الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قرن من الأدب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

قرن من الأدب Empty
مُساهمةموضوع: قرن من الأدب   قرن من الأدب Icon_minitime23/6/2007, 22:30

قرن من الأدب ـــ بقلم: ماري ـ غابرييل سلاما ـ ت.عدنان محمود محمد
لغة راوئية جديدة:‏
فرَضَت الرواية نفسَها نهائياً في القرن العشرين بعد أن وهبها كتّابٌ مثل ديكنز Dikens وبلزاك Balzac أحرفَها النبيلة. وبينما لم تظهر، حتى ذلك الحين، أية جمالية جديدة، وكان الكتّاب مازالوا يعيشون على ذكرى القرن السابق، فقد ابتنى الأدب معالمَ جديدة مع كتّابٍ من أمثال بروست Proust أو جويس Joyce، ثم مع منجزات السرياليين Les surrealists.‏
تفجّر الرواية:‏
غالباً ما عُدَّ مارسيل بروست أحد أكبر روائيي القرن، ليس لأن رواية بحثاً عن الزمن المفقود A la recherché du temps perdu (1913 ـ 1927) تشكّل بأجزائها السبعة إحدى أكبر القمم الروائية التي كتبت عبر التاريخ فحسب، بل لأن هذه الرواية المكتوبة بضمير المتكلم تقدّم تفكيراً بالغ الدقة والكمال حول الجنس الروائي نفسه. ويرى كثيرٌ من النّقاد، ومنهم رولان بارت Rolland Bartes، أن بروست، مع بحثاً عن الزمن المفقود، أنجز الرواية وأجهز عليها.‏
هل يمكن كتابة روايةٍ بعد بروست؟ بلا شك، ولكن ليس كما في السابق أبداً. لأن هذا الكاتب هو آخر الكلاسيكيين وأول المُحدَثين في آنٍ معاً. ولقد أسهم بروايته العظيمة إسهاماً كبيراً في دراسة الزمنية La temporalité، والذكرى والذاكرة اللا إرادية، وكثيرٍ من الأفكار التي أثّر عليها بها برغسون Bergson في كتابه (المادة والذاكرة Matiere et mémorie، 1896).‏
والكاتب الإيرلندي الناطق بالإنكليزية جيمس جويس James Joyce أحدُ هذه الوجوه العظيمة التي لا يمكن اختزالها إلى هذه الحركة الأدبية أو تلك، ولكنها أسهمت في تجديد الكتابة في القرن العشرين: ألا يُعَدّ وليم فوكنر William Faulkner وفيرجينيا ولف Verginia Wolf من ورثته؟ وعلى الرغم أنه من البدَهي أن نذكر رواياته أهالي دبلن Les gens de Dublin (1914) وديدالوس Dedalus وصورة الفنان شابّاً Portrait du jeune artise Par lui- meme - – mome (1916) ويقظة آل فينيغان
1939)، فإن روايته الأهم هي بلا شك أوليس Ulisse التي كتبها بين عامي (1914 ـ 1921) ونشرها في فرنسا عام 1922.‏
تمهّد هذه الرواية الضخمة إلى ما يسمّيه جويس (الأدب الأسطوري La litterature mythique). فالحدث يجري في يومٍ واحد (16 حزيران 1904)، وفي مدينةٍ واحدة (دبلن). وإذ هدمت كتابتُه لها كل تركيبٍ، فإنها سجّلت التدفّق العفوي لأفكار الشخصيات ولا شعورهم. ولكنْ تتميّز أوليس بأنها محاكاة ساخرة للنص الهوميري، حيث يعتمد كلُّ فصلٍ فيها رمزاً بلاغياً خاصّاً (معارَضة وهجاء ورثاء). تبقى هذه الرواية الحديثة والمفاجئة والمستغلقة أحياناً، والتي تزحم جنس الرواية وبنيَتها، إحدى أكثر الروايات التي حظيت بالنقد في تاريخ الأدب.‏
عُرف الكاتب النمساوي روبرت موسيل Robert Musil بأنه كاتب قصصٍ قصيرة (عرس Noces 1910 وثلاث نساء Trois femmes 1923)، ولكنه عُرف بروايته غير المكتملة الرجل البلا خِصال L' homme sans qualites التي ظهر جزءاها: الأول عام 1930 والثاني عام 1933. ولكنّ هذه الرواية أصبحت الآن كتاب ـ عبادة، لم تظهر بشكلها النهائي إلا في عام 1952، بعد أن ظهرت مسوّدات مخطوطاتها. عالم هذه الرواية قريب جداً من العالم البروستي: البحث عن الأنا هو هو (البطل أولريش Ullrich، "الرجل البِلا خصال" يبحث عن معنى لوجوده ولا يجده)، والتعطّش للمطلق هو هو (ويشهد على ذلك حبُّ أولريش المستحيل والمثالي لأخته آغات Agathe)، وهناك التحليل التاريخي والسوسيولوجي نفسه لعالمٍ كامل الانحطاط (ألا تصف الرواية أيضاً انهيار الإمبراطورية النمساوية ـ الهنغارية؟) ومع ذلك فإن الذي يجعل هذه الرواية شعاراً لأدب القرن العشرين، هو أن الحدث يختفي لصالح التفكير والبحث. لا يهم كثيراً ما يحدث، بل المهم هو مسيرة البطل وتيهه وتساؤلاته المنقسمة بين مثلٍ أعلى وواقعٍ مخيّبٍ جداً.‏
هناك كاتبان عالماهما وتقنياتهما مختلفة، وقد سعى كلّ منهما، على طريقته، في أوساط الثلاثينات، إلى كتابة رواية جديدة، وهما: الفرنسي لوي ـ فردينان سيلين Louis-Ferdinand Céline والأمريكي وليم فوكنرWilliam faulkner. اشتهر سيلين بسخريته المعادية للسامية (ترّهات حول المجزرة Bagatelles sur le massacre 1937)، ومع ذلك فهو لا يقلّ منزلةً عن كبار روائيي القرن بفضل روايتيه: سفر في آخر الليل Voyage au bout de la nuit (1932)، وموتٌ بالتقسيط Mort a ctédit (1936). ولقد فرض نفسه في المشهد الفني الفرنسي، وسرعان ما أحدثت رواياته فضيحة مباشرة: ليس لأنها تصف عالماً مترعاً بالعنف والعداوات فحسب، بل لأنها تستخدم لغةً محكية يتفجّر فيها النحو، وليس فيها مكانٌ للنواميس.‏
أما بالنسبة إلى فوكنر، ذلك الكاتب الجنوبي، فقد برع أكثر ما برع بأسلوبه الساخر (الضيعة Le hameau 1940)، كما بأسلوبه التراجيدي (الصخب والعنف Le bruit et la fureur). وبوصفه وريثاً لجويس وفرجينيا وولف، فقد كان يتطّلع إلى عالم سردي معقّد تتمادى فيه الشخصيات في مناجَياتها الجوّانية، كما هي الحال في الصخب والعنف، التي بنيت على أربع مناجيات متوالية ترصد انهيار إحدى أسر العمق الأمريكي.‏
هل كان لحياة كافكا معنى؟‏
كانت ثلاثة نصوص كافية لتجعل من الكاتب التشيكي الناطق بالألمانية فرانز كافكا Franz Kafka، أسطورة حقيقية، وهي: المسخ La metamorphose (1916)، والمحاكمة Le procés، والقصر Le chateau (والروايتان الأخيرتان لم تكتملا، ونشرتا بعد وفاة الكاتب على التوالي في عامي 1925 و1926. تفرض هذه الروايات ذات الأسلوب المتقشف عالماً غريباً عبثياً لا يطاق، يختلط فيه باستمرار الواقع بالإدهاش. يقع أبطاله دائماً في فخ مجتمع يخضعون لقواعده دون أن يفهموا معناه. تعالج رواية المسخ القدر المأساوي لغريغوار سامسا Grégoire Samsa الذي تحول ذات ليلة إلى حشرة عملاقة، ولم يعد يلقى إلا العنف والاحتقار من أولئك الذين كانوا أشباهه بالأمس. وتصف المحاكمة التعثرات الحاصلة داخل منظومة قضائية ضيعت جوزيف ك Joseph k. الذي وجد نفسه موقوفاً ومداناً ومحكوماً بالإعدام دون أن يعرف السبب أبداً. وأخيراً، في القصر، يجب على المساح ك. أن يكافح، هو الآخر، عبثاً ضد البيروقراطية البغيضة الجاثمة في القصر المشرف على القرية التي استقر فيها.‏
السرياليون:‏
تشكّل السريالية Le surréaslisme إحدى أكبر الحركات الجمالية في القرن. ولدت هذه الحركة من الحرب، وظهرت مع مجلة أدب Littérature التي أسّسها في فرنسا عام 1919 كلّ من آندريه بروتون André Breton ولوي آراغون Louis Aragon وفيليب سوبو Philippe Soupault، وما لبث بول إيلوار Paul Eluard أن انضمّ إليهم. تأثرت السريالية بعدمية Nihilisme تريستان تزارا Tristan Tzara وبحركته "دادا" التي تفتّحت في زيورخ، وأعادت النظر بجميع أسس المعنى والكتابة.‏
وإذ حمل هؤلاء الكتّاب أفكارَ لوتريامون وأبولينير (الذي أبدع كلمة سريالي)، فإنهم رفضوا كلَّ عقلانية، وسَعَوا إلى التعبير عن "عمل الفكر الحقيقي" رافضين كل رقابةٍ للعقل. ولقد أصبح اللا شعور مادة حقيقية للكاتب بفضل الوسائل غير المعروفة كالكتابة الآلية وقصص الحلم والتنويم المغناطيسي (وتلك تقنيات مستوحاة، على نطاق واسع، من التحليل النفسي). ويشهد على ذلك أهمّ كتابٍ لهذه الحركة الحقول المغناطيسية" (1920)، وهو سلسلة لنصوص "آلية" كتبها بروتون بالاشتراك مع سوبو.‏
إذا كانت السريالية حركة أدبية في الأصل، فقد أقامت علاقات وشيجة مع الفنون الأخرى التي تعتمد هي أيضاً على تقنيات غير معروفة. ولقد اتخذ بيكابيا Picabia ودالي Dali ومارسيل ديشان Marcel Duchamps، إذا لم نذكر سواهم، نظريات الكتّاب السرياليين لتكيُّفها مع فنهم. وهذه الصلة حاضرة في رواية آندريه بروتون الرائعة نادجا Nadja (1928)، التي تتحدّث بطريقة غير خطابية عن لقاء الراوي في باريس مع إحدى الممسوسات. وتشكّل الصور المولَجَة في النص جزءاً لا يتجزأ من الكتاب.‏
والشعر أيضاً:‏
ظهر في فرنسا، في عام 1913، ديوان كحول Alcools لأبولينير Apollinaire خالياً من أية علامات للترقيم، لتتغنّى قصائده بالحداثة والخيمياء الشعرية الجديدة في تناوبٍ بين التفاؤل والكآبة. أما النصوص التي جُمعت في قصيدة تصويرية Calligramme (1918) فستكون أكثر ظلاماً ولكنها تحمل التجديد عينه، وهو ديوان من "رموز للأفكار الشعرية Idéogrammes" و"قصائد ـ محادثات Poémes-conversations". وقد كتبت إبّان الحرب التي جُرح فيها الشاعر جرحاً بليغاً.‏
سيجد هذا الجيل الذي يشكّ، والذي شهد ويلات الحرب العالمية الأولى، صدّى هائلاً في الأرض اليباب لـ ت. س. إليوت T. S. Eliot: تتحدّث هذه القصيدة الطويلة المؤلفة من 430 بيتناً عن القلق واليأس اللذين ولّدتهما الحرب بلغةٍ غير مسبوقة تمزج التصوير بالرمزية.‏
أهم كتّاب القرن العشرين:‏
* غيوم أبولينير Guillaume Apollinaire: شاعر فرنسي من أصل بولوني. أهم أعماله ديوانا "كحول "1913 وقصيدة تصويرية" 1918.‏
* صموئيل بيكيت Samuel Beckett: روائي وكاتب مسرحي إيرلندي كتب جزءاً كبيراً من أعماله باللغة الفرنسية. في مسرحيتيه (بانتظار غودو ونهاية اللعبة) سعى بأسلوبٍ متقشّف إلى التعبير عن عبثية الظرف الإنساني. نال جائزة نوبل عام 1969.‏
* خورخي لويس بورخِس Jorge Luis Borges: كاتب أرجنتيني اشتهر بقصصه القصيرة الفانتازية (خيالات Fictions 1944 وكتاب الرمال Le livre de sable 1975) وهي تنشئ علم أساطير حديث.‏
* برتولت برخت Bertolt Brecht: كاتب مسرحي ألماني ومبدع لـ "المسرح الملحمي Le theater épique" والملتزم (الأم شجاعة وأبناؤها، 1941). كما أسس عام 1949 فرقة برلين.‏
* لوي ـ فردينان سيلين: روائي فرنسي كتب (سفر في آخر الليل 1932، وموت بالتقسيط 1936) كان هجّاءً وأحَدثَ ثورةً في مفهوم الأسلوب.‏
* ت. س. إليوت: شاعر أمريكي أصبح مواطناً بريطانياً، ديوانه الأرض اليباب أثّر في جيل كامل. نال جائزة نوبل عام 1948.‏
* ألبير كامو Albert Camus: مثله مثل بيكيت، ارتبط هذا الكاتب الفرنسي لبعض الوقت بالحركة الوجودية قبل أن يبتعد عنها. استكشف في كتابيه (الغريب L'értanger وأسطورة سيزيف Le mythe de sisyphe 1942) أغوار عبثية الظرف الإنساني. نال جائزة نوبل عام 1957.‏
* وليم فوكنر: كاتب أمريكي إطارُ رواياتِه كلها هو مدينة متخَيَّلة تدعى جفرسون، في ولاية متخيَّلة أيضاً تدعى يوكناباتاوفا، تصور الجنوب الأمريكي، المنطقة التي أتى منها الكاتب. قَلَبَ البنى التقليدية للسرد، وغالباً ما لجأ إلى استعادة المونولوج الداخلي. نال جائزة نوبل عام 1949.‏
* إرنست همنغواي: روائي وقاصّ وشاعر وصحفي أمريكي، الأكثر تمثيلاً لـ "الجيل الضائع". من أهم أعماله: الشمس تشرق أيضاً ، لمن تُقرع الأجراس 1940. نال جائزة نوبل عام 1954.‏
* جيمس جويس: روائي إيرلندي مؤلف رواية أوليس العظيمة 1922 وقد غيّرت جمالية الرواية.‏
* فرانز كافكا: كاتب تشيكي كتب بالألمانية. كتب رواية ملغَّزة طليعية المسخ 1915 والمحاكمة 1925 والقصر 1926.‏
* توماس مان: روائي ألماني، مؤلف الجبل السحري 1924. نال جائزة نوبل عام 1929.‏
* مارسيل بروست: كاتب فرنسي، مؤلف بحثاً عن الزمن الضائع، وهي رواية عظيمة تتحدث عن زمن الإبداع نشرت بين عامي 1913 و1922.‏
* جون شتاينبك: روائي أمريكي. (فئران وبشر 1937، وعناقيد الغضب 1939) تفضح موهبته الواقعية الفروق الاجتماعية في أمريكا خلال الانهيار. نال جائزة نوبل عام 1962.‏
* ستيفان زفايغ: كاتب نمساوي. روائي وقاص، كتب اضطراب المشاعر 1927 ومقالات أدبية.]


عدل سابقا من قبل في 24/6/2007, 03:34 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

قرن من الأدب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قرن من الأدب   قرن من الأدب Icon_minitime23/6/2007, 22:34

قرن من الأدب‏
في العاصفة‏
تمثّل سنوات ما بين الحرب فترة مضطربة ومعقَّدة، فترةً من الغليان والكآبة، فترة من الحماسة والاستخفاف. فبعد "مجزرتي" 1914 ـ 1918 و1939 ـ 1945 لم تعد المثالية واردة: يجب إحداث معالم جديدة، وإيجاد أسباب جديدة للحياة والكتابة، سواءٌ في المعركة أو، على العكس، بالهروب من الواقع وآلامه الممضّة، أو بكل بساطة، بترك المجال لليأس لكي يسرح ويمرح.‏
أدب اليأس:‏
إن الكاتب وعالم الجمال جيرترود شتاين هو الذي أبدع مصطلح "الجيل الضائع Lost generation" عندما قال لهمنغواي: "أنتم جميعاً جيل ضائع" فجعل همنغواي من هذه العبارة افتتاحية لروايته الشمس تشرق أيضاً 1926، التي لم يتوصّل بطلها جاك بارنز إلى نسيان الجراحات (الجسدية والمعنوية) للحرب العالمية الأولى، وأخفق في الحب والتبادل والحوار، تماماً مثل غاسبي Gatsby، البطل المأساوي لرواية الكاتب الأمريكي الشهير فرنسيس سكوت فيتزجيرالد الشهيرة غاسبي الرائع (1925).‏
هذا الجيل المنكوب الذي دوّخته الأحلام والكحول والرقص على أرضية من الجو المديني، سكن أدب تلك الحقبة: بدأ البحثُ عن أي مُثَل أعلى عبثياً. واستشرت كآبة مشوبة بالاستخفاف. ألا تشبه تأنّق Le dandysme القرن التاسع عشر. ويمكن أن نقرّب من هذا الجيل الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ (اضطراب المشاعر 1926) هذا الكاتب الذي عاش صعود النازية كصدمة لم يبرأ منها، وانتحر في عام 1942، ملأ روايته بتيهِ الروح وبحزن مستشرٍ.‏
في زوبعة سنوات ما بين الحربين، عمد بعض الكتّاب، بدلاً من أن ينسوا أنفسهم في اليأس أو العدمية، إلى الالتزام السياسي لكي يندّدوا بما بدا لهم غير مقبول. ولقد غدا الشاعر والكاتب المسرحي الإسباني فيدريكو غارسيا لوركا Fedrico Garcia Lorca الذي أعدمه أتباع فرانكو رمياً بالرصاص رمزاً لهذا الالتزام.‏
وفي فرنسا، جسّد آندريه مالرو André Malraux صورة الكاتب الملتزم أفضل تجسيد، فهو لم يكتف بالالتزام في كتبه، بل حارب إلى جانب الجمهوريين في الحرب الإسبانية. لنذكر فقط من بين رواياته العديدة رائعته الظرف الإنساني La Condition humanie التي نالت جائزة غونكور عام 1933: تجري أحداثها في شنغهاي عام 1927 في أثناء الانتفاضات الشيوعية التي قمعها تشانغ كاي تشيك، وأظهر شخصياتٍ منقسمةً بين المثل الأعلى وغريزة البقاء.‏
وفي الولايات المتحدة، ندّد كاتبان بالبؤس الاجتماعي واستلاب العمل وسراب الازدهار الأمريكي وهما: جون شتاينبك (في روايته عناقيد الغضب، 1939) وجون دوس باسوس John Dos Passos (الفطيرة الكبيرة، 1936).‏
هل قلتم صارت كلمة "وجودية" في فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية كلمةً دارجة، وهي تدلّ على حركة حقيقية فلسفية وأدبية جسّدها في تلك الآونة جان ـ بول سارتر Jean - Paul Sartre وهي تعتمد على اليقين التالي: "الوجود يسبق الجوهر L' existence precede l'essence. "الفرد ليس مبرمَجاً، إنه يبني حياته بحسب خياراته الخاصة، وعليه أن يتحمّل مسؤولية ذلك.‏
ماذا كانت النتائج الأدبية لعقيدة كهذه؟ روايات متقشّفة جداً يبحث فيها الأبطال عن معنى لحياتهم دون أن يتوصّلوا إلى إيجاده. كذلك هي الحال في رواية الغثيان La nausée لسارتر التي ظهرت عام 1938. كما يمكن أن نذكر في هذا المقام رواية الغريب لألبير كامو (1942): حتى لو لم يتفق النقّاد جميعاً على اعتبارهم روايةً وجودية، فإنه ينقل فيها بعض الأفكار الوجودية: (البطل مورسو الذي حُكم عليه بالإعدام لجريمة قتل اقترفها دون أن يدري بالضبط لماذا، فإن الأحداث التي تعنيه قد تجاوزته).‏
ورواية كبار الموظفين Les Maudarins" لسيمون دوبوفوار Simone de Beauvoir هي آخر قفزة روائية لهذه الحركة: إنها تصف وسطاً من أوساط مثقفي ما بعد الحرب. وغالباً ما عُدّت هذه الرواية على أنها رواية مفتاح، تبرز أهم طروحات الوجودية.‏
رواية جديدة، مسرح جديد؟‏
بدت مرحلة ما بعد الحرب متّسمة بالبحث المحموم عن التغيير والقطع، وقد تجلّى ذلك في الرواية الجديدة Nouveau roman، وهي حركة أدبية تصادَف ظهورها في فرنسا مع ظهور "الموجة الجديدة La nouvelle vague" في السينما.‏
يجتمع تحت هذه التسمية التي أوجدها الصحفي إميل هنريو Emile Henriot الكتّاب: ميشيل بوتور (التعديل La modification، 1957) وكلود أولييه Claude Ollier وروبير بانيجه Robert Pinget وجان ريكاردو Jean Ricardou وآلان روب ـ غرييه Alain Robbe - grillet(الممحاوات Les gommes، 1953) وناتالي سارّوت Nathalie Sarraute (انحناءات Tropismes، 1939، وأعيدت طباعتها عام 1957) وكلود سيمون (طريق الفلاندر La route des Flandres، 1960)، ويمكن أن نضيف إليهم مارغريت دوراس Margherite Duras في بعض نصوصها. وقد اشتركوا جميعاً بأنهم طبعوا كتبهم عند جيروم لندون Jerome Lindon في دار نشر مينوي Minuit. إذا كان لهذا الأدب هذا الصدى كله، ليس في فرنسا فحسب، فذلك لأنه أراد، مثله مثل السريالية، أن يجعل لنفسه بياناً هو: "الرواية الجديدة" التي انتفضت ضد التقاليد الواقعية التي كانت قويةً جداً آنذاك، وأعادت النظر في مفاهيم مثل الحبكة وعلم نفس الشخصيات. إذاً غالباً ما كانت هذه الرواية صعبة القراءة، ويبقى الآن الهدف الذي جمعها أكثر من محتواها الخاص.‏
في تلك الحقبة بالضبط هبّت رياح التجديد على المسرح أيضاً. وكان أول ممثل لأولئك الكتّاب المسرحيين الذين سوف تصنَّف كتبهم تحت اسم "مسرح العبث " صموئيل بيكيت الذي انضم، هو أيضاً، إلى "حظيرة مينوي" ونشر في البداية روايات مثل مولوي Molloy 1951، ومالون يموت Malone meurt، 1952، وغير القابل للتسمية L'innommable، 1953). ومع ذلك فإن مسرحيته بانتظار غودو ، 1953) هي التي أظهرته للجمهور. هذا البحث الأدبي عن المعنى قرّب بين بيكيت وإيونيسكو (1912 ـ 1994)، كاتب فرنسي من أصل روماني، مؤلف المسرحية الشهيرة المغنّية الصلعاء La cantatrice chauve، (1950) والتي بقيت إعلاناتها على مسرح هوشيت Huchette طوال أربعين سنة: تفكيك اللغة وسخرية وكلامة فارغ يسِم أيضاً هذه الكتابة المسرحية.‏
بالمقابل، كانت أعمال برتولت بريخت، وبعض مسرحيات جان جينيه Jean genet (الخادمتان، 1947) أكثر التزاماً. الكاتب الأول ألماني والثاني فرنسي. سوف يجدد بريخت الذي فضح في مسرحياته الفاشية والمجتمع البرجوازي (صعود أرتور وي الذي لقي المقاومة La resistible ascension d'Arturo Ui، والأم شجاعة وأبناؤها 1940) العلاقات بين الجمهور والمسرح. ومع ذلك فإن المتفرجين كانوا مدعوين إلى الحفاظ على مسافة بينهم وبين الشخصيات، وإلى تجنّب كل تماهٍ، وذلك بوساطة الطرق المشهدية مثل وجود أشرطة صغيرة على المسرح تنقد كلام الممثلين أو تفنّدها. أما جان جينيه فقد جعل من نفسه مدافعاً عن المهمَّشين، إذ أظهر على المسرح بكتابةٍ شتائمية ما لا يريد المجتمع أن يراه (لواطيين ومومسات...).‏
أهم التواريخ في القرن ا
* 1913: ظهور أول جزء من رواية بحثاً عن الزمن المفقود لمارسيل بروست، ديوان كحول غيّوم أبولينير.‏
* 1916: ظهور رواية المسخ لفرانز كافكا.‏
* 1922: نشر رواية أوليس لجيمس جويس، وقصيدة الأرض اليباب لـ ت. س. إليوت.‏
* 1924: يكتب آندريه بروتون البيان السريالي، وهو مقال ما لبث أن تُبع ببيان سريالي آخر بعد خمس سنوات.‏ * 1929: بداية الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة. ونجد انعكاساً لهذه الحقبة المأساوية التي سميت "الانهيار" في روايات شتاينبك ودوس باسوس.‏
* 1932: نشر رواية سفر في آخر الليل لـ لوي ـ فردينان سيلين.‏
* 1941: إنشاء دار مينوي سراً في باريس. وستنشر هذه الدار في الخمسينات أعمال كتّاب الرواية الجديدة.‏
* 1956: نشر رواية نجمة لكاتب ياسين وإثيوبيات لـ ليوبولد سيدار سنغور.‏
* 1962: نهار إيفان دونيسوفيتش لـ سولجينيتسين.‏
* 1967: ظهور مائة عام من العزلة لـ غابرييل غارسيا ماركيز.‏
* 1995: تنال طوني موريس جائزة نوبل للآداب. تصف هذه الكاتبة السوداء في رواياتها الوضع الصعب للسود في الولايات المتحدة. وقد نالت روايتها الأشهر بيلافد Beloved جائزة بوليتزر الكبرى.‏
كلمات أو تعابير رمزت إلى القرن العشرين:‏
(الشبان الغاضبون): اسم أطلق على بعض الكتّاب الإنكليز في أواسط الخمسينات، من المسرحيين (جون أسبورن John Osborne) ومن الروائيين (آلان سيليتوك Allan Sillitoc)، وقد اعترضوا في كتاباتهم على الأمر الواقع الاجتماعي.‏
(الجيل المهزوم) حركة مثّلتها مجموعة من الكتّاب الأمريكيين في الخمسينات، وأشهرهم: جالك كرواك Jack Kerouak وآلن جنسبرغ Allen Ginsberg ووليم بوروفز William Burroughs، وقد استغلوا موضوعات الانحراف والتشرد.‏
الوجودية: حركة فلسفية وأدبية نشأت في فرنسا في أواسط الثلاثينات، و(هي امتداد لأعمال كيركارد Kierkegaard ونيتشه Nietzsche)، وبلغت أوجها بعد الحرب العالمية الثانية مباشرةً. وأهم ممثليها جان بول سارتر والفيلسوف موريس ميرلو ـ بونتي Ponty- Maurice Merleau.‏
(الجيل الضائع): أطلق هذا الاسم على الكتّاب الأمريكيين الذي شهدوا الحرب العالمية الأولى التي أصبحت بالنسبة إلى هؤلاء مرادفة لإفلاس المثل العليا. ونذكر منهم: همنغواي وفيتزجيرالد ودوس باسوس.‏
الرواية الجديدة: كذلك سميت "رواية النظرة Roman du regard". رأت هذه المدرسة النور في بداية الخمسينات. ومن أعضائها: (ميشيل بوتور وناتالي ساروت وآلان روب ـ غرييه وكلود سيمون) وقد نادوا إلى هجر الأشكال التقليدية للكتابة الروائية من أجل تفكيك القص.‏
[size=12][color=#000000](Ouvroir de Litterature Potenielle) Oulipo: وتعني العبارة (مشغل الأدب التجريبي)، وقد أوجده الكاتب ريمون كونو Raymon Queneau وعالم الرياضيات فرانسوا لو ليونيّه Francois Le Lionnais 1960، (ومن أعضائه جورج بيريك أو إيتالو كالفينو) وقد اقترحوا استكشاف آدابٍ جديدة وذلك بتطبيق قيود شكلية مستوحاة من الرياضيات.‏
الخيال العلمي: لا يعني هذا المصطلح جنساً أدبياً بالمعنى الحقيقي للكلمة. بل إنه ورث رواية الاستباق Roman d'anitcipation التي شاعت في القرن التاسع عشر (جول فيرن وهـ. ج. ويلس). والخيال العلمي، إذ ولد من جراء التطور العلمي والانقلابات المرتبطة من تسارع التقدم العلمي، فإنه أدب تأملي يطور تفكيراً حول صيرورة البشرية في الموضوعات المتداولة (رحلات في الفضاء، عبر الزمن، والحياة خارج الأرض...) بين اليوتوبيات وضد اليوتوبيات (أفضل الناس لـ ألدوس هسكلي)، يضم الخيال العلمي أعمالاً منوعة تنقل في مكان آخر "ممكن" مجموع تساؤلات المجتمعات الحديثة ومخاوفها ومشاعر قلقها. ويمكن أن نجد عدة تفرعات نذكر منها الاستباق والفانتازيا البطولية fantasy-Heroic والسيبرنوك... Cyberpunk الواقعية السحرية Realisme Magique: تعبير يدل على نزعة ولدت في أواسط القرن في الأدب الأمريكي الناطق بالإسبانية، ويقوم على المزج بين الواقعية والعجائبية. وأهم ممثلي هذا التيار هم غابرييل غارسيا ماركيز وماريو فارغاس إيوسا وخوليو كورتازار Julio Cotazar، ويمكن أن نقرب إليهم بعض الكتاب من أمثال التشيكي ميلان كونديرا Melan Kondera أو البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي في بعض مظاهره، والفرنسي مارسيل إيميه Marcel Ayme يصور هذه النزعة.‏
السريالية: حركة أدبية وفنية ولدت في فرنسا عام 1919 تحت جناح آندريه بروتون ولوي آراغون وفيليب سوبو، وهي إذ تأثرت بـ "حركة دادا" لتريستان تزارا، فقد عمدت إلى إعادة النظر بمسألة المعنى بفضل تقنيات مثل الكتابة الآلية في الأدب واللصق في فن الرسم.‏


عدل سابقا من قبل في 24/6/2007, 03:41 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

قرن من الأدب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قرن من الأدب   قرن من الأدب Icon_minitime23/6/2007, 22:42

[
قرن من الأدب‏
يقظة المظلومين ـ لغة جديدة‏
عقد الخمسينات والستينات فترة من الاعتراض وإعادة النظر. دخل حينذاك إلى الأدب مهمّشون ومظلومون، أو بكل بساطة المستعمَرون القدماء الذين وجب عليهم، حتى ذلك الحين، أن يتحمّلوا نير القوى العظمى. وكان ذلك التحرير في غاية الخصوبة: فقد شهدنا تدويلاً للرواية، كما رأت النور جمالياتٌ جديدة.‏
رياح التمرد:‏
هبت على الولايات المتحدة خلال عقد الخمسينات رياح التمرد التي كنست النواميس الأدبية. في البداية، ظهر "جيل المهزومين" الذي انضوى تحت لوائه الشباب الأمريكي: فقد دشِّن لقاء ألن جينسبرغ (1926 ـ 1997) وجاك كيرواك ووليم بوروغس (1914 ـ 1997) في أواسط الأربعينات في نيويورك هذه الحركة الأدبية. بين الجاز والكحول والمخدرات والرحلات بين الأحياء المظلمة صنع هؤلاء الكتّاب الثلاثة جمالية مقاوِمة رداً على المجتمع الاستهلاكي والنموذج البرجوازي. ظهر من هذه الحركة ثلاثة كتب هامة: على الطريق (1957)، رواية عظيمة لكيرواك، وهاول Howl (1956)، قصيدة طويلة مهلوسة لجينسبرغ، والاحتفال العاري Le Festin nu (1959) التي استوحاها بوروغس من تجربته كمدمنٍ على المخدرات ومن أوهامه. وقد مُنع الكتاب لعدة سنوات في بعض الولايات الأمريكية. التيه الجغرافي والنفسي معاً هو صميم هذه الأعمال الهامشية. ويعتبر أن هؤلاء الكتّاب قد تأثروا بالأعمال الأولى لهنري ميلر Henry Miller مثل مدار السرطان Tropique de Cancer (1934) أو مدار الجدي Tropique de Capricorne (1939) اللتين منعا في بلده مسقط رأسه لعدة سنوات بسبب إباحيتهما. عام (1945)، عاد هنري ميلر إلى الولايات المتحدة بعد أن عاش في باريس ثم في اليونان، ونشر رواية الكابوس المكيَّف التي هاجم فيها حداثية المجتمع الأمريكي وامتثاليته. كذلك خضعت الطهرانية Le Puritanisme الأنكلوساكسونية لاختبار قاسٍ مع ظهور رواية لوليتا Lolita (1955) لنابوكوف Nabokov، هذا الكاتب ذو الأصل الروسي وحصل على الجنسية الأمريكية، يتكلّم فيها عن رجل كهل يرتبط بعلاقة مع مراهقة.‏
في الآونة نفسها، ظهر أدبُ أرو ـ أمريكي. منذ عام 1952، نشر رالف إليسون Ralph Elison رواية لمن تغنّي أيها الرجل غير المرئي؟ ويتكلم عن مصير شاب أسود لا يراه البيض أو يرفضون أن يروه بسبب لون جلده. ومن ناحيته، نشر جيمس بولدوين James Baldwin روايته الأولى منتَخَب السيد Elue de seigneur عام (1953)، وقد استوحاها من تجربته الخاصة لكي يندّد بظروف السود وبالعنصرية في المجتمع الأمريكي.‏
الصحوة الفرانكوفون
منذ أواسط الخمسينات ظهر أدبٌ فرانكوفوني كامل يمزج بموهبة، وأحياناً بسخرية، الثقافة الفرنسية مع الثقافات الأصللية لمؤلفيها. يبدو عام 1956 عاماً أساسياً في تاريخ هذه الحركة، لأنه ظهرت في الوقت نفسه رواية نجمة Nedjma للكاتب الجزائري كاتب ياسين وديوان أثيوبيات Ethiopique للكاتب السينغالي ليوبولد سيدار سينغور Léopold Sedar Senghor. بدت رواية نجمة متأثرة بالرواية الأنكلو أمريكية، وبخاصة جويس أو فوكنر: قصة أربعة مصائر متقاطعة، ويقدم بنية متفجرة ومتقطّعة. أما بالنسبة إلى ديوان أثيوبيات، فإنه يمجّد اللون الأسود ويذكر باللغة الفرنسية ميتولوجية أفريقية كاملة.‏
عمل ثالث حاسم في هذه المسيرة الفرانكوفونية، لأنه ينتقد التعالي الفرنسي انتقاداً مفتوحاً: ونقصد بذلك مأساة الملك كريستوف (1963) وهو مسرحية للكاتب المارتينكي إيميه سيزير Aimé Césaire، يتكلم فيها بطريقة هزلية عن ارتقاء طاغية يطمح إلى أن يتشبّه بالنماذج الأوربية الكبرى.‏
تدويل الرواية Internationalisation du roman:‏
شهد القرن العشرون تدويلاً للرواية، وشهدت أعمالٌ كتبت في جهات العالم الأربع اعترافاً عالمياً. وهكذا اكتشف الأوربيون، مع الآخرين، أعمال الكاتب الياباني ميشيما Mishima، الذي تأثّر طبعاً بكتّابٍ أجانب، لكنه كان متجذّراً في ثقافته الخاصة.‏
وجسّد كاتبان أرجنتينيان هما جورج لويس بورخِس وخوليو كورتازار ظهور أدب أمريكا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية. الأول، بورخِس، عصيٍّ على التصنيف: فهو يمزج في نصوصٍ مقتضبة في معظم الأحيان جماليات الرواية مع ألغازٍ موروثة من إدغار ألان بو ومع تبحّر عظيم، وأسرار مخاطبة الأرواح مع التساؤلات الوجودية. وتبقى روايتا خيالات Fictions (1944) والألف l'Aleph (1949) من أهم أعماله.‏
والرواية المنارة لكورتازار ماريل Marelle (1963) رواية ملغَّزة جداً: تتحدّث عن تيه شابٍّ نجهل ما إذا كانت مسيرة حياته قد انتهت بالجنون أو بالانتحار. لابدّ لهذه الرواية الفذّة، التي تدين بالكثير لجيمس جويس، أن تشهد خلق ذلك الأدب الذي لا تقتصر جذوره على الثقافة القومية وحدها.‏
غابرييل غارسيا ماركيز وجهٌ آخر من وجوه أدب أمريكا الجنوبية، وروايته الأشهر مائة عام من العزلة (1967) هي آيةٌ في "الواقعية السحرية" (جنس أدبي يجمع الواقعي إلى السحري أو العجائبي)، التي يشكّل الكاتب البيروفي ماريو فارغاس إيوسا ممثلاً شهيراً آخر لها (العمة خوليا والكاتب Tante Julia et le scribouillard 1977).‏
أدب الغولاغ:‏
وهو أدب كثير الشبه بأدب المعتقلات الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية مباشرةً. وأدب الغولاغ يندّد هو الآخر بالسجن والعزل. وأول رواية شاهدة على ذلك هي الدكتور جيفاكو (1957) لبوريس باسترناك (1890 ـ 1960)، وقد أحدثت فضيحةً في الاتحاد السوفيتي لكنها أهّلت كاتبها لنيل جائزة نوبل للآداب عام 1958. انتشرت القصة الروسية، التي أعادت الارتباط مع التقليد الواقعي للرواية التاريخية بين عامي 1905 و1945، من روسيا ما قبل الثورة إلى الستالينية. وعلى خلفية قصة حب، يفضح باسترناك مؤامرات الشيوعية وتجاوزاتها وجرائمها.‏
كذلك اشتهرت رواية نهار إيفان دينيسوفيتش (1962) لألكسندر سولجينتسين Alexandre Soljenitsine التي يتحدّث فيها عن السجن في الغولاغ لفلاح روسي، لا يستطيع أن يفهم سبب سجنه. لقد وصف الكاتب حقيقة السجن بحدة قصوى وحاول أن يظهر جانب الموضوعية. كما يجب أن نذكر القصص المؤلمة حكايات الكوليما Récits de la Kolyma (1978) لفارلام شالاموف Varlam Chalamov. وهي سيرة ذاتية لكاتب سُجِن إحدى وعشرين سنة في المعتقلات الستالينية قبل أن يموت موتاً بائساً في مصحة للأمراض العقلية.‏
قرن من الأدب‏
تثبيت الأجناس ـ لغة روائية جديدة‏
من الرواية الملحمية إلى السيرة الذاتية الأكثر فحشاً، ومن الإثارة إلى النص الاستباقي الأكثر هذياناً، عرفت بعض الأجناس الأدبية خلال قرن من الزمان تفتُّحاً حقيقياً. وبعد أن كان الكتّاب يختبئون في السابق خلف أقلامهم، أصبحوا "ممثلين في مجتمع المشهد" وفي نشر أعمال هائلة.‏
الخيال العلمي ـ جنس مستقل تماماً:‏
إذا كان الخيال العلمي قد ولد مع الروايات الفرنسية لجول فيرن التي ظهرت في القرن التاسع عشر، آلة استكشاف الزمن (1895) للكاتب الإنكليزي هـ. ج. ويلس، يجب الاعتراف بأنها أصبحت في القرن العشرين جنساً أدبياً. جنساً ليس من السهل أبداً الإحاطة به مادامت تجلياته مقترنةً مع مجالات أخرى. وهكذا فإن رواية أفضل الناس للكاتب ألدوس هكسلي (1932) التي عرفت أكبر نجاح ككتاب في القرن، ورواية "1984" (1949) لجورج أوريل George Orwell، هما بحق روايتا خيالٍ علمي، وروايتان استشرافيتان، ولكنهما أيضاً روايتا هجاء سياسي، وحرّاقتان ضد الاستلاب الاجتماعي والتقدم.‏
كذلك التواريخ المريخية Chroniques martinennes (1950) للأمريكي راي برادبوري Ray Bradbury تشهد على تفكير إنسانوي حقيقي، أليست قريبة جداً من العجائبية؟ وإلى الأقرب منا، هناك رباعية الأمريكي إسحق إسيموف Isaac Asimov (الإرساء 1951 ـ 1982) ورواية في نهاية المتاهة Au bout du labyrinthe (1970) لمواطنه فيليب ك. ديك Philip K. Dick، كذلك رواية حلقة ديون Le cycle de Dune ( لفرانك هيربرت) ثم رواية ايبريون ( لدان سيمونز) قد أسهمت في منح الجنس أحرفه النبيلة وذلك من دون أن ننسى الرواية حديثة العهد للفرنسي موريس جورج دانتيك (التي توفّق بين الخيال العلمي والرواية السوداء Le roman noir (الحورية الحمراء La Sirene rouge، 1993، وجذور الشر Les Racines du mal، 1995) وقد طبعت في "السلسلة السوداء عند غاليمار Gallimard.‏
ظهور الرواية البوليسية:‏
كما رواية الخيال العلمي، الرواية البوليسية جنس ذو حدود صعبة التحديد، وتنضمّ إليه أيضاً الروايات الملغَّزة المثيرة أو الرواية السوداء. ولدت قبل بداية القرن العشرين بكثير، وبخاصةٍ مع نصوص لإدغار آلان بو (الاغتيال المزدوج في شارع مورغ Double assassinat dans la rue Morgue، 1941) أو مع ويلكي كولينز Wilkie collins، فإنها تفتحت في العصر الحديث: في بداية القرن، أهم كتّاب القصص البوليسية هم البريطانيون كونان دويل Conan Doyle (1895 ـ 1930) مؤلف شيرلوك هولمز الشهير، وآغاتا كريستي Agatha Christie (1891 ـ 1976) التي أصبحت ذائعة الصيت منذ عام 1926 مع رواية قتل روجر أكرويد.‏
بدءاً من عقد الثلاثينات تقاسم الساحة مجالان لغويان كبيران: الأنكلوساكسون من ناحية، وقد أصبحوا مختصين في الرواية السوداء أو "الخاصة" مع داشيل هاميت Dashiell Hammett الذي أوجد العميل السري الشهير سام سبيد Sam Spade (الذي جسّده على الشاشة همفري بوغارت Humphrey Bogart في تحوير لـ الصقر المالطي Le faucon maltais)، وريمون شاندلر Raymond Chandler وبطله الذي لا يقلّ شهرةً التحري الخاص فيليب مارلو Philip Marlowe وجيمس هادلي تشيز James Hadley Chase، والفرانكوفونيين من ناحية أخرى، من أمثال البلجيكي جورج سيمنون، مبدع المتفش الشهير ميغريه (بيتر ـ لو ليتون) أو ليو ماليه، والد نستور بورما Nestor Burma (120، شارع المحطة Rue de la Gare، 1943)، والثنائي بوالو ـ نارسجاك Boileau - Narcejac (التي لم تكن إلا عام 1952، والتي حورها كلوزو Clouzot إلى السينما تحت عنوان شياطين Diaboliques) والذين تلوا السباقين في هذا النوع مثل غاستون لورو Gaston Leroux في رواية لغز الغرفة الصفراء Mystere de la Chamvre jaune، 1907).‏
ومن ناحية أخرى، أوحت الحرب الباردة لكثير من الكتاب الذين اندفعوا لكتابة رواية التجسس مثل إيان فليمينغ Ian Fleming، الذي ابتكر شخصية جيمس بوند James Bond. (الكازينو الملكي، 1953)، والتي انتشرت في السينما، وكذلك جون لوكاريه John Le Carré بعد عدة سنوات (نداء الميت L'appel du mort، 1961).‏
وقد عرفت الرواية البوليسية كسبا في الشعبية خلال السنوات الأخيرة. ومن حملة ألويتها يمكن أن نذكر جميس إلوري James Ellory، الذي بلغ عنفه حداً هائلاً حتى وصل إلى حدود المحتمل (الأضاليا السوداء Le Dhalia noir، 1987؛ ل. أ سري LAConfidential، 1990) والكاتبة الشعبية باتريسيا هايسميث Patricia Highsmith التي ذاع صيتها بعد رواية السيد ريبلاي Monsieur Riplaey عام 1957. وفي فرنسا، مسيرة الروائي جان باتريك مانشيت ـ Jean Patrick Manchette مثالية، إذ مزج في رواياته بين الحبكات المعقدة والإرهاب (نادا Nada، 1973).‏
التجديد في المسرح:‏
سيطر على الربع الأخير من القرن العشرين ثلاثة وجوه مسرحية: الألماني هاينر مولر Heiner Muller (1929 ـ 1995)، والإنجليزي إدوارد بوند Edward Bond (ولد عام 1934) والفرنسي برنار ـ ماري كولتيس Bernard - Marie Koltes (1985 ـ 1948). كان الأول كاتباً ملتزماً ناضل ضد الرقابة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وكانت سيرة حياته قريبة من برتولت بريخت. ولكن مولر ذهب إلى أبعد، لاسيما في مسرحية المعركة La bataille (1975)، التي مسرح فيها ألمانية في عهد النازية. وأهم مسرحيات هاملت ـ الآلة Hamlet - Machine (1977)، وقد منعت بسبب رؤيتها "المتشائمة جداً حول التاريخ".‏
والثاني، إدوارد بوند، ناوب بين مسرحيات قصيرة ومسرحيات طويلة لكي يشجب القمع الاجتماعي. وثلاثيته مسرحيات الحرب Pieces de Guerre‏
[size=12][color=#000000](1948) تورية تمثل العالم بعد حرب ذرية. أما الثالث، كولتيس، فقد صار الآن كلاسيكياً في فرنسا: وفي مسرحياته يطغى عدم القدرة على التواصل L'incommunicabilite. وقد أخرجها جميعاً باتريس شيرو Patrice Chereau (معركة الزنجي والكلاب Combat de negre et de chiens 1980، وفي وحدة حقول القطن Dans la solitude des champs de coton (1987).‏
قاعدة "ضمير المتكلم":‏
يبدو أن القرن العشرين هو قرن الاستبطان L'introspection (ألم يشق بروست الطريق علناً، ثم تبعه كل من جيد ولايريس وآخرين كثر؟) ويبدو أن هذه النزعة التي يمكن أن نسميها النزعة السيرية الذاتية autobiographique قد ترسخت في نهاية القرن. وأصبحت الأنا هي الفاعل الأثير إلى قلوب بعض الكتاب الذي لم يتورعوا عن تشريح حيواتهم وإظهار وجودهم، وهم يلعبون لعبة الكشف الملتبسة. إن هذا الرواج للقصة الحميمة Intimiste، حيث تنصر "الأنا" وحيث ينهدم مفهوم الشخصية الروائية، راسخ جداً في فرنسا. ويشهد على ذلك أعمال سيرج دوبرفسكي Serge Doubrowsky، وآني إرنو Annie Erneaux وهيرفيه غيبير Herve Guibert (الصديق الذي لم ينقذ حياتي L'ami qui ne m'a pas sauvel la vie)، أو في عهد أقرب (المحرم L'inceste، 1998) لكريستين آنغو Christine Angot. كما وجدت هذا النزوع في الأدب الأمريكي، وروايات فيليب روث Philip Roth (الوقائع Les faits، 1989، وأكاذيب Mensonges، 1990؛ وتراث Patrimoine، 1991)، ما هي إلا أمثلة على ذلك على خلفية البحث عن الأصول، ولنذكر أيضاً الإنكليزيين غراهام غرين Graham Greene في رواية طرق إيسكيب Ways of Escape (1980)، ومورييل سبارك Muriel Spark في رواية سيرة حياة Curriculum vitae 1992)، اللذين غادرا، هما أيضاً: الرواية التقليدية لينقّبا في الذاكرة، ويتساءلا عن الأنا الحميمة والسرية بأسلوب أقرب إلى التحليل النفسي.‏
"مجتمع المشهد":‏
أصبح الأدب بدءاً من السبعينات غير مفصول عن "مجتمع المشهد" الذي ندّد به الكاتب الموقعي le situationniste غي دوبور Guy Debord. وذلك لأن الصحافة والتلفزيون أغريا الكتّاب. ألم تصبح أعمال ميشيل هويليبك Michel Houelbecq نماذج تحتذى؟ وأصبح للكتّاب من الآن فصاعداً وجه يطلّ على الجمهور العريض. وكالنجوم الجماهيريين، صار بعضهم يحتل الصفحات الأولى كالكاتب الإنكليزي مارتن آميس Martin Amis الذي نشرت الصحافة عام 1995 ما قبضه من النشر.‏
ثم لأن النشر أصبح صفقة كغيره، حيث البحث عن أفضل المبيعات طاغٍ: وهكذا فإن شراء حقوق الترجمة من الكتّاب الفائزين من أمثال ستيفن كينغ Stepen King (الذي يملك موقعاً على الانترنيت) أو ماري هيغنز كلارك Mary Higgins Clark تعطي مجالاً لمعارك حقيقية بين الناشرين. دون أن نذكر المنَّ الذي يمثله بيع حقوق كتاب للسينما التي تصوّر بطريقة شبه آلية أفضل المبيعات على الشاشة الكبيرة.‏

المصدر:
مجلة الآداب الاجنبية - مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 125 شتاء 2006
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قرن من الأدب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: مغامرات إبداعية :: إنتقاء الذهول :: أرى موتي من علو-
انتقل الى: