ينبغي الصمت في الوقت المناسب.
هذا الوقت مناسب للصمت فلنصمت
. نصمت لا لننقذ شيئا ما، فاللعبة كونية وقد خرجت عن السيطرة.
نصمت لا لنعطي برهانا على البطولة فلقد ولى زمن البطولات.
نصمت كإيثار شخصي للفعل الوحيد الذي نملكه، الخافت والبريء والقدسي. البحر نفسه لم يعد صامتا
فلنصمت احتراما لموجه المهدد.
البراكين لم تعد خامدة،
لنصمت إزاء الحمم الغاضبة.
الارض تثرثر وتقتل،
لنصمت إجلالا للموت العميم.
الذين يتجادلون كثيرا، ويتكلمون كل الوقت، ويشعرون دوما بضرورة ان يقولوا شيئا ويعطوا أجوبة،
وحدهم هؤلاء لن يغفروا لنا صمتنا.
هل نشعر فعلا بحس الانتقام إن نحن صمتنا والعالم يغرق في عاره؟
ما نشعر به هو الاحتماء بالحاسة البيضاء، ونداوة الغياب والثورة الخرساء. وحتى لو امتد صمتنا طويلا، فهو أجدى من الكلام الذي لن يؤسس سلاما، ولن يمحو كل هذا الدم.
إن ما نقوله ونكتبه ليس سوى أشياء مفككة مشوشة، أشياء خارج هذا الزمن، ولا يكفي أن نكتبها لكي نرتفع فوقها أو نُبصر نهايتها.
الكلام لا يغير العالم، العالم الذي يرتعش هلعاً وألماً.
إن العالم الجديد يحل أكثر فأكثر في الصمت، وفي نبل السكون والتنفس الخفيف.
نصمت من أجل أن نصغي ونسمع، ونتداول بالصمت في النهايات الرحيمة، نتداول بالغضب المكتوم الذي يسمح بفهم ما يجري، وفي المعنى الايجابي لحياتنا، وفي تبصر علامات جديدة وإشارات، ومقاييس شتى لهذا الدمار المتفاقم.
لا بأس بالصمت حقا.
لقد تكلمنا أكثر مما يجب، أكثر مما تلزمه حياة كاملة، وإن الكف عن الكلام الآن لن يؤذي العالم.
ثم لا ينبغي أن نخدع البسطاء بعد، بدفء الكلمات فثمة صقيع خلفها، وبرد لا تحتمله عظامهم.
الصمت فقط يستحق أن يكون عادلا الآن، ودقيقا، وجوابا وحيدا على صخب الزلازل، البراكين والفيضانات، وهذر الحروب التي لا تنتهي.
ثمة جوابنا المبتهل والصامت، يصم آذان هذا الكون الثرثار.
إن آلاف السنوات من الكلام، قد أنهكت الارض والجبال والسماء، أربكت القلوب والعقول. فلنجرب عيشاً آخر وثقافة جديدة تخاطب،
هادئة هدوء الموت نفسه ولها هيبته وصمته العملاق، ومرحه المتحرر من أثقال الكلام