رياض الشرايطي
عدد الرسائل : 60 تاريخ التسجيل : 21/04/2007
| موضوع: الهوامش في الخطاب الروائي العربي-د . جميل حمداوي- 30/4/2007, 17:55 | |
| الهوامش في الخطاب الروائي العربي د . جميل حمداوي
أ- الهوامش عتبة نصية:
غالبا ما تلحق الهوامش بالنص الروائي في أسفل الصفحة تهميشا وتذييلا وإلحاقا لإضاءة المتن وتفسيره من جميع الجوانب- اللغوية والدلالية والتاريخية والمعرفية والاصطلاحية-. وهي تشكل نصا مستقلا بذاته على الرغم من موقعه في هامش المتن. وغالبا ما يكون النص الروائي محاطا بسور فاصل بين نصين: نص أساسي ونص ملحق. فالأول يشكل مركزا بؤريا ونوويا، والثاني يمثل نصا محيطا يأخذ وجوده الحقيقي بوجود الأول. والعلاقة بينهما جدلية وإشعاعية تتمثل في الإضاءة التوضيحية والتفسيرية. ويعد الخطاب الهامشي ( أو خطاب الهوامش) من عناصر النص الموازي ومن أهم ملحقاته الداخلية، ومن المداخل الأساسية للإمساك بدلالات النص السطحية والعميقة، فضلا عن كونه من العتبات المهمة للولوج إلى العمل الإبداعي قصد طوقه والإحاطة به بناء وموضوعا ورؤية. ويعد الهامش – حسب جيرار جنيت- حالة نصية طباعية إحالية ومرجعية ترتبط بكلمة أو عبارة أو فقرة أومقطع بطريقة محددة أو غير محددة. وتوضع الهوامش باعتبارها ملاحظات وتعليقات عادة " خارج جسم الصفحة، في أسفلها، وأحيانا في آخر الفصل أو في آخر الكتاب. وهذه الظاهرة تدعو القارئ إلى مطالعة النص مرتين. مرة أولى بقراءته الجملة مباشرة، ومرة ثانية عندما تدعوه الملاحظة إلى ذلك. إن هذا الفصل بين منطقتين من النص، إحداهما اختيارية والثانية إلزامية، يعبر غالبا عن فصل بين منطقتين من الجمهور الذي يتوجه النص إليه. فعندما نقدم استشهادات من لغة أجنبية، ثم نترجمها، فذلك لأننا نعتبر أن بعض القراء قد فهموا من أنفسهم، وأن الباقين يجهلون اللغة الإسبانية أو الفنلندية وهم بحاجة إلى هذا الدوران. وكذلك عندما يريد الكاتب أن يكون في متناول الجميع، وأن يحمي نفسه في الوقت ذاته من انتقاء الأخصائيين، فإنه يعمد إلى معالجة التقاط الحساسية في مجال صغير مخصص لذلك". وإذا كانت الملاحظة تتعلق بكلمة واحدة من النص الأساسي، فإن التعليق غالبا ما يتعلق بكامل النص. فلا يعود هنالك مبرر لوضع إشارة لهذه الكلمة أوتلك، إذ يكون لدينا التفسير الهامشي. ويترجم الهامش كذلك دلالات النص الرئيس ترجمة جزئية أو كلية. كما أن" وضع التفسيرات في أسفل الصفحة هو الذي يولد فينا الميل إلى عدم مراجعتها إلا بعد قراءة النص بمجموعه. ولكن عندما يكون الشرح أوالتعليق موضوعا إلى جانب النص، فإن الحركة العادية للقراءة تجعلنا نصادفه فيما نحن نتابع القراءة. ومنذ ذاك يمتد التعليق ويطغى على المقال بكامله".
ب- تاريخ ظاهرة الهوامش:
ارتبطت ظاهرة الهوامش مع الكتاب منذ القديم- مخطوطا ومطبوعا- من خلال عمليات الشرح والتعليق والتحشية. فكان لكل متن نصي هامش وتحشية وملاحظات تذلل صعوبات النص، وتسهل عملية الفهم والتفسير وتلقي العمل واستهلاكه وإعادة إنتاجه أو حفظه.ويمكن" اعتبار طباعة الروايات التمثيلية أو النصوص المسرحية حالة خاصة للبناء الهامشي. فقد كانت أسماء الأشخاص أو الممثلين توضع- فيما مضى- في الهامش، فلا تشكل جزءا من النص المسموع؛ فذكر الأسماء ضروري في النص الذي تقرأه، ولكننا لا نحتاج إلى هذه الأسماء في النصوص التي تقرأ علينا، فهي تدلنا كيف أن نقرأ. وبعد ذلك أخذوا يضعون الاسم منفردا في نصف السطر، وهذه طريقة أخرى لفصله عن جسم النص". وإلى جانب هذه الملاحظات الهامشية، تضاف هوامش وملاحظات خاصة بالسينوغرافيا والديكور والفضاء المسرحي وغيره..... وإذا كان خطاب الهوامش قد هيمن على الجنس الدرامي والتخييل الشعري، فإن الخطاب الروائي بدأ يستفيد بدوره من تقنية الهوامش لاسيما مع النصوص الروائية الجديدة والحداثية التي انزاحت عن كتابة سردية كلاسيكية خالية من المعطى الذهني الثقافي واستبدالها بكتابة موثقة موضوعية وتخييلية مليئة بالإحالات المرجعية والمصطلحات التقنية ، والحبلى بالمعرفة الخلفية والخطاطات التناصية و المستنسخات النصية والمقتبسات المسيجة بالمراجع المولدة للنص الإبداعي، حتى أصبحت الرواية الجديدة تجمع بين بعدين متقاطعين: جمالي وثقافي.. هذا، وتختص الهوامش في الخطابات العلمية والأدبية بالتوجيه، وإضاءة القراءة، والمساعدة على الشرح والتأويل، وتحديد سياقات المتن الوظيفية، وتجلياتها المرجعية التي تحكمها، وتجعل منها تمهيدا لزاوية أو زوايا التناول التي يغتني فيها. فإذا كان المتن النصي مبنيا على التكثيف والاختزال والغموض في كثير من الأحيان، فإن الهوامش تساعد على توضيح ماهو غامض أو يحتاج إلى إضاءات... وحتى في حال عدم وجود هوامش وملاحظات وتعليقات في أسفل الصفحة، وتفسيرات في الإطار الهامشي، " فإن الناشرين يتوجون عادة جسم النص في الصفحة ببضع كلمات تسمى" عنوان جار"، وفي أغلب الحالات يكون هذا العنوان عنوان الكتاب نفسه. يذكر به باستمرار كأنه مرمى السلاح- يقول بوتور MICHEL BUTOR- إلا أن هذا العنوان، خلال القرن التاسع عشر خاصة. كان يتغير من صفحة إلى أخرى، مذكرا بعناوين الفصول، أو مميزا كل صفحة عن مثيلتها، أوملخصا إياها، ليسمح للقارئ بأن يطالعها بارتياح. وهكذا نرى أنه يمكن إحاطة جسم الصفحة بسور من الكلمات تحميه، وتشرحه، وتدافع عنه. إلا أن ترتيبات كهذه تكلف كثيرا، ولا نراها في أيامنا الحاضرة إلا في المؤلفات العلمية: الملخصات والأبحاث والأطروحات ، تلك الكتب التي تتحكم فيها من الناحية الأدبية ويا للأسف، الروتينية البغيضة". ؛
ت- الاهتمام بالهوامش:
ولقد أولت الشعرية السردية الحديثة اهتماما كبيرا إلى المناصات الداخلية المجاورة للنص الروائي والهوامش الملحقة بالمتن الإبداعي خاصة. ومن أهم الذين اهتموا بخطاب الهوامش نذكر جيرار جنيتGERARD GENETTE في العتبات SEUILS ، وميشيل بوتور MICHEL BUTOR في بحوث في الرواية الجديدة ESSAIS SUR LE ROMAN . ويمكن مقاربة الهوامش في أي خطاب أدبي أو فني من خلال أربع مرتكزات أساسية، ألا وهي: أولا- البنية. ثانيا- الدلالة. ثالثا- الوظيفة. رابعا- القراءة السياقية.
ث- أنواع الهوامش:
ويمكن الحديث عن عدة أنواع من الهوامش نحصرها فيما يلي: 1- التفسير الهاشمي 2- التوثيق الهاشمي 3- الشرح الهامشي 4- النقد الهامشي 5- هوامش الترجمة. ويمكن تصنيفها أيضا إلى ملاحظات وشروح ومترجمات وتعليقات وببليوغرافيات. أما جيرار جنيت فيرى أن ثمة أربعة أنواع من الهوامش أوالملاحظات Notes: 1- الهوامش الأصلية المتعلقة بالطبعة الأولى للعمل الأدبي؛ 2- الهوامش اللاحقة أو هوامش الطبعة الثانية؛ 3- الهوامش المتأخرة التي تلتصق بالكتاب أو العمل في آخر طبعاته؛ 4- الهوامش التي تظهر وتختفي، ويعني هذا أن هناك ملاحظات هامشية تظهر مع نص إثر طبعة معينة، ثم تختفي بعد ذلك في طبعة أخرى. ويمكن الحديث أيضا عن هوامش إبداعية تخييلية مرتبطة بالنصوص الإبداعية والمنجزة فنيا، وهوامش وصفية موضوعية مرتبطة بالأبحاث والدراسات الأدبية والعلمية والفنية والرسائل والأطاريح الجامعية والأعمال الأكاديمية. كما أن هناك هامش الكاتب، وهامش الطابع/الناشر، وهامش السارد، وهامش القارئ.
ج- الهوامش في الخطاب الروائي العربي:
وإذا تأملنا بعض الروايات المعاصرة التي نحت منحى التجديد والتجريب، سنجدها تفاجئ القارئ من حين لآخر بهوامش خارج النص متفاوتة، يحتكرها المؤلف لنفسه فضاء لتدخلاته المتكررة؛ وتتميز هذه التدخلات بتخلي الروائي عن حياده إما للكشف عن حيثيات أهملها السارد وإما لتعليل بعض الأحداث. وقد يتدخل المؤلف ليفصح عن نيات السارد أو ليشوق القارئ إلى قول وشيك في الحبكة الروائية. ولكن ثمة نصوص كلاسيكية استعانت بالهوامش لإضاءة متونها وتوضيحها وتذليل غوامضها، مثل روايات جورجي زيدان. وفي هذا الصدد يقول عبد المحسن طه بدر:" ومن مظاهر حرص جورجي زيدان على الدقة التاريخية في رواياته أنه يشير إلى المراجع التي استمد منها مادته العلمية. وكأنه يكتب حقا مرجعا في التاريخ، فهو في رواية (الحجاج بن يوسف الثقفي) يشير إلى " الأغاني" مرتين في صفحتين متتاليتين. ويشير في صفحتين ثانيتين إلى نفس المرجع أكثر من خمس إشارات، ويشير في صفحة واحدة إلى نفس المرجع أكثر من ست مرات ، كما يشير وهو يتحدث عن علاقة سكينة بنت الحسين بالشعراء في نفس الرواية إلى الدر المنثور ، ومشكاة المصابيح وتتكرر ظاهرة الإشارة إلى المراجع في هوامش الرواية في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات. جورجي زيدان لايكتفي بأن يشير إلى المصادر التي استقى منها مادته؛ ولكنه يجعل من بعض رواياته مراجع لبعضها الآخر، فيشير في رواية ( العباسة) على أنه سبق أن تحدث عن مقتل أبي مسلم الخراساني في رواية أخرى." هذا ويشكل خطاب الهوامش في الرواية بنية نصية مستقلة تتفاعل بنيويا ودلاليا مع البنية النصية الكبرى. وهذه البنية الهامشية الصغرى لو امتدت نصيا، لتمخضت عن محكي فرعي داخل المحكي الأصلي. ولكن هدف المؤلف من اقتحام النص من هوامشه ليس هو تفتيت النص إلى محكيين اثنين، بل إيهام القارئ باستقلال السارد عن ذاته وإرادته. وبناء على هذا، ينفي جيرار جنيت التطابق المبدئي بين المؤلف والسارد على أساس أن الأول- وهو المسؤول عن الهامش- لايعرف مقدار ما يعرفه الثاني- وهو المسؤول عن المحكي- . وعليه، فالخطاب الذي يقوم على توظيف الهوامش إنما يراد به تقوية المكتوب وتعضيده وذلك بتوسيع الإشارة ودقتها حيث إيراد التواريخ في نوع من التركيز أو استحضار الشاهد العميق الدلالة علاوة على إضفاء البعد الواقعي؛ لأن بتقوية المكتوب وتعضيده، تسير بالنص من صفته الخيالية نحو الواقعية الموضوعية. ويراد بالهوامش كذلك إنتاج النص الثقافي، ومحاورة النص الأصلي. أي إن الهوامش في تنوعاتها ترسم صورة عن طبيعة النص، وتجسد النص الثقافي الذي يقدم معرفة متكاملة متضامنة، وتشكل نوعا من الحوار الذي تؤسسه مع نصوص أخرى في شكل أجناس وخطابات تتفاعل فيما بينها تعالقا وتناصا. وهكذا فخطاب الهوامش بنية مناصية ضرورية لفهم النص الروائي وتفسيره وتأويله. وهو خطاب ماورائي يعضد النص السردي الأساس ويقويه ويثريه فنيا وفكريا وذهنيا وجماليا. وهو بمثابة حواش للنص. إذ تؤطر هذه الحواشي الهامشية المعنى أو توجهه سلفا. ويحاول الروائي من خلالها أن يخفف من درجة الغموض التي باتت تشتكي منها بعض النصوص الروائية الحديثة أو المعاصرة إلى أدوات لغوية عامية وأجنبية لايعرفها القارئ العادي بالإضافة إلى توظيف رموز وأساطير وعلامات تاريخية ومرجعية تتطلب إيضاحات وشروحا. وهناك روائيون وظفوا تقنية الهوامش مثل : عبد الله العروي في روايته أوراق، وإميل حبيبي في روايته( الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل)، ومبارك ربيع في روايته( بدر زمانه)، وبنسالم حميش في ( مجنون الحكم)، ومحمد شكري في( الشطار) ومحمد الأشعري في( جنوب الروح)، وصنع الله إبراهيم في( نجمة أغسطس) التي جهر فيها بالمراجع التي اعتمدها في استجماع مواد التخييل؛ وسليم بركات في رواياته وغالب هلسا في روايته( سلطانة). فالمراجع التي أثبتها عبد الله العروي- مثلا- في روايته( أوراق) كانت تهدف إلى تسهيل النص على القارئ، وإضاءة مستنسخاته النصية ومفاهيمه المرجعية، وذلك بشرح ماغمض في النص عن طريق توضيح إحالاته الدينية والفكرية والفلسفية واللغوية والتاريخية والأدبية والفنية والسياسية... وتبيان مصادره التخييلية. وهناك مايبرر شرح هذه الهوامش لأن الرواية عبارة عن نص ميتاسردي واصف على غرار الكتب النقدية الوضعية الميتالغوية. لذلك فهي تتطلب شروحا وإحالات وتعليقات ينبغي إيضاحها وتبسيطها للقارئ. لهذا أثبتها الكاتب في آخر الكتاب لتؤدي وظيفة تربوية، وإيضاحية، وتسهيلية، ومعرفية، وإيهامية، توحي بالحقيقة الموضوعية الموثقة على غرار كتابات إميل زولا . ولا ننسى أن الكيفية التي كتبت بها الرواية، - وهي نص على نص- تبرر هذه العملية.
خاتمة:
يتبين لنا مما سلف ذكره ، أن الهوامش النصية ظاهرة مطبعية قديمة، عرفتها كل الخطابات و الأجناس الأدبية والوصفية، كما أنها عتبة من عتبات النص الموازية التي تساعدنا على استيعاب النص وإعادة إنتاجه من جديد. كما تعد الهوامش من تجليات الخطاب الروائي العربي الجديد على الرغم من وجودها في بعض النصوص الروائية الكلاسيكية. ويهدف خطاب الهوامش باعتباره مظهرا للتجريب والحداثة إلى خلق نص مجاور يتفاعل مع المتن النصي حوارا وتناصا وتخييلا وتجسيدا للمعرفة الخلفية التي انطلق منها الكاتب لإشراك القارئ في تفكيك النص وتركيبه من خلال فهم شفرة النص الثقافية والمرجعية والفنية. كما يهدف هذا النص الموازي إلى خلخلة الذوق السائد لدى المتلقي وتخييب أفق انتظاره بأنه أمام نص حداثي يتطلب منه المساهمة في خلق النص وإعادة إنتاجه من جديد .
الهوامش:
- G.GENETTE : SEUILS, SEUIL, PARIS, 1987, p : 293 ; 2- ميشال بوتور: بحوث في الرواية الجديدة، ص:123؛ - ميشال بوتور: نفس المرجع السابق، ص:123 ؛ - GERARD GENETTE : SEUILS, COLLECTION POETIQUE, SEUIL, PARIS, 1987, p : 293 ; - ميشال بوتور: المرجع السابق، ص: 123؛ - نفسه، ص: 123؛ - نفسه، صص:124-125؛ - G. GENETTE : SEUILS, collection poétique Seuils, Paris, 1987, pp : 293-312 ; - ميشيل بوتور: بحوث في الرواية الجديدة، ترجمة فريد انطونيوس، منشورات عويدات ، بيروت، باريس،ط 3، 1986؛صص:122-125؛ - G. GENETTE : SEUILS, 297-298 ; - د. رشيد بنحدو: (حين تفكر الرواية في الروائي)، مجلة الفكر العربي المعاصر، لبنان، عدد66/67 يوليو- غشت، 1989،ص:32؛ - د. عبد المحسن طه بدر: تطور الرواية العربية الحديثة في مصر، دار المعارف، القاهرة، ط3 ، ص: 102؛ - رشيد بنحدو: ( حين تفكر الرواية في الروائي)، ص: 32؛ - G.GENETTE : Seuils, Seuil. Paris, 1987, p : 308 ; - عبد الله العروي: أوراق، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2 ، 1996؛
| |
|
حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: رد: الهوامش في الخطاب الروائي العربي-د . جميل حمداوي- 1/5/2007, 10:05 | |
| رياض
أسجل إعجابي باختياراتك للمواضيع ، وتقديري لنشاطك اللافت تقبل مودتي | |
|