدوخة ينزلك علي كفوف الراحة. وأنت مستحمي ومغسول بدموعك .
بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Tow_circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle


صحيح انه كان دائما يوليني اهتماما خاصا. وأنا جالس أسمع اليه يروي مغامراته في بلاد الله خلق الله . ثم فجأة يصمت، ويقول لي: لو تعرف يا واد بحبك قد ايه ؟
لكني كنت رغم كل شيء مجرد "عيل" من عيال نجم. وواحد من آلاف الشباب الذين تأثروا به . والغريب أنه لم تكن لأحمد فؤاد نجم قبل هزيمة 67 اية صلة بالسياسة. وان كانت صلته بالسجون قد بدأت مبكرة وكان في بداية حياته موظفا في السكة الحديد واراد أن يتزوج فاشترك مع "ساعي" في تزوير بعض المستندات لصرف "استمارة" تمكنه من الحصول علي بعض البضائع. لكن الأمر اكتشف وحكم علي نجم بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "التزوير واختلاس أموال أميرية".
في سجنه الأول اكتشف نجم موهبته الشعرية وكتب ديوانه الأول "من الحياة والسجن". في سجن "قرة ميدان " التقي بأغرب النماذج البشرية . لكن الاكتشاف الأعظم كان ميلاد نجم "الانسان" ونجم "المصري" .
عن هذه الفترة يقول : ثلاث سنين يا أرميدان.. م العصر للعصر يقفلوك علي ويناموا .. مفرمة حديد عجنت عضمي علي لحمي علي جلدي .. ورجعت شكلتني من جديد.. بدأت أصحي وأشوف الناس والأمور والأشياء بعين تانية ".
سنوات وسنوات ونحن نزحف في أواخر الليالي الي "حوش قدم". ودائما كانت الحجرة الشهيرة تتسع للكل. نفس الحجرة التي كانت يوما ما سكنا للثنائي الشهير الشيخ امام عيسي وأحمد فؤاد نجم . لكن الدنيا مثل البشر الذين يعيشون فيها لا تبقي ولا يبقون علي حال . في البداية هجرها الشيخ امام . ثم رحل عن الحياة كلها قبل أسابيع حتي جاء الزلزال ليصدع جدرانها ودرجات السلم القديمة . فأصبحت لا تسع شخصا واحد وليس الشعب المصري ممثلا في بعض مثقفيه وفنانيه وشاعر متمرد.
هكذا رحل نجم من حوش قدم .. وذهب ليعيش في شقة في جبل المقطم . في "مساكن الزلزال" التي ضمت جدرانها من تهدمت بيوتهم بفعل الزلزال الذي ضرب القاهرة قبل أكثر من عامين .
لكن الزلزال غير كثيرا في "شكل " بيت أحمد فؤاد نجم . بعد الحجرة في حوش قدم أصبح من سكان الشقق حتي لو كانت في "بيوت الزلزال" . شقة و"انتريه" ومكتب وتليفزيون ملون. وبعد أن كنت "أزحف" الي حوش صرت "اصعد" الي جبل المقطم. يستقبلني بنفس الوجه الحبيب والجلباب البلدي المحروقة أطرافه من آثار فحم "الجوزة" ومن خلفه تعدو وتتعثر أصغر بناته "زينب" وهي من زوجته الأخيرة.
يطول الليل ولا ينتهي الحديث.
أحيانا "يتسلطن" نجم ويغني من القلب بنفس الصوت المجروح .وعند الفجر يستبد به الشجن .
فيتوقف ويسألني : تفطر فول ؟
وأعلم أن الحنين سوف يقودنا بعد دقائق الي الهبوط من فوق جبل المقطم "لنزحف" من جديد الي سيدنا الحسين .. ثم نلقي نظرة علي حوش قدم .. التي هي ضد أي زلزال .
[/b][/b]












كوابيس الغربة [b]محمد عبد الحميدتوفيق
[b][b]الكوابيس سخية في الغربة ..وصور الماضي تحيل السرير إلي مجمرة ..كلما مر علينا قمر نسأله " هل تذكر مرحنا الطفولي ؟"...ما أصعب أن تجلدك الذاكرة، حينما تتحول إلي فزاعة.. مصدر للقلق ..تأنيب للضمير ..ساحة للندم.
يهجرنا النوم حينما تمرق مشاهد قسوتنا علي أحباب لم نقدرهم حق قدرهم وأصحاب لم تسنح الظروف للتواصل معهم بما يليق بقلوبهم الكبيرة ..وآخرين عشقناهم لكنهم انتهزوا غيابنا وغادروا الدنيا وما عليها بغتة ..هكذا ماتوا دون تلويحة وداع ..لم نعانق رائحة محبتهم ...ركبوا قطار الرحيل الابدي من غير أن نتلمس ملامحهم ..ولم ندقق في تفاصيل وجوههم ..جاءنا الخبر /الفاجعة ليتضامن مع الغربة ضد رهافتنا ..ليفتح نافذة من لهيب علي أفئدتنا المحترقة ..
لم يبق إلا السؤال: "كيف رحلوا و من كان معهم في آخر عهدهم بالحياة ؟...مخطيء .من قال إن وقع موت الأحبة أخف وطأة علي البعيد ممن يجاورهم ...فمن ماتوا أمام عيني كان حديثهم الأخير ونظراتهم المودعة باعثا لتخفيف الحزن وتقوية الفؤاد حال تذكرهم
بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle


هنا في الكويت كل شيء يذكرك بالوطن .. شارع القاهرة في مدينة حولي ...تجمعات الصعايدةفي خيطان ..مقهي أبناء النوبة في المرقاب ..شارع الصحافة في الشويخ ... مشهد الأسر المصرية في الحدائق العامة والتفافهم علي الغداء يوم الجمعة كعادة أسبوعية ..أنواع الفاكهة والخضار في ايدي الناس وقد اشتروها من الأسواق المجاورة للمساجد ..مطاعم الكشري والكوارع والفول في المباركية ...قرقرة الشيشة ..وصوت لعب الطاولة في مقهي يحتل الرصيف في الفروانية ...عمال البناء وقدخرجوا مبكرين واصطفوا في ساحة انتظار الاتوبيس في منطقة الفحيحيل ...سوق الحراج الذي يباع فيه كل شيء والذي يشبه الأسواق الشعبية في مصر القديمة ..شارع المطاعم في السالمية والذي يذكر لأول وهلة بشارع المحطة في نجع حمادي ....أما دوار الشيراتون في الكويت العاصمة فيحيلك علي الفور إلي مشهد زحام البشر في سوق الأربعاء بقرية ابوشوشة المجاورة لمسقط رأسي في قنا ...وإذا جالت العين في محافظة الجهراء علي الحدود الكويتية السعودية فعلي الفور تقفز إلي الذاكرة معالم الصحراء في محافظة الوادي الجديد والتي طالما أدهشنا منظرها ونحن في الطريق إليها لحضور فعالية أدبية عبر الطريق الممتد من أسيوط . بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle


كثيرة هي الأشياء التي تجعلك علي مقربة من نبض الوطن ..لكن البعاد يشعرك كأن كل شيء تبدل ..صوت أمي في الهاتف يشير إلي انها تكبر في الشهر عاما ، لهفتها علي سماع اخباري ..كلماتها الحانية المعبرة عن اشتياقها ..ومع ذلك تحثني أن أظل زمنا آخر ."الظروف هنا صعبة والحياة غالية يا ولدي ..اعملك حاجة لأولادك"
بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle


الكفيل يجثم فوق أنفاسي ..فهو يطالبني ب 400 دينار حتي ينهي لي أوراق الإقامة ..هكذا قال لي هاني سائق التاكسي الذي غادر بيته وأولاده في بولاق الدكرور وجاء الكويت ظنا منه أنه سيجد الفلوس ملقاة علي الأرض علي حد قوله “لكنه الآن يحلم باللحظة التي يعود فيها إلي تراب مصر .
بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle

بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank








بورتريه أحمد فؤاد نجم Blank
بورتريه أحمد فؤاد نجم Circle


وماذا بعد ؟ ..سألني نادي حافظ متحدثا عن توقعاتي لما ستسفر عنه هذه التغريبة كما أطلق عليها ذات حزن ..ومتي يحتضننا تراب الوطن ؟ ..هنا هبت رائحة غريبة اخترقت أنفي وأصابتني بأعراض الفرح الممتزج بالحزن ..لا أدري كيف أصبحت حزينا ومبتهجا في آن “تيقنت علي الفور أنها رائحة الطين .. طين الحقول الذي كنا نصنع منه ألعابنا الطفولية ..أفقت علي صدمة سببتها لي رسالة فتحي عبد السميع حينما سألني ممتحنا " هل ثمة علاقة لغوية بين البلاد والبلادة؟“هنا المواجع تبسط اجنحتهاعلي روحي والكوابيس سخية كأنها تبحث عن وطن علي سريري ..وكلما مر قمر علينا نسأله " هل تذكر شيئا من مرح طفولتنا"؟
[/b][/b][/b]













نافذة للحلم [b]طارق فراج
[b][b]البيوت اللبنية الواطئة في قريتي الصغيرة تفتح زاوية واسعة للسماء .. زرقة لا متناهية مرصعة بملايين النجوم .. أحدق فيها طويلا .. ينعكس الضوء علي مرايا أحداقي .. يسري وهجها في دمي .. يشتعل . كان لحبيبتي ثوب أزرق مطرز بنجوم صفراء . أقف طويلا في عرض الشارع الذي يكاد أن يخلو من المارة . نفر قليل يمرون متثائبين .. الجميع يتأهبون للنوم والليل مازال في أوله . ينظرون إلي نظرة يملؤها الشك ، يتمتمون بكلمات قليلة ، يدخلون بيوتهم ويقفلون الأبواب وراءهم بإحكام !! الآن لا أحد ، نام الجميع ، البشر ، الدواب ، حتي الكلاب أخلت مواقعها مفضلة الانزواء في الأزقة الخلفية . الآن أنا وحدي .. يا الله .. كل هذا العالم ملك لي : الشوارع الخالية ، طراوة الليل ، الهواء الذي يغازل النخيل ، كثبان الرمال العالية في آخر القرية ، نبع الماء ، الحقول ، الاتساع الرحيب للكون الهادئ ، الفراغ الذي يضج بالفراغ ، الفراغ الذي ينوء بالصمت ، الصمت الذي يتشربني . تنفتح نافذة للحلم باتساع المكان ، تنبت لي أجنحة .. أطير . تظهر عيناها الواسعتان في الأفق .. أنا الآن كون فسيح / روحي تغمرني بحشيش أخضر
أسافر وحدي كل ليلة في طريق صفت علي جانبيه بانتظام دقيق أشجار سامقة ، مثمرة بالأحلام ، الأحلام الزاهية الألوان ، الأحلام التي لن تتحقق ، أغمض عيني فاردا ذراعي ، أسحب نفسا عميقا ، يندفع الهواء بسرعة فائقة داخل رئتي التي تضج حتي تكاد أن تنفجر ، ترقص أشجار النخيل ، تبتسم النجوم التي في السماء وتغمز لي بعينها .إن داخلي أفق رحيب يضاهي الأفق الذي أراه يتسع أمامي ، المكان داخلي باتساع العالم ، ضيقا بمقياس الحلم .
أحلم أن أرحل إلي بقعة لا يعرفني فيها أحد .. أمشي في طرقاتها علي راحتي .. أبكي .. أضحك .. أمشي حافيا .. عاريا .. أغني .. أطير كريشة توجهها الريح كيفما شاءت ، أفعل ما يحلو لي دون أن يتهمني أحد بالجنون .
لماذا تصطف الأحلام هكذا !! ما الذي أبغي ؟ ما الذي تحقق ؟ ما الذي يعرفونه عني في واحتي النائية سوي أنني أكتب الشعر ؟ لماذا لم يهتم أحد ؟ لماذا لم يطالبونني يوما أن أسمعهم قصيدة !! مع من أتحدث عن الحبر والورق ، عن القصائد إذا تهمي داخلي ، عن قضايا النشر والنقد وأوضاع البلد ، عن هموم الكتابة ومكانة الأدب ؟؟ الجميع لا
( 3 )
لايحملون في رؤوسهم سوي لقمة العيش وتربية الأولاد وأن تمر حياتهم علي خير .. من منا علي حق ؟؟
منذ فترة قريبة قابلني مصادفة أحد الأصدقاء الذي اعتزلنا واعتزل الكتابة . سألته عن السبب في اختفائه هكذا فقال : " اسأل نفسك ما الذي جنيته من الكتابة ؟ إن ألبوما غنائيا واحدا لمطرب ك من إياهم ك يحقق أحلام كل أدباء الواحة في طباعة ديوان لكل منهم " صافحته وافترقنا ، وسألت نفسي : هل من الضروري أن يكون هناك عائد مادي من الكتابة ؟ بصراحة تمنيت أن يكون كذلك في وقت يعاني فيه جل الأدباء من شظف العيش وقسوة الحياة . هل أستطيع أن أتخذ قرارا بالتوقف عن الكتابة ؟ فكرت ، ورأيت أن الكاتب لا يستطيع التفكير في قرار كهذا مادام أدمن رائحة الحبر واستفزه شكل الورقة البيضاء ، وشغلته هموم الخلق ..
لكن لماذا تصطف الأحلام هكذا ؟؟ أقترب منه .. أتحسسها .. تماثيل صماء .. أشباح تطاردني .. أجري .. ألهث .. تتقطع أنفاسي ، أبحث عن دفقة هواء واحدة فلا أجد .. الأشباح تحلقت حولي ، تضغطني بأكف قاسية ، أشعر بالاختناق ، تنساب دموعي ساخنة ، بينما يتحول العالم كله إلي فم كبير .. يضحك
[/b][/b][/b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بورتريه أحمد فؤاد نجم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: الرؤى :: الخروج مع الشمس :: بورتريهات إبداعية-
انتقل الى: