الشارع طويل إلى أقصى حد ، كلما حاول أن يتجاوزه يسقط لايقوى على الحراك، ينظر إلى المصباح المضيئ في نهاية الشارع يقوم متثاقلا،يخرج من حقيبته الممزقة بقايا خبز جاف، يضعها في جوفه ، تمتزج بالمرارة والنار المشتعلة في أعماقه، يحمر وجهه الشاحب وهو يتأوه، يبحث عن سبيل أو بيت يسأله كوب ماء ليساعده على إكمال الطريق.
كل الأبواب مغلقة ولا أثر لماسورة مياه يحطمها وينهل منها، أطلت عليه عجوز من إحدى النوافذ نصحته أن يسرع الخطى حتى يصل إلى المقهى ، أسرع وهو يكاد يموت من الإعياء ،الوجوه الجافة لآدميين من زمن سحيق يكسوها الألم لاتعيره التفاتا، مر عليهم واحدا واحدا ، لم يجبه أحد،لم يجد على موائدهم قطرة ماء، نظر إلى إحدى الموائد فوجد كوبا فارغا متربا ، سأل الرجل الجالس على المائدة وهو ينهار : من أين تشربون ؟
نظر إليه الرجل نظرة جافة فاحصة وهو يتناول الكوب من على المائدة المليئة بالحشرات ، قرب الكوب من عينيه وراح يبكي فاض الكوب بالدموع ، قال له : اشرب. شربه وسقط .
وجوههم الجافة تضحك كلما حاول القيام وعيناه على المصباح المضيئ ، استجمع قواه ومضى يبحث عن مكان حتى يستريح قليلا ، وجد لافتة على سور حديدي متآكل مكتوب عليها (جنة العابرين)، تحقق من الهياكل العظمية التي تخرج من الأرض وتجلس في الأركان وأطفالها التي تشبه الدمى تتقافز على الأعشاب الصدئة وجذوع الأشجار السوداء .
ألقى السلام فلم يجبه أحد ، اقتطف ثمرة ، وضعها على فمه فتكسرت أسنانه ، ابتلعها وفرد ظهره على الأعشاب فاندفعت إليه تحاصره وهو مغمض العينين لايقوى على الحراك.!
فتح عينيه ، وجد نفسه على أول الشارع الطويل ووراءه كل الوجوه الجافة تتصايح ضاحكة ولا أثر لذلك المصباح !!