يمتدح شعره قائلا
ومـا قلـت مـن شـعر كـأن بيوتـه
إذا كـتبت يبيـض مـن نورهـا الحبر
كـأن المعـاني فـي فصاحـة لفظهـا
نجــوم الثريــا أو خـلائقك الزهـر
وقد كثرت في شعر المتنبي الأمثال الحكمية ونحن نقتطف منها ما يدل على عمق بصيرته ونفاذ تفكيره: [/
ومـــن جــهلت نفســه قــدره
رأى غــيره منــه مــا لا يـرى
ومــا كـل وجـه أبيـض بمبـارك
ولا كــل جــفن ضيــق بنجـيب
ومـن صحـب الدنيـا طـويلا تكشفت
عـلى عينـه حـتى يـرى صدقها كذبا
أرى كلنــا يبغــي الحيــاة لنفسـه
حريصـا عليهـا مسـتهاما بهـا صبا
فحــب الجبـان النفس أورثـه التقـى
وحـب الشـجاع النفس أورثـه الحربا
ويخــتلف الرزقـان والفعـل واحـد
إلـى أن يـرى إحسـان هـذا لـذا ذنبا
ومــن ركــب الثـور بعـد الجيـاد
أنكــــر أظلافـــه والغبـــب
كثــير حيــاة المـرء مثـل قليلهـا
يـزول ومـاضي عيشـه مثـل حاضر
فمــا الحداثــة مـن حـلم بمانعـة
قـد يوجـد الحـلم فـي الشبان والشيب
وكـل امـرئ يـولي الجـميل محـبب
وكــل مكــان ينبـت العـز طيـب
لــو فكــر العاشــق فـي منتهـى
حســن الــذي يسـبيه لـم يسـبيه
بـذا قضـت الأيـام مـا بيـن أهلهـا
مصــائب قــوم عنـد قـوم فوائـد
فــإن قليـل الحـب بـالعقل صـالح
وإن كثــير الحــب بـالجهل فاسـد
ومـن يجـعل الضرغـام بـازا لصيده
تصيــده الضرغــام فيمـا تصيـدا
ومــا مــاضي الشــباب بمسـترد
ولا يــــوم يمـــر بمســـتعاد
فــإن الجــرح ينفــر بعـد حـين
إذا كــان البنــاء عــلى فســاد
وأســرع مفعــول فعلــت تغـيرا
تكــلف شـيء فـي طبـاعك ضـده
فـلا مجـد فـي الدنيـا لمـن قل ماله
ولا مـال فـي الدنيـا لمـن قل مجده
وفـي النـاس من يرضى بميسور عيشه
ومركوبــه رجــلاه والثـوب جـلده
وإذا الحــلم لــم يكـن فـي طبـاع
لـــم يحـــلم تقــادم الميــلاد
وإذا كــان فــي الأنــابيب خـلف
وقــع الطيش فـي صـدور الصعـاد
فقـد يظـن شـجاعا مـن بـه خـرق
وقــد يظـن جبانـا مـن بـه زمـع
إن الســلاح جــميع النـاس تحملـه
وليس كــل ذوات المخــلب السـبع
ومـا الحسـن في وجه الفتى شرف له
إذا لــم يكـن فـي فعلـه والخـلائق
وجــائزة دعـوى المحبـة والهـوى
وإن كــان لا يخـفى كـلام المنـافق
ومـا يوجـع الحرمـان من كف حارم
كمـا يوجـع الحرمـان من كفر رازق
وإذا مــا خــلا الجبــان بـأرض
طلــب الطعــن وحــده والـنزالا
مــن أطـاق التمـاس شـيء غلابـا
واغتصابــا لــم يلتمســه نــوالا
كـــل غـــاد لحاجــة يتمنــى
أن يكـــون المظفـــر الرئبــالا
أبلــغ مــا يطلــب النجــاح بـه
الطبــع وعنــد التعمــق الــزلل
ومــن يــك ذا فـم مـر مـريض
يجــد مــرا بــه المـاء الـزلالا
مـا كـل مـن طلـب المعـالي نـافذا
فيهــا ولا كــل الرجــال فحـولا
جــمح الزمـان فمـا لذيـذ خـالص
ممــا يشــوب ولا سـرور كـامل
وإذا أتتــك مــذمتي مــن نـاقص
فهــي الشــهادة لـي بـأني كـامل
إنــا لفـي زمـن تـرك القبيـح بـه
مـن أكـثر النـاس إحسـان وإجمـال
وقــد يتزيــا بـالهوى غـير أهلـه
ويسـتصحب الإنسـان مـن لا يلائمـه
تريــدين إدراك المعــالي رخيصـة
ولا بـد دون الشـهد مـن إبـر النحل
ومـــا كــل بمعــذور ببخــل
ولا كـــل عــلى بخــل يــلام
كــل حــلم أتــى بغـير اقتـدار
حجـــة لاجـــئ إليهــا اللئــام
وكــم مـن عـائب قـولا صحيحـا
وآفتـــه مـــن الفهــم الســقيم
ولكـــن تــأخذ الأفهــام منــه
عــلى قــدر القــرائح والفهــوم
ومــا كــل هـاد للجـميل بفـاعل
ولا كـــل فعــال لــه بمتمــم
لا يخــدعنك مــن عــدو دمعـه
وارحــم شـبابك مـن عـدو ترحـم
لا يسـلم الشـرف الـرفيع مـن الأذى
حــتى يــراق عـلى جوانبـه الـدم
الظلـم مـن شـيم النفـوس فـإن تجد
ذا عفــــة فلعلـــة لا يظلـــم
والــذل يظهـر فـي الـذليل مـودة
وأود منــه لمــن يــود الأرقــم
أفعــال مــن تلـد الكـرام كريمـة
وفعــال مـن تلـد الأعـاجم أعجـم
ولــم تـزل قلـة الإنصـاف قاطعـة
بيـن الرجـال وإن كـانوا ذوي رحـم
مـا كـل مـا يتمنـى المـرء يدركـه
تجـري الريـاح بمـا لا تشتهي السفن
فقـر الجـهول بـلا عقـل إلـى أدب
فقـر الحمـار بـلا رأس إلـى رسـن
ومـن نكـد الدنيـا على الحر أن يرى
عــدوا لـه مـا مـن صداقتـه بـد
ومكــائد الســفهاء واقعــة بهــم
وعــداوة الشــعراء بئـس المقتنـى
وغايـــة المفــرط فــي ســلمه
كغايـــة المفــرط فــي حربــه
وكـــل طـــريق أتــاه الفتــى
عــلى قــدر الرجـل فيـه الخطـا
إذا غــدرت حسـناء وفـت بوعدهـا
فمـن عهدهـا أن لا يـدوم لهـا عهـد
وأتعــب خـلق اللـه مـن زاد همـه
وقصــر عمـا تشـتهي النفس وجـده
جــمح الزمـان فمـا لذيـذ خـالص
ممــا يشــوب ولا سـرور كـامل
ومــا انتفـاع أخـي الدنيـا بنـاظره
إذا اسـتوت عنـده الأنـوار والظلـم?
إذا سـاء فعـل المـرء سـاءت ظنونه
وصــدق مــا يعتـاده مـن تـوهم
وعــادى محبيــه بقــول عداتـه
وأصبـح فـي ليـل مـن الشـك مظلم
والنـاس قـد نبـذو الحفـاظ فمطلـق
ينســى الـذي يـولي وعـاف ينـدم
ومـن البليـة عـذل مـن لا يرعـوي
عــن غيـه وخطـاب مـن لا يفهـم
أتــى الزمــان بنـوه فـي شـبيبته
فســرهم وأتينــاه عــلى الهــرم
ذل مـــن يغبـــط الــذليل بعيش
رب عيش أخـــف منــه الحمــام
مــن يهــن يسـهل الهـوان عليـه
مـــا بجـــرح بميــت إيــلام
وأتعـب مـن نـاداك مـن لا تجيبـه
وأغيـط مـن عـاداك مـن لا تشـاكل
يخــفي العـداوة وهـي غـير خفيـة
نظــر العــدو بمــا أسـر يبـوح
وقــد يتقــارب الوصفــان جـدا
وموصوفاهمـــــا متبــــاعدان
فمـا ينفـع الأسـد الحيـاء من الطوى
ولا تتقــى حــتى تكـون ضواريـا
فيـا نكـد الدنيـا متـى أنـت مقصـر
عـن الحـر حـتى لا يكـون لـه ضد
يــروح ويغــدو كارهـا لوصالـه
وتضطــره الأيــام والـزمن النكـد