عشب بلا رئتين

"ماذا تبتغي الأسماء؟!..

قالت ناقتي :

خطو يذوب بحبة

والنهر أرملة

تسرب جيدها للسابحين

وتدفع عمرها لبكارة الصفصاف"

هنا مثلا: يتضح الاشتغال الباهر على الصورة من خلال المحاولة الجريئة جدا لبناء صورة شعرية اعتمادا على جملة من المفارقات والعناصر التي تنتمي الى حقول دلالية متباينة للغاية ، لكن المتفحص للعناصر التي تبني وفقها الصورة هنا ،خصوصا حين يقف -بدقة- على الطريقة التي تم من خلالها ايصال الرسالة لا يستطيع الا ان يعترف بان هذا التضارب على مستوى العناصر المشكلة للصورة هنا-مثلا- تم استغلاله بشكل رائع للغاية بحيث شكل التضارب هنا تآلفا مثيرا للغاية خصوصا حين يصير النهر ارملة في حضور الناقة ، انها صورة رائحة حقا يا حمدي ،خصوصا وانه تم ايصالها من خلال اشتغال جيد ودقيق للغاية ... الاهم هنا انه لا يتم اللجوء الى الابهام ، بل الى الغموض المنتج لان هذه الصورة مثلا-وهي مجرد نموذج لعدد من الصور الاخرى التي يزخر بها النص ككل- تساعد على تناسل صور شعرية اخرى ، خصوصا وانها تدفع المتلقي الى طرح اكثر من سؤال / من مثل :

- ما العلاقة الممكنة بين النهر والارملة ؟

- ما الدور الذي تقوم به الناقة هنا والذي يمكن ان تقوم به في الاضطلاع بالدلالة العامة للمقطع وللنص ككل ،خصوصا في علاقتها بباقي المحاور المشكلة للصورة هنا؟؟؟؟؟

*على مستوى التركيب :

- هناك مزاوجة بين التركيبين الاساسيين في اللغة العربية ، اذ تحتل الجمل الاسمية موقعا محددا داخل النص في مواقع معينة وهي المواقع التي تم داخل اركام لمجموعة من التوصيفات خصوصا في بداية النص وكانه يقوم بتهييء القارى لما يلي / لننظر مثلا في :

"رجال يعبرون العشب

قائمة تخضب ثديها بوريقة التكليل

والنصر القديم

يئز معركتي"

وهي جمل تاتي في بداية النص اذانا بانطلاقة ما ربما نحو افق اكثر ايغالا/اكثر سبرا لاغوار دفينة ترتبط -في معظمها- بالايقاع التفاعلي للذات في علاقتها بمعطيات اخرى خارج لغوية ...

هنا ايضا:

"كي ترفو رجالا صالحين

وأسرة تبتاع موج الحلم

بالظمأ الشهي

وأغنيات سابحات فيك

هل تخلو من الوجع الموثق

باحتضان البنت؟!.. "

بالامكان الوقوف عند هذا المقطع في تحليل خاص ومنفرد تماما لسبب اساسي وهو السؤال المركزي الذي يطرحه بخصوص الالتباس الحاصل هنا والمرتبط بالتداخل بين الجملتين المركزيتين في العربية ، لم يتم اللجوء هنا الى اقامة تداخل بين الجملتين الاسمية والفعلية ؟

هل هو تداخل يرتبط بالتداخل الحاص داخل ذات تحاول ان تقيم زواجا بين عدد من المتناقضات؟ بمعنى اخر :

هل يمكن ربط هذا التداخل -من خلال تحليل يقوم على عمل اجرائي تفيكي- بالتداخل والاضطراب الحاصل على مستوى الذات -مادمنا ننطلق دائما في اي مقاربة من ضرورة ربط المستوى الدلالي بسائر المستويات التي ينبني من خلال النص ،اي نص،- ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

- على انه وبالرغم من ذلك يتضح البروز اللافت للجملة الفعلية والتي وان كانت تلتبس احيانا بالجملة الاسمية ، فانها تعمل على شد اجزاء النص ولم مفاصله الاساسية ، طبعا لا حاجة بنا في موقف كهذا الى الحديث عن خصائص الجملة الفعلية وميزاتها الاساسية لاننا سوف نقوم بذلك في بحث منفصل ...

وقد ساهمت الجملة الفعلية هنا في اعطاء النص -بالرغم من محدوديتها وعدم قدرتها احيانا على ترك المعنى حرا يجري ويتدفق دونما حدود - ساهمت هنا في اعطاء صورة وميسم خاصين للنص لعل ابرز ملامحه تتجلى في الرغبة العارمة التي تحاول الذات الابداعية ان تبلورها والمتمثلة -اساسا- في الغياب الفاحش للفعل على مستوى الواقع ...

انهي هذا التعليق بهذه الصورة الرائعة جدا والتي تحيل على تجربة ابداعية في غاية الخصوبة ،في غاية الروعة ايضا،

"ماذا تشتهي الأوراق

من غسق السطور ؟!!

تذاوب الحبر المحدق

في اهتزاز الرمل

نامت في يدي

بعض الفراشات التي احترقت

وهم بمضجعي شبح الحروف

يعيدني

لملامح عبرت

على عشب بلا رئتين .!!"

باختصار شديد النص رائع يا حمدي ، هناك اشتغال وعمل حقيقي ...

اتمنى لك مسيرة موفقة

ولا يفوتني ان اشير هنا الى انه سوف يتم الشروع في الاشتغال على هذا النص داخل "عكاز الاعمى" دون تحديد مسبق للمحور ... لذلك ارجو من كل الاخوة داخل هذا الفضاء الابداعي الجميل ان يقوموا بتهييء اوراق حول النص كل من منطلقه ومن زاوية نظره للنص الشعري ، ولنعمل على ادراجه للحوار الجماعي بين كل الاخوة في اللاولمب ...

مودتي وتحياتي :

مصطفى بلعوني