ودع الصبر مُحِب ودعك
ذائعٌ من سرِّه مااستودعك
يقرعُ السن على أن لم يكن
زاد في تلك الخطى إذ شيَّعك
ياأخا البدر سناءٍ وسنا
حفظ الله زماناً أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم
بت أشكي قصر الليل معك
كانت الشاعره الأميره ولاده بنت الخليفه الأموي الاندلسي محمد بن عبد الرحمن الملقب بالمستكفى بالله امرأه فاتنه، قوية الشخصيه، واسعة الثقافه، عارفه بالأدب، مقتدره على قول الشعر .
وقد أضافت ولاَّده إلى تحرر عصرها ألوان من التحرر التي اتاحتها لها ظروفها الخاصه، فجعلت من قصرها ملتقى أدبي، تستقبل فيه الكتَّاب والشعراء، والنقَّاد .
ويغلب على الظن ان ولاّده كانت بعيدة عن التبذل، مصونه من الإسفاف، وكانت اللعبه أن تظفر بالحب والاعجاب .
ويستبعد بعض النقاد أتهامها بحب تعذيب الغير، واتهامها بالترخص والتبذل، بحجت أنها صرعت بحبها عدداً من المحبين، وعاشت دون زواج، وكأن رسالتها وغايتها إيقاع المحبين في شراكها وتعذيبهم .
ويقول د. سيد نوفل عن ولاده وقصة حبها مع الشاعر ابن زيدون:
وهذه الشخصيه هي التي جعلت ابن زيدون يصفها بالجبار العزيز العنيد الذي يأبى السماع لشكوى الجوى، والذي لايجد الشاعر منصباً من الخضوع رغم ذالك كله، ورغم بلوغ حد اليأس من الوصل، وعيشه في ارق ملازم هماً وحزناً.......
فيقول ابن زيدون في ولاده قصيده متنوعة المباهج والمفاتن.منها ..
doPoem(0)
أهيـمُ بجبـارٍ يعـز وأخـضـعشذا المسك من أردانـه يتضـوع
إذا جئت أشكوه الجوى ليس يسمعفما أنا في شيءٍ من الوصل أطمـع
ولا أن يزور المقلتين منام
ولعل الاستهتار من لوازم شخصيتها، ولهذا لم تحفل بالتقاليد، ولم تأبه للأعراف، فتناقل الرواة اخبارها مستعيذين بالله من بعضها ومستغفرين الله من اثباته في صحفهم .
فابن بسام بعد أن يتحدث عن نسبها الكريم وأثوابها الطاهره يقول:
" على أنها_سمح الله لها وتغمد زللها_أطرحت النحصيل، وأوجدت الى القول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذتها ".
كتبت_زعموا_على أحد عاتقي ثوبها :
doPoem(0)
أنـا والله أصلـح للمعـالـيوأمشي مشيتـي وأتيـهُ تيهـا
وكتبت على آخر
وأمكن عاشقي من صحن خديوأعطي قبلتـي مـن يشتهيهـا
ثم يقول أثر ذلك :
" هكذا وجدت هذا الخبر، وأبرا الى الله من عُهدة ناقليه، والى الأدب من غلط النقل إن كان وقع فيه ".
لكن ابن بسام كان حريصاً على تجميل الأندلس وأدبائه، وتقديمهم فالعلم والأدب والخلق على أهل المشرق .. ولهذا لم يورد كذالك شيئاً من هجاء ولاده المقذع الذي يدل على المغالاه والإسراف في القذف والسباب، وعدم التحرج في ذكر العورات والسوءات . ويكفي ابن بسام بقوله :
وقد قرأتُ شيئاً منه في بعض التعاليق أضربت عن ذكره، وطويته بأسره لان أكثره هجاء، وليس له عندي اعاده ولا ابداء، ولا من كتابي أرض ولا سماء ".
ومع ذلك فإن ماكتبته ولاده على عاتقي ثوبها متواتر عند سابقين، واللاحقين لابن بسام، كما أن هجاءها متواتر كذلك، وان لم يكن من اليسير إثباتهفي كتاب لأيامنا هذه عند جميع المؤرخؤن، ولا لتلك الأيام الخاليات عن بعض المؤرخؤن المتعصبين أو الأطهار مثل ابن بسام، .. ومن يدري فلعل النهج الفني هو الذي قاد ولاده الى هذا المسلك . لكن المأثور من حياتها أنها لم تجمع بين صاحبين بين هواها، وأنها كانت موحده فالهوى رغم كثرة روادها .. كما انها أحبت صاحب الوزاردين الشاااعر الخالد ابن زيدون في صدر حياتها برضائها واختيارها، كما، كما هجرته من بعد وأصرت على هجره إصرارا، وسعت بنفسها الى وزير آخر صاحب نفوذ اكبر ولو لم يكن صاحب شعر كإبن زيدون، هو الوزير ابن عبدوس، واحتضنته بحبها الى آخر أيامها حياتها، ولم تتزوج ..
لكن الذي خلد ذكر "ولاّده"على الزمان، لم يكن بهاؤها ولا أدبها وفنها ولا مفاتنها التي اسرت الوزير ابن عبدوس الشطر الأكبر من حياتها، وإنما خلدها شعر ابن زيدون وهواه المبكر لها في صدر صباها، وأخباره الطوال والقصار عن ولاده . وقصائده ومقطوعاته الشعريه في هواها ...
فابن زيدون فتن بالطبيعه وأحب ولاده فمثل بالطبيعه بجملها الحب، ومثل الحبيب جامعاً لمفاتن الطبيعه .. ثم حالت الأحداث بينه وبين المتاع بالطبيعه وبالحبيب معا .. فعاش على ذكر ولاده، وأضفى على الطبيعة ثوب الأسى يسربله، وصبغها بلون الحرمان الذي اسطبغت به نفسه . واتصال ولاده بإبن زيدون وانفصالها عنه قد تما في أسلوب فريد من أساليب "ولاده" العجيبه .
لقد شغف ابن زيدون بولاده في شبابه وكان يكبرها قليلاً، وطارحا اسباب الهوى والغرام حتى استجابت لهواه بعد طوال تمنع، فكتبت اليه تطلب زيارتها وتحدد موعدها قائله :
doPoem(0)
ترقب اذا جن الظلام زيارتيفإني رأيت الليل أكتم للسر
وبي منك لو كان بالبدر مابداوبالليل ماأدجى وبالليل مايسر
ويروي ابن زيدون سعيها اليه ومجلسها الأول معه بعد الغروب وانتشار الظلام فيقول :
فلما طوى النهار كافوره، ونشر الليل عنبره، أقبلت بقدٍ كالقضيب، وردفٍ كالكثيب، وقد أطبقت نرجس المقل على ورد الخجل، فملنا الى روضٍ مدبج، وظلٍ سجسج، قد قامت رايات اشجاره، وفاضت سلاسل أنهاره، ودر الطل منثور، وجيب الروح مزرور .
فلما شببنا نارها، وأدركت فينا ثارها، باح منا بحبه، وشكا أليم مابقلبه، وبتنا بليله نجني أقحوان الثغوار، ونقطف رمان الصدور .
وحين هم بالانصراف ودعته ولاده بقولها :
doPoem(0)
ودع الصبر مُحِب ودعك
ذائعٌ من سرِّه مااستودعك
يقرعُ السن على أن لم يكن
زاد في تلك الخطى إذ شيَّعك
ياأخا البدر سناءٍ وسنا
حفظ الله زماناً أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم
بت أشكي قصر اليل معك
وفي روايه أخرى أن ابن زيدون هو الذي ودع ولاده، في الصباح بهذهِ الأبيات عند الانصراف .
واتصلت ايام الهوى بين ابن زيدون وولاده حقبه من الزماان وافاض الشاعر الكبير في وصفها أروع وصف، ومن ذلك ماجاء بكاءٍ عليها بعد زوالها في قصيدته
doPoem(0)
سقى الله أطلال الأحبة بالحمىوحاك عليها ثوب وشي منمنما