الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فلسفة الجمال فى الغناء العربى المعاصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعيد شحاتة
مشرف مؤسس
مشرف مؤسس
سعيد شحاتة


ذكر عدد الرسائل : 665
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 16/04/2007

فلسفة الجمال  فى الغناء العربى المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: فلسفة الجمال فى الغناء العربى المعاصر   فلسفة الجمال  فى الغناء العربى المعاصر Icon_minitime29/5/2007, 22:06

[size=29]
الموضوع لا أعرف كاتبه ولكنه أدهشنى
________________________
[/siz

ارتبط الشعر العربي عبر مختلف عصوره بالغناء والموسيقى والنغم, وليس أدل على ذلك من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني, الذي حفظ للعرب أجمل ما يحفظ من تراثهم في مجال الغناء والانشاد, بما يسمو إلى مستوى النغم والتطريب, والذي يقلب صفحات "الأغاني" سوف يتحقق من مدى هذا التزاوج والترابط بين الشعر والغناء في حياة العرب, من خلال ليالي الأنس التي كان يحييها "إسحاق الموصلي" في "بغداد", ومن خلال "زمان الوصل بالأندلس" التي كان يحرك أسحارها صوت "زرياب", فكان للشعر والغناء جولات أثيرية اهتزت تحت إيقاعاتها السحرية قلوب العذارى وعشاق النغمة المسحورة والكلمة الشعرية المجنحة...



ولم يبلغ الغناء العربي مستوى التقدم في العصر العباسي وفي بلاد الأندلس, بمعزل عن الشعر العربي, بل كان وجود الشاعر محركاً لقريحة الفنان, وكان طبيعياً أن تكون أشعار "لسان الدين بن الخطيب" تتردد على ألسنة الملأ أهازيج وأنغاماً عذبة وقد زادتها الألحان رونقاً وبهجة يطرب لها الناس, ويحفظها الزمن, وترددها أصداء الأيام والليالي ..

كذلك كان الغناء العربي رديفاً للشعر, معانقاً للكلمة السحرية المبحرة في الجمال والخيال, فكان الغناء هو الشعر, وكان الشعر هو الغناء, حيث تكشف لنا المرجعية التراثية للغناء العربي ذلك الزخم الغنائي الذي ظل يتغذى على الخيال الشعري للشاعر العربي, ما تزال آثارها وأصداؤها تعيش بيننا الى اليوم, ترددها حناجر المطربين, وتلتقطها آذان المستمعين, في انتشاء وانحناء, ورغم انقضاء مئات السنين, فان الأذن العربية ما زالت تلتقط قول الشاعر القديم :

"قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد

قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى وقفت له بباب المسجد

ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق دين محمد .."

كما لا تزال القصائد الشعرية الغنائية القديمة تتردد أصداؤها على لسان المستمع العربي المعاصر, بعد إعادة إخضاعها لألحان جديدة, كما صنع "عبده الحمولي" في مطلع هذا القرن العشرين مع قصيدة أبي فراس الحمداني:

"أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر?

نعم أنا مشتاق وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر

اذا الليل أضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي اذا هي أذكتها الصبابة والفكر..

معللتي بالوصل والموت دونه اذا مت ظمآناً فلا نزل القطر .."

وهي القصيدة التي أعاد صياغة لحنها بعبقرية متفردة عملاق الموسيقى العربية"رياض السنباطي", وتسامت بها "أم كلثوم" الى نهاية الابداع بعبقرية صوتها وأدائها, بالمعنى الذي يؤكد التزاوج العميق بين سحر الشعر وجمالية النغم, بين المرجعية التراثية القديمة والمرجعية التراثية المعاصرة, ليتواصل هذا التزاوج العميق ويتبلور بصورة جلية مع اطلالة النهضة العربية, فنجد التطور في الموسيقى العربية ينساب جنباً الى جنب مع رقرقة الشعر, وتطالعنا أدبيات المرحلة المعايشة اليومية للشاعر والفنان والاحتكاك الدائم بين قطعة اللحن وقطعة الشعر, فلا يدهشنا احتضان أمير الشعراء "أحمد شوقي" للموسيقار الشاب "محمد عبد الوهاب", فيخرج من بين هذا الاحتضان

"يا جارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراك"

وروائع غنائية ثنائية من نوع "مجنون ليلى" مع الراحلة "اسمهان", كما لا يدهشنا الارتباط الفني الطويل بين "أم كلثوم" والشاعر "أحمد رامي" على النحو الذي أنجب للغناء العربي المعاصر روائع من نوع :

"لبست ثوب العيش لم أستشر وحرت فيه بين شتي الفكر

وسوف أنضوا الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت, أين المفر?"

ولن نتعجب من اقتران أشعار"بشارة الخوري" بألحان الموسيقار الخالد "فريد الأطرش", فأظهر الى الوجود أغنيات تطرب لها الأذن وتهتز لها الأفئدة, حين يردد مفتخراً بأمجاد أمته العربية حين وقفت متحدة "في حرب فلسطين سنة ,1948 من قصيدة "زهرة من دمنا" :

"سائل العلياء عنا والزمانا هل خفرنا ذمة مذ عرفانا?..

المروءات التي عاشت بنا لم تزل تجري سعيراً في دمانا"

كما تألقت النغمة الموسيقية بالومضة الشعرية في صورة عجيبة في هذا الارتباط الوثيق بين "فريد الأطرش" والشاعر الغنائي المتميز "كامل الشناوي" حين يقول هذا الأخير من خلال حنجرة ولحن الموسيقار المتفرد :

"لا وعينيك يا حبيبة روحي لم أعد فيك هائماً فاستريحي

سكنت ثورتي فصار سواء أن تليني أو تجنحي للجموح

واهتدت حيرتي فسيان عندي أن تبوحي بالحب أو لا تبوحي

وخيالي الذي سما بك يوما يا له اليوم من خيال كسيح

والفؤاد الذي سكنت الحنايا منه أودعته مهاب الريح.."

وعلى هذا النحو ارتقى الغناء العربي, وارتفع بمستوى الذوق الفني للمستمع العربي, ولم يكن ذلك متاحاً أو ميسراً لولا الشعراء وصناع الكلمة الشعرية المنغمة, الذين كان لهم الفضل الكبير في توجيه الأغنية إلى طريق الابتداع والابتكار, بما يجعل من الفن الغنائي العربي يضاهي ويتجاوز أحياناً روائع الموسيقى في العالم, وهذا انطلاقاً من كون النص الشعري هو الذي يوجه قريحة الملحن, ويوقظ فيه عبقرية النغم والإلهام, والفنان الملهم هو من يقدر على استنباط الصور والمعاني الجميلة المعبرة التي يوحي بها النص الشعري, وهذا لن يتأتى اإلا إذا كان الفنان الملحن صاحب موهبة حقيقية وصاحب ثقافة فنية وتكوين أدبي وحامل رسالة فنية, كما يمكن أن نلمس هذه الحقيقة في قصيدة الشاعر "جورج جرداق" التي أبدع في تلحينها الموسيقار"محمد عبد الوهاب":

"هذه ليلتي وحلم حياتي بين ماض من الزمان وآت

الهوى أنت كله والأماني فاملأ الكأس بالغرام وهات

بعد حين يهجر الحب دارا والعصافير تهجر الأوكارا..

وديار كانت قديماً ديارا سترانا كما نراها قفارا

سوف تلهو بنا الحياة وتسخر فتعال أحبك الآن أكثر.."

إن الصور الجميلة والمعاني التي تزخر بها قصيدة "هذه ليلتي" هي التي أوحت لـ"محمد عبد الوهاب"" بأن يخرج لنا ألحانه التعبيرية الرائعة المبثوثة على كل بيت بل كل كلمة أو جملة أملتها شاعرية "جورج جرداق", وبنفس الرؤية الفنية تعامل"رياض السنباطي" مع قصيدة"الأطلال" فأخرج للغناء العربي ذلك العمل الفني العملاق الذي اجتمعت فيه عبقرية الشاعر "ابراهيم ناجي" وعبقرية الملحن وعبقرية صوت وأداء "أم كلثوم", فجاءت "الأطلال" كأجمل وأكمل عمل غنائي يتميز بالدرامية, نحس ازاءه بالجهد الضخم الذي بذله صانع اللحن الخالد حتى تماثل هذا العمل الدرامي الى مرتبة الابداع والكمال, ومع كل مقطع درامي نقف على أنفاس الشاعر, ونحس بالتراجيديا تلقي بظلالها على أجواء الملحن وهو يجلس ليخرج "الأطلال" إلى الوجود والخلود .... وقد فهم الشعراء العرب (وهم قلة) خطورة النص الشعري في العملية الإبداعية والتطورية للأغنية, فتحملوا تبعاً لإحساسهم بذلك مسؤولية المساهمة الفعلية في ترقية النغم العربي والسمو بالفن الغنائي إلى ما يستحقه من تقدم وتطور وارتقاء, وأخذوا على عاتقهم مسؤولية الانخراط في المنظومة التي تتولى صناعة الغناء والموسيقى, ولم يتركوا المجال حكراً على الملحن أو المغني, فنرى "أحمد رامي" - على سبيل التمثيل - ينقطع إلى هذه المهمة ويرافق "أم كلثوم" إلى آخر حياتها يمدها بروائع أشعاره, ويدلها على قصائد غيره من الشعراء لتغنيها, إيماناً منه بمسؤولية صانع الكلمات في الارتقاء بالفن, وجعله لا يتوقف عند حدود التطريب الاستهلاكي, بل يتعدى ذلك إلى تثقيف الناس وتنوير عقولهم وأخيلتهم, وترقية أذواقهم, ويهذب طباعهم, ويفتح أذهانهم على صور الجمال, والحب, والفلسفة, والتأمل, من غير إغفال الجانب التطريبي والترفيهي الذي لا ينزل بالمستمع إلى الدرك الأسفل من الانحطاط والتردي الذي يبتعد بالفن عن رسالته ومراميه.

وكذلك شعراء العرب من أولئك الذين ذاع صيتهم مع فلسفة الغناء العربي, من أمثال "بشارة الخوري" و "كامل الشناوي" والأمير "عبد الله الفيصل" وشقيقه "خالد الفيصل" و "محمود حسن اسماعيل"و "صالح جودت" و "الهادي آدم" و "سعاد الصباح", ومن الجزائر "سليمان جوادي" و "محمد الأخضر السائحي" و "عبد القادر السائحي" وغيرهم ممن لا يسع المقام لذكرهم...

هؤلاء الشعراء الذين سخّروا قرائحهم ووضعوا أشعارهم في خدمة الأغنية العربية وترقية الأذن الموسيقية والشعرية كانوا على دراية كبيرة, وعلى وعي عميق بقيمة الجملة الشعرية التي يتخذها الفنان الملحن كخميرة لإبداعه الفني الذي يتحول على يديه إلى بناء معماري متكامل يظهر العبقرية العربية في أسمى خصوصيتها, بما يفيد أن لا تقدم للغناء والموسيقى بمنأى عن الشعر, وعن مضامين النص الشعري القائم على الرؤية الفنية المتفردة المتميزة.. ولقد تميز شعراء الأغنية العربية المعاصرة بميزة هامة مشتركة, وهي تحرير الأغنية من معاني الابتذال التي كانت تسود الأغنية, إذ كانت حناجر المغنيين لا تنفك تخاطب الجسد لذاته, ودعوة الحبيب إلى المضاجعة في السرير, والحنين الى معانقة الطرف الآخر على فراش النوم, وغيرها من المعاني التي يمقتها الفن وينفر منها الذوق الفني السليم وهي المعاني التي ما تزال البضاعة المفضلة عند العديد من أشباه الفنانين من الذين ابتليت بهم الساحة الفنية في هذا الزمن الردئ الذي يسوده الجهل وتتحكم فيه الأمية الثقافية من الوريد الى الوريد, وعن طريق الشعراء الذين تألقت أسماؤهم وأشعارهم في سماء الأغنية العربية, ارتفعت حاسة الذوق الفني, وقفز النص الغنائي الى مرتبة الابداع الذي تتجلى فيه خيوط العبقرية والتوهج والتفرد, إلى الحد الذي نرى الشاعر الغنائي قد تحول إلى مصور رسام, يبدع أغانيه بالريشة والألوان حين يجلس ليرسم للمستمع هذه اللوحة المترعة بألوان الفن والجمال فيصبح المستمع لا يتذوق القطعة الغنائية عن طريق أذنيه فحسب بل تشترك عيناه أيضاً في الاستمتاع بهذا الجمال, حين يستمع إلى "أحمد رامي" يشدو على لسان "أم كلثوم":

"أغار من نسمة الجنوب على محياك يا حبيبي..

وأحسد الشمس في ضحاها واحسُد الشمس في الغروب

وأغبط الطير حين يشدو على ذرى فرعه الرطيب

قد ترى فيهما جمالاً.. يروق عينيك يا حبيبي.."

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://saidshehata.blogspot.com
سعيد شحاتة
مشرف مؤسس
مشرف مؤسس
سعيد شحاتة


ذكر عدد الرسائل : 665
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 16/04/2007

فلسفة الجمال  فى الغناء العربى المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فلسفة الجمال فى الغناء العربى المعاصر   فلسفة الجمال  فى الغناء العربى المعاصر Icon_minitime29/5/2007, 22:07

وليس أروع من نغمة الوتر بسحر اللون, حين يأخذ شاعر الكلمة بأذن المستمع ليكشف له عن مواطن الجمال والجلال من خلال لوحة فنية رائعة لا يكفي أن نطرب لموسيقاها أو نهتز على إيقاعاتها; لا يكفينا أن نعجب بجمالية تناسقها, بل لا بد أننا واجدون أنفسنا حيالها أمام لوحة فنية رائعة الحسن, لا يقل تأثيرها في نفوسنا عن لوحات "دافنشي" و"رفائيل" و "فان غوخ" و "دي لاكروا" و "محمد راسم" و "نصر الدين دينية" وغيرهم من عباقرة الفن القائم على الرؤية المجردة للعين, والفرق بين النص الغنائي العربي واللوحة الفنية عند الرسام والمصور, أن هذا الأخير يبهرك بألوانه ومناظره, ولكنه يسد أمامك منافذ الخيال والتحليق, على غير الشاعر الذي يطربك برقة كلماته وأشعاره, وفي الوقت ذاته يتيح لخيالك الجموح الانسياب مع الصور الجميلة التي يصورها النص الذي يردده على مسمعك الشاعر على لسان المغني المقتدر المتمكن من فنه, حين يضعك أمام هذه اللوحة الغنائية :

"سمعت في صوتك الجميل ما قالت الريح للنخيل

يسبح الطير أم يغني ويشرح الحب للخميل

أغصنٌ تلك أم صبايا شربن من خمرة الأصيل"

أو يضعك أمام هذا المشهد الفني الرائع الذي نخال أنفسنا ونحن في غمرة الانتشاء والامتلاء بجماله كأننا إزاء إحدى أروع اللوحات الفنية لعصر النهضة الايطالي, تزخر فيه صور الرومانسية, وتنضح بالخيالات والتأوهات المترعة بالحب والشوق والحنين, تكشف بوضوح عن الشعرية التي ينفرد بها الغناء العربي, نلمس هذا في أغنية "القمر الأحمر"التي ترنم بها الفنان المغربي "عبد الهادي بلخياط" حيث يقول مطلعها:

"خجولاً أطل وراء الجبال وجفن الدجى حوله يسهر

ورقراق ذاك العظيم على شاطئيه ارتمى اللحن والمزهر

وفي موجه يستحم الخلود وفي غوره ترسب الأعصر.."

وهي القصيدة التي كتبها الشاعر "عبد الرفيع الجوهري ووضع لحنها" عبد السلام عامر", وكل مقطع منها, يشكل لوحة فنية قائمة بذاتها يحار أمامها عقل المصور, وتشتاق لرسمها ريشة الفنان الملهم ...
وعلى مستوى الموضوعات التي تناولها النص الغنائي العربي, فانه يمكن القول إن الشاعر بتعاونه مع صاحب اللحن قد طرق موضوعات متنوعة ومتعددة, ذات علاقة بوجدان الانسان العربي وبقضاياه الجوهرية, وذلك بصورة تتجاوز ما هو سائد في الغناء حالياً على مستوى الأقطار العربية, وحتى الأوروبية, فعندما كتب الشاعر الجزائري قصيدته "أدعوك يا أملي" لتغنيها الفنانة "وردة الجزائرية" في الذكرى العاشرة لاستقلال الجزائر, من تلحين الراحل "بليغ حمدي", استطاع "صالح خرفي" أن ينجز لنا نصاً غنائياً رائعاً مزج فيه بين الحب الذي يجمع حبيبين, وبين فرحة النصر باستقلال الجزائر, بالمعنى الذي يوحي للمستمع أنه أمام لوحة غنائية يتراءى فيها الحب في أسمى معانيه, حين يجمع قلبين متحابين على وطن يحتفل بذكرى انتصاره على جراحه وآلام شعبه, فليس أروع من هذه العاطفة التي ترتفع بالحب إلى ذروة الوطن, وتتسامى باذن المستمع إلى مرتبة الصفاء والتجلي, حين تصبح فرحة الوطن هي الفرحة الكبرى في قلب الحبيب, حين تخاطب الحبيبة قلبها الآخر ويعلو صوت الوطن فوق صوت الحبيب:

"من بعيد أدعوك يا أملي وأهتف من بعيد

أنا لم أزل للحب للحب الوحيد

للذكريات الخالدة للزفرات الصاعدة

يوم المسير إلى الفدا وغداة تلبية النداء

صوت بلادي يا حبيبي صوت أعز من الحبيب

صوت الجزائر يا حبيبي



وقد أبدع في تلحين هذه الأغنية الرائعة "بليغ حمدي" بامتياز عندما طعم لحنه بمقطع لحني مستمد من إحدى أشهر الأغنيات الفلكلورية الجزائرية, وهي أغنية "ما نيش منا", وذلك في محاولة فنية لربط هذه الأغنية ذات الجوهر النضالي الجزائري, بالتراث الغنائي الأصيل النابع من الفلكلور الجزائري, فأعطى ذلك بعداً فنياً للأغنية.. وتتوسع موضوعات الغناء العربي المعاصر, لتتناول فلسفة الحب والجمال, من منظور شفاف تتجلى فيه الرومانسية الفنية في أرق معانيها وأبهى صورها, وذلك مع تجربة "فيروز" مع بعض نصوص وأشعار "جبران خليل جبران", التي تحولت مع صوت "فيروز" إلى لوحات ملونة بألوان الرومانسية الحالمة, فنجد أنفسنا منبهرين أمام فلسفة مترعة بالفن والجمال, تعكس للمستمع المتذوق التصور السليم والفهم العميق للفن, حين تتغنى "فيروز" بهذه الكلمات الموغلة في الرومانسية الجبرانية ومن ألحان "محمد عبد الوهاب":

"سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام

وسعى البدر وللبدر عيون ترصد الأيام..

فتعالي يا ابنة الحقل نزور كرمة العشاق

علنا بذياك الرحيق نطفئ حرقة الأشواق"

واستطاع الشاعر الغنائي أن يأخذ بيد المستمع العربي إلى دوحة الارتقاء الفكري والوجداني, من خلال موضوعات تتناول فلسفات انسانية, أبدعتها عبقرية الموسيقى العربية التي كانت سباقة إلى استيعاب المعاني الفلسفية المصاحبة للانسان, والمعبرة ببلاغة فائقة عن تطلعات وأحلام الإنسان في هذه الحياة, حيث يوقفنا النص الشعري على نماذج رائعة لفلسفة غرقى في الدعوة إلى الاغتراف من اللذات والجمال, والارتماء في أحضان اللهو والطرب من منظور فلسفي تحضر فيه "الوجودية" بعنف, من خلال "رباعيات الخيام" بصورة خاصة :

"أولى بهذا القلب أن يخفقا وفي ضرام الحب أن يحرقا

ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوى وأن أعشقا"

ونجد هذه الفلسفة تتصاعد أكثر مع "اسمهان" عند أدائها لقصيدة الشاعر "بشارة الخوري" التي يقول مطلعها:

"اسقنيها بأبي أنت وأمي لا لتجلو الهم عني أنت همي..

املأ الكأس ابتساما وغراما فلقد نام الندامى والخزامى ..

صبها من شفتيك في شفتيا ثم غرِّق ناظريك في ناظريا..

واختصرها, ما عليك أو عليا..."

مقابل هذه الفلسفة الحسية ذات البعد الوجودي, يضعنا الغناء العربي أمام فلسفة الجمال الصوفي والروحي فلسفة تبني ذاتها من نفحات "محمد اقبال", وفي الوهج الديني الصوفي في أغاني "رابعة العدوية" وفي "نهج البردة" و "القلب يعشق كل جميل" و "إلى عرفات الله" وغيرها من المطولات الغنائية للسيدة "أم كلثوم" وإلى جنب موضوعات التصوف الفلسفي الديني, لم يكن الغناء العربي بمعزل عن معايشة القضايا القومية للأمة التي ينتمي إليها ويعبر عن آمالها وتطلعاتها, وقد تجسدت هذه الفلسفة في أغنية "دعاء الشرق" التي يقول مطلعها:

"يا سماء الشرق طوفي بالضياء وانشري شمسك في كل سماء

ذكريه واذكري أيامه بهدى الحق ونور الأنبياء"

وهي القصيدة التي صاغ كلماتها الشاعر "محمود حسن اسماعيل" وبلغ في تلحينها "عبد الوهاب" مرتبة الكمال الفني, وأغنيات أخرى زاخرة بهذه المعاني, على عهد يكشف مواطن فلسفة الشعر والجمال والابداع في الغناء العربي المعاصر, ويؤكد مدى تأثير الشعر العربي في تطوير مسار الأغنية العربية, ومدى تغلغل كلمات الشاعر في وجدان الفنان والملحن, بصورة تدفعه إلى التعمق في الإبداع, والسير قدماً باللحن إلى ما يستحقه من إبداع وتطور, جدير بإعجاب المستمع وباحترام الجمهور, وجدير بالخلود في وجدان التاريخ **



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://saidshehata.blogspot.com
سعيد شحاتة
مشرف مؤسس
مشرف مؤسس
سعيد شحاتة


ذكر عدد الرسائل : 665
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 16/04/2007

فلسفة الجمال  فى الغناء العربى المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فلسفة الجمال فى الغناء العربى المعاصر   فلسفة الجمال  فى الغناء العربى المعاصر Icon_minitime29/5/2007, 22:07

نزار قباني (أُنموذجاً)



مع مجيء الشاعر "نزار قباني" إلى عالم الأغنية العربية, بقصائده المتميزة بلغتها, والجديدة بموضوعاتها, والجريئة بأفكارها, عرفت الأغنية العربية نهضة جديدة موازية لتلك النهضة التي تحققت على أيدي ذلك الرعيل من جيل الشعراء الأغنية العربية الذين كان لهم الدور الكبير في الارتفاع بالذوق الفني العربي على مستوى اللفظة الشعرية الجميلة, والكلمة الحرية المعبرة, من أمثال "أحمد رامي" و "محمود حسن إسماعيل" و"صالح جودت" و "كامل الشناوي" و "بشارة الخوري" و "جورج جرداق" وغيرهم كثيرون ممن اقترنت أشعارهم وقصائدهم بالغناء العربي المعاصر, وكان لها دور في الارتقاء بالأغنية العربية إلى ذروة الابداع, والنهاية في الكمال, ما تزال شاهدة على عبقرية الغناء العربي مع عمالقة الموسيقى العربية المحدثين, وعندما جاء "نزار قباني" إلى دنيا الطرب العربي بقصائده ذات الروح التقدمية, وجد المستمع العربي في كلمات هذا الشاعر الدمشقي طعماً مختلفاً عما كانت تلتقطه أذناه, فالمعاني التي تحملها كلمات "نزار قباني" ليست كالمعاني التي ألفها عند شعراء الأغنية الآخرين وإن كانت لا تلغيها أو تقصيها, ولكن كلمات هذا الشاعر, استطاعت منذ الوهلة الأولى أن تجد لها مكاناً خاصاً بها بين ذلك الكم الكبير من الأشعار والقصائد الغنائية الأخرى, ووجد فيها كل من الفنان والمستمع "الحلقة" المفقودة في المتن الشعري الغنائي العربي, سواء على مستوى الشكل أو المضمون, وقد ارتبك أمام نصوص "نزار قباني" الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب عندما تسلم أول مرة قصيدته "أيظن" ليضع لها لحناً من أداء "نجاة الصغيرة", وعبر شخصياً عن خوفه وارتباكه من أن ينفر الناس من هذه الأغنية اعتباراً لتعود المستمع العربي على نمط معين من المواضيع التي تتناولها الأغاني, والمتسمة بالروح المحافظة التي لا تجرؤ على ترديد كلمات من نوع :

"حتى فساتيني التي أهملتها فرحت به رقصت على قدميه

سامحته وسألت عن أخباره وبكيت ساعاتٍ على كتفيه"

وكان الموسيقار الراحل يضع يده على قلبه قبل أن تغني الفنانة "نجاة" الأغنية بصوتها, ولم يكن خوف الملحن من النص فحسب, بل كان خوفه أيضاً من طبيعة اللحن ذي الطبقات اللحنية التعبيرية التي فرضتها الكلمات والمعاني الجديدة لقصيدة "نزار قباني", حيث كان يرى "محمد عبد الوهاب" أن من الصعب الانتقال هكذا فجأة بذوق السامع العربي من الألحان الكلاسيكية التي كانت هي السائدة والمهيمنة على الأذن العربية لعدة عقود من الزمن, إلى هذا الأسلوب الذي بدأه "عبد الوهاب" مع كلمات ليست كالكلمات, وكان لا بد للملحن من أن يغامر بتجربته ولكن بحذر شديد, وحين ظهرت قصيدة "نزار" بلحن عبد الوهاب وصوت "نجاة" أول مرة, حققت نجاحاً ساحقاً على مستوى رقعة الأرض العربية, بل وقع الاختيار على هذه الأغنية بالذات كأجمل أغنية عربية على الإطلاق بالنسبة لمجموع الأغاني العربية التي ظهرت في السنة نفسها التي ظهرت فيها أغنية "أيظن", وقد جرى ذلك الاختيار ضمن المسابقة الفنية التي نظمتها احدى الهيئات الفنية والثقافية في لبنان في الستينيات, ويمكن القول إن قصيدة "أيظن" كانت هي جواز السفر الفعلي للشاعر "نزار قباني" إلى وجدان المستمع العربي الذي منح أذنه منذئذ إلى الشاعر الدمشقي المتوثب إلى أفق أرحب للأغنية العربية, وعن طريق هذا النجاح غير المتوقع, حدث الزواج الشرعي بين شعر "نزار قباني" والموسيقى العربية المعاصرة, وبدأت تلوح في الأفق مدرسة غنائية جديدة تقدمية, يقودها الشاعر "نزار قباني" بكلماتٍ ليست كالكلمات, وبدأت قصائد أخرى تأخذ انتشارها الى المستمع العربي عبر الثنائي الكبير نجاة ومحمد عبد الوهاب, بعد أن زال الخوف وهدأت الوسوسة من جوف "عبد الوهاب", المعروف عنه الوسوسة والخوف تجاه كل أعماله الفنية العملاقة, فظهرت أشعار وقصائد غنائية جديدة لـ "نزار قباني" رددها المستمع وما زال يرددها إلى الآن, كأحلى ما تلتقطه الأذن, وأجمل ما يردده اللسان, ثم جاءت أغنية إلى حبيبي "لتزيد من تدعيم رصيد" نزار قباني في الساحة الغنائية العربية, وصارت كلمات هذا الشاعر, حلم كبار المطربين وحتى كبار الملحنين لأنهم وجدوا في سحريتها وجماليتها ما يبعث على الابداع أكثر, فضلاً عن مواضيعها التي تعالج في جرأة كبيرة مشاكل الانسان العربي المعاصر في علاقاته الاجتماعية والوجدانية, وتطرح قضايا فلسفية ذات البعد النفسي والسوسيو ثقافي, ببساطة في الطرح وعمق في المعنى, حيث يتضح ذلك في آخر قصيدة له غناها الفنان الراحل "عبد الحليم حافظ", وهي قصيدته "قارئة الفنجان" التي اختارها الفنان الراحل من بين مجموعة الشاعر "نزار قباني" التي تحمل اسم :"قصائد متوحشة", وهي القصيدة التي أبدع فيها الملحن "محمد الموجي", واجتهد كثيراً في أن يستنبط من معانيها الفلسفية ودلالاتها الرمزية, مقاطع لحنية وجمل موسيقية, ذات أبعاد فلسفية تظهر مدى تغلغل عقل الفنان في عقل الشاعر, يتجلى ذلك أكثر في المقدمة الموسيقية لـ "قارئة الفنجان"... والتي يقول مطلعها :

"جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب

قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب

يا ولدي قد مات شهيداً من مات فداء للمحبوب.."

وقد أراد كل من "نزار قباني" و "عبد الحليم حافظ" من خلال قصيدة "قارئة الفنجان", استحداث معان جديدة ولغة جديدة, تنتقل بالأغنية العربية المعاصرة إلى عهد جديد بالمعنى الصحيح, تنتقل بالأذن العربية من عصر التأوهات على فراق المحبوب, والبكاء على أطلال الحبيبة, إلى الانفتاح على صور ملامح ذات منحى فلسفي تحمل في جوهرها هموم الانسان وآماله وخيباته, وقد أفصح "نزار قباني" ذاته في احدى المقابلات التي أجريت معه حول "قارئة الفنجان", أن المعنى الذي تتضمنه القصيدة ينفتح على معان عدة, إذ يجد رجل السياسة فيها ما يعبر عن طموحه السياسي, ويجد المناضل في دلالتها ما يرمز إلى انكساراته وهزائمه, كما قد يجد في هذه الأغنية الانسان المتوثب ما يعبر حقيقة عن خيبة أمله في نهاية المطاف بعد سلسلة المحاولات على درب الحياة, فلا مندوحة له سوى ترديد ما يعبر عن خلجات ذاته المكلومة أثر رحلة خيبة العمر:

"وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان

وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان

ما أصعب أن تهوى امرأة ليس لها أرض أو وطن أو عنوان"

ومع "قارئة الفنجان" نجح "نزار قباني" في تمرير رسالته الفنية بذكاء وحرص شديدين, ألا وهي التسلل الى متن النص الغنائي العربي المعاصر, لا ليمزق صفحاته, ولكن ليضيف لهذا المتن صفحة جديدة مفتوحة على الفن القائم على مستوجبات الحداثة والمعاصرة من غير التنكر لجذور شجرة الأصالة التي تستمد منها الأغنية العربية قوتها ووجودها, حيث وفق الشاعر "نزار قباني" في أن يفرض قاموسه الشعري ولغته المتفردة, على الساحة الغنائية العربية, على عهد سارت فيه كلمات الشاعر الدمشقي بمثابة جواز سفر الى آذن جمهور الغناء والموسيقى في الوطن العربي الكبير, بل تحولت قصائد "نزار قباني" إلى "جواز نجاح" للفنانين والمطربين, بحيث يكفي أن يؤدي مطرب عربي ما أغنية من تأليف شاعر "بلقيس" لتعرف الأغنية النجاح الجماهيري الساحق, على أنه ينبغي التذكير, أن نزار قباني, لم يجد أمامه الطريق سهلاً أول الأمر لكسر هذا الطوق أو بلغة أوضح "الطابو", وذلك حين حاول أن يتسلل عن طريق حنجرة سيدة الغناء العربي "أم كلثوم" بقصيدة "أغضب" التي سلمها الشاعر لتغنيها الفنانة الكبيرة, ولكن "المشروع" لم يتحقق بين العملاقين, ليس لأن كلمات القصيدة لم تعجب "أم كلثوم", ولكن لكون الصور والمعاني التي تعبر عنها القصيدة تتعارض من حيث "المبدأ" الذي تؤمن به "أم كلثوم", حيث أن الفنانة العربية الكبيرة لها مفهوم خاص لموضوع الحب, وهو مفهوم لا يلتقي مع المعاني التي تصورها قصيدة "أغضب", وقد أفصحت "أم كلثوم" عن ذلك للشاعر مؤلف القصيدة, قائلة له بأن قصيدتك يا أستاذ نزار رائعة ولا اعتراض عليها من الناحية الجمالية والتعبيرية, ولكني لا ألتقي مع مفهومك للحب الذي تصوره قصيدتك, وتقبل "نزار قباني" رأى كوكب الشرق, وزاد احترامه الكبير لها لكونها فنانة وفية لمبادئها, وأنها تتعامل بجدية مع الكلمة كما اللحن والأداء, وأنها ليست من الصنف الذي يلهث وراء شهرة صاحب النص حتى ولو تعارض ذلك مع القيم والمبادئ والفلسفة التي يؤمن بها الفنان, وهكذا بقيت قصيدة "أغضب" في أرشيف "نزار قباني" إلى أن أفرج عنها مع مجيء "أصالة نصري" فغنتها بصوتها بألحان الموسيقار "حلمي بكر"..

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://saidshehata.blogspot.com
سعيد شحاتة
مشرف مؤسس
مشرف مؤسس
سعيد شحاتة


ذكر عدد الرسائل : 665
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 16/04/2007

فلسفة الجمال  فى الغناء العربى المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فلسفة الجمال فى الغناء العربى المعاصر   فلسفة الجمال  فى الغناء العربى المعاصر Icon_minitime29/5/2007, 22:08

ومن غير شك فان نجاح قصائد "نرار قباني" مع جل المطربين الذين ترنموا بكلماته, يعود بالأساس الى القدرة الفائقة التي يتمتع بها النص النزاري في الاختراق إلى داخل النفس العربية, ومقدرة قصائده على تحريك وجدان القارئ والمستمع, وانتزاع اعجاب الشباب من الذين يرون في قصائد "نزار قباني" تنفيساً يرتقي بمكبوتاتهم إلى فلسفة من الابداع والجمال, وفوق هذا فان قصائد "نزار قباني" تنفرد بخاصية, كونها في متناول الفهم لدى كل من يقرأها ويسمعها, يقرأها المثقف فيعجب لجمالها ومعانيها, ويسمعها المتعلم ونصف المتعلم, فتجذبه روعتها وتسمعها المرأة الأمية فتجد فلسفة أنوثتها مرتسمة في كل حرف من حروفها, بالمعنى الذي يحيلنا الى القول أن "نزار قباني" خير من جسد مقولة "السهل الممتنع" في الأغنية العربية المعاصرة, وخير من ساوى بين القصيدة وقطعة الروك كلاهما يحرص على اجتذاب شهية القارئ, وتحريك شهوة المستمع على صور الجمال والفن والإبداع قلما اجتمعت لغيره وتزداد قصائد "نزار قباني" أهمية, حين يكتشف العارفون بأسرار الفن, أن الفن وحده يقف وراء هذا التألق الكبير لشاعر كبير, طالما تغذت الجماهير العربية العريضة على رغيف أشعاره, حتى تساوت القطعة الشعرية بالقطعة الرغيف. سواء كانت قصائده مبثوثة عبر صفحات دواوينه, أو ملقاة بصوته, أو مغناة بحناجر كبار الفنانين العرب.... وليس من شك في أن الغناء العربي قد استفاد من شاعرية "نزار" كما أن الأخير قد استفاد من الفن الغنائي العربي حيث توفرت للشاعر فرصة الانتشار عن طريق الكوكبة الفنية التي صدحت بأشعاره مثل البلابل والشحارير إبان فصل الربيع. وهذه الخاصية لا ينفرد بها "نزار قباني" فلقد كانت الريادة في هذا المجال لأمير الشعراء "أحمد شوقي" الذي أفاد واستفاد من الغناء العربي مع مطلع القرن العشرين, عندما ترددت قصائده الغنائية بألحان وصوت محمد عبد الوهاب, ثم أم كلثوم فيما بعد, حيث استفاد "شوقي" من الغناء كوسيلة ناجعة في أيصال أشعاره الى الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج, وبالمقابل استفاد الفن الغنائي العربي من قصائد صاحب "الشوقيات", وذلك عندما غنى "عبد الوهاب":

"يا جارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراك"

وهي القصيدة التي صاغها "شوقي" في مدينة "زحلة" اللبنانية التي كان الشاعر يقضي بها إجازته الصيفية, وغنى له عبد الوهاب قصيدة أمام ملك العراق "فيصل الأول" سنة : ,1931 والتي يقول مطلعها:

"يا شراعاً وراء دجلة يجري في دموعي تجنبتك العوادي"

وغنى له مسرحية "مجنون ليلى" بمشاركة الصوت العبقري" اسمهان, كما استفاد الغناء العربي من قصائد أمير الشعراء التي غنتها "أم كلثوم", مثل : "سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها" و "ولد الهدى و "نهج البردة", و "إلى عرفات الله" و "سلوا قلبي غداة سلا ونابا" و "النيل" ......

وبالتأكيد فان الغناء لم يمنع عبقرية الشاعر, ولكنه بالتأكيد ساهم في انتشار قصائده وفي شهرته وانتشاره, وربما كان الشاعر الكبير "نزار قباني" على دراية ووعي بهذه الحقيقة, فاتجه صوب الأصوات الغنائية العربية من الحجم الكبير المؤثر في وجدان المستمع العربي, من أجل توسيع دائرة مقروئيته عن طريق حاسة السمع, فوجد المستمع في كلمات نزار قباني, ما يشبع ميوله ويستجيب لذوقه, فانطق يردد مع صوت "نجاة" في طربٍ كبير:

"ابق معي حتى نهايات العمر ..

ما أنا مجنونة كي أوقف القضاء والقدر..

وما أنا مجنونة كي أوقف القمر ..

ابق حبيبي دائماً كي يورق الشجر..

ابق حبيبي دائماً كي يهطل المطر ..

ابق حبيبي دائماً كي تطلع الوردة من قلب الحجر"

وتواصلت تجربة "نزار قباني" بنجاح مع كل الأصوات الغنائية العربية التي تعامل معها, حتى تلك الأصوات التي جاءت بعد جيل "عبد الحليم حافظ" و "نجاة الصغيرة" و "فيروز" و "فائزة أحمد", أي الأصوات التي صدحت بأشعار "نزار قباني" في الستينيات والسبعينيات, تواصلت مع الجيل الغنائي العربي الذي بدأ مع "ماجدة الرومي" و "كاظم الساهر" و "أصالة نصري" و "لطيفة العرفاوي" الفنانة التونسية التي غنت له جزءاً من قصيدته الرائعة التي يقول فيها :

"اني الدمشقي الذي احترف الهوى فاخضوضرت لغنائه الأعشاب

أنا فوق أجفان النساء مكسر.. قطعاً, فعمري الموج والأخشاب

لم أنس أسماء النساء, وانما للحسن أسباب, ولي أسباب..

أين اللواتي حبهن عباده.. وغيابهن, وقربهن, عذاب?..

اللابسات قصائدي ومدامعي .. عاتبتهن فما أفاد عتاب !!

أحببتهن, وهن ما أحببنني.. وصدقتهن, ووعدهن كذاب!!

أأحاسب امرأة على نسيانها? ومتى استقام مع النساء حساب?.."

وقد اختارت "لطيفة العرقاوي" الأبيات التي يخاطب فيها "قرطاجة" . ويعبر من خلالها عن حبه لـ "تونس", في ذكرى الاحتفال بتأسيس جامعة الدول العربية, بحيث يمكن القول إن "نزار قباني" كظاهرة شعرية, استطاع في العقود الأخيرة, أن يلون الساحة الغنائية العربية بألوانه, وأن يفرض شاعريته على الأذن العربية, واستطاع أيضاً أن يتحكم في الذوق الفني الى آخر نبضة من نبضات قلبه, بالرغم من عاصفة الابتذال التي تمر بها الأغنية العربية حالياً على أيدي صانعي الفن الهابط, أو ما يسمى مجازاً "الأغنية الشبابية", التي باسمها تروج الرداءة الفنية, وهو الأمر الذي يدفع الى التساؤل ونحن ما زلنا نجفف دموعنا على رحيل الشاعر "نزار قباني":

- إلى أين ستتجه الأغنية العربية بعد رحيل "نزار قباني"??/...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://saidshehata.blogspot.com
 
فلسفة الجمال فى الغناء العربى المعاصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: مغامرات إبداعية :: إنتقاء الذهول :: تراث العرب-
انتقل الى: