أشبه سعد الله ونوس(بمرضي)
إلى إبراهيم حمادة
الأشياء التي نلمسها لا تدوم للأبد... فمن لمس روحي أنا المتعب حتى آخر قشة في حصير العمر…
هذا أول شتاء بعد رحيلك ألبس به قبعة، قريباً سيأتي الربيع ولن أستطيع أن أخلع قبعتي على الطريقة الفرنسية لأحييه لأني يا صديقي مصاب بالسرطان وأخشى أن يخاف الربيع من المشهد ويرحل.
حين سقطت أول شعرة من رأسي معلنة مالا أحبه, كنت حافيا بقصد الصلاة وحذائي كان حافيا بقصد الرقص لم أصلي لم يرقص ومضينا في الدرب الترابي, والضفادع التي تثرثر الوقت قرب البحيرة لم تندهش حين قلت لحذائي أن لون الغراب على الثلج جميل...
النادل في المقهى لا يريد مني نقودا ففنجان القهوة أصبح بثلاثة أشهر وأنا لم أعد أملك في جيبي إلا بضعة أيام سأدخن لفافة تبغ قرب حاوية الزبالة من قال أني أحب القهوة.
كل الحفر يملؤها المطر إلا أنا حفرة بقاع رملي تحتاج ثلاثين شتاء وثمانية وعشرون ليلا ليرشح جلدي بالزهور، والليل حطاب لئيم يشعل قناديله في شرفتي فلا يسقط المطر فوقها... لقد تأخر الوقت وما عادت خراف جارتنا ولا أنا عدت وأمي تبحث عني وأنا أفتش في الماء عن قليل من الهواء لأشعل شمعة.
ربما لم يعد هناك وقت كاف لأفرح بمجيئك فقد رصف عمال البلاد الغرباء مفارق الطرقات في جسدي قبل أن أنهي تمديد خطوط الهاتف والكهرباء وشبكة المياه ولكني سرقت سلكا
كهربائيا لأشعل (لمبة) في غرفتي التي لا باب لها ولا جدران فقط نافذة تطل على الطريق الذي ستأتي منه ذات يوم أنت تعرفه هوذات الطريق الذي لا يؤدي إلى المقبرة, أعلم أنك ستدخل من النافذة كالريح, وربما لن تستطيع البكاء حين تكتشف أني أعددت لأجلك الحساء الذي لا أحبه وتركت لك فرشاة أسناني وعدة الحلاقة و(جوز جرا بات) مثقوبان بالحنين لقدميك وبنطال الجينز الأسود والقميص الكاكي وحذائي البني وزجاجة العطر (دوتشي غابانا) وقرب الموقد أخشاب لا تكفي لاستعادة كل الذكريات...