قصيدة التفعيلة / قصيدة النثر(بعض الاسئلة الاساسية)

في سؤاله للأخ الشاعر محمد اللغافي يقول الشاعر المصري حمدي علي الدين:

التفعيلة :هل ترى أنها في طريقها للأفول ؟..أم أن قصيدة النثر مجرد ظاهرة ارتبطت بالتحولات السياسية والثقافية الآن ؟

وفي جوابه عن هذا السؤال تحديدا يقول الشاعر المغربي محمد اللغافي:

قصيدة التفعيلة يا صاحبي نعتبرها كالمد الأصولي لا تنقرض بتاتا..لا بد من عودة سياسية لإحيائها ..لكنها ستبقى في صراع دائم مع منافستها النثرية..ما دام أن هناك تشبت دائم بالهوية...

******************

انه جزء من الحوار الاساسي الدي يدور الان في ركن فضاءات مع الشاعر المغربي المتميز محمد اللغافي على الرابط التالي:

واستغل هذه الفرصة لاطرح هنا هذا المحور الذي اعتبره اساسيا ، والمتعلق اساسا بقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر ... من خلال طرح بعض الاسئلة، واتمنى ان يطرح الاخوة مزيدا من الاسئلة نظرا لحيوية الموضوع وارتباطه المباشر بنا كقراء بالدرجة الاولى وكمبدعين وكتاب بالدرجة الثانية:

* هل ياترى استطاعت قصيدة النثر ان تضيق الخناق على قصيدة التفعيلة وتاخد مكانها ؟

* ما الذي قدمته قصيدة التفعيلة للشعر العربي بشكل عام ؟

* وما الذي قدمته قصيدة النثر للشعر العربي وللشاعر العربي ايضا؟

*هل يمكن ان نتحدث عن نوع من التعايش بين الشكلين وما هي حدود هذا التعايش ؟

*هل تمثل قصيدة النثر مطية سهلة –كما يقول البعض- وبالتالي ساهمت في ابراز عدد من انصاف الشعراء ؟ وهل حقا قصيدة النثر هي القصيدة الخالية من التفعيلة ليس الا؟

انها اسئلة اساسية في نقاش هذا المحور ، وانتظر المزيد من الاسئلة من لدن الاخوة الادباء الافاضل بمنتدى الاولمب ، لان الموضع مهم جدا بالنسبة لنا جميعا ، لذلك تاتمنى ان يتدخل كل الاخوة هنا باراءهم واقتراحاتهم حول هذا الموضوع ...

ولي عودة الى الموضوع //

مع تحياتي ومودتي

مصطفى بلعوني

بما أن العزيز حمدي ورطني في قضية الإشراف هذه، وهو شرفُ أتمنى أن أكون جديرا به، إلا أن وقتي -كما أخبرته- لن يسعفني دائماً.

لكل هذه الاعتبارات مجتمعة، أضع هنا نص حوار أجراه معي المبدع محمود تراوري في جريدة الوطن السعودية قبل شهور، بمناسبة فوز أحد نصوصي المسرحية بجائزة الشارقة للإبداع العربي، وأسوق هذا الحوار مشاركةً مني في القضية المطروحة حيث دارت معظم أسئلته داخل هذا الفضاء المتعلق بإشكالية الكتابة المغايرة وعلاقة ذلك بالشكل:

جدة : محمود تراوري
حصلت مسرحية (البحث عن العصفور) للشاعر المصري وليد علاء الدين على المركز الثاني في جوائز الإبداع العربي التي أعلنت أخيراً في الشارقة.
أصدر علاء الدين من بيروت قبل سنتين مجموعة شعرية تحت عنوان “تردني لغتي إليَّ”، ويستعد الآن لإصدار مجموعته الشعرية الثانية (تينة تفسر أعضاءها للوقت) وكتاب يضم يوميات رحلة له قام بها إلى الجزائر، فضلاً عن عمله التحريري على كتاب “يوميات” دوّنها والده في الجيش المصري خلال الوحدة بين مصر وسوريا، سيصدر قريباً في إطار سلسلة يوميات في بيروت.

“الوطن” التقت الشاعر وليد علاء الدين في مناسبة حصول مسرحيته على جائزة الشارقة للإبداع العربي وكان هذا الحوار:

* تحتشد في قصائدك رموز مكثفة وحركة تنقل سريعة.. هل ترى أنه باستطاعة القارئ أن يجاري مثل هذه القصائد إلى أن يصل إلى معناها؟.
- في اعتقادي أن النص الجيد هو النص الذي يحمل بداخله ما يصلح للقراءة والتأمل، أو على الأقل هو النص الذي يحاول ذلك، والكاتب الجيد هو من يصنع نصاً صالحاً للقراءة والتأمل، وليس للاستماع العابر أو للقراءة البصرية التي لا تتطلب من القارئ بذل أي جهد للتواصل.
ونص بمثل هذه المواصفات في ظني أمر لا يمكن تصنعه، بل هو نتاج طبيعي للموهبة التي تتألق إذا كان الكاتب الجيد قارئاً جيداً بالأساس.
في الجهة المقابلة لهذا النص الجيد، تقف النصوص المستباحة، التي تمنح نفسها بسهولة، والفارق بين النصين في رأيي هو قدرة النص في إقامة حوار مع قارئه، وهو معيار أراه كفيلاً بردع موجة الاستسهال التي منيت بها الثقافة العربية بشكل عام.
ولكي تكتمل الدائرة، وكما تحدثنا عن كاتب جيد ونص جيد، يملك مفاتيح تأسيس رؤيته وقادر على خلق مساحة للتأمل والتواصل، يجب أن نتحدث عن القارئ الجيد، وهو القارئ الذي يجتهد لمتابعة الرمز وتكونه وتكثفه ونموه وتناثره في أركان النص، ويشحذ ذهنه لملاحقة الحركة السريعة التي أشرت إليها في سؤالك، من أجل إقامة حواره مع النص الذي يتحول في هذه اللحظة إلى نصه الخاص محققاً خلوده.
* أنت ترى أنه من الطبيعي إذن أن يبذل القارئ جهداً للتواصل مع القصيدة؟
- هذا الجهد أساسي وطبيعي، إنه من أساسيات القراءة، وإذا فشلت القصيدة في أن تغري القارئ وتغويه ببذل جهد ما في قراءتها (لاحظت أنني استخدمت لفظتي تغري وتغوي) فهي قصيدة سهلة مستباحة، يجب أن تحمل القصيدة أو النص بصورة عامة بذوراً صالحة للنمو، بحيث إنها إذا وجدت التربة الخصبة صارت أشجاراً وحدائق. والقصيدة أو النص الجيد في رأيي لا يقبل أن يكون صديقاً لساعة أو لساعتين، بل هو النص الذي يقبل أن يحاورك لساعة أو ساعتين من القراءة الجيدة لكي يتحول بعدها إلى جزء من كيان قارئه سواء أحبه وتصالح معه، أو اختلفا في الرؤية فأثار طرحاً مغايراً لدى القارئ، هو في الحالتين نص ناجح لأنه حقق هدفه في إقامة تواصل مع قارئه. أما القصيدة السهلة التي نسمعها ثم نتغنى بها ونميل الرأس يميناً ويساراً ونحن نسمع ثم نفقد كل شيء بعد ذلك، فهي نص فشل في امتلاك مقومات البقاء.
يجب ألا يفهم كلامي وكأنه دعوة إلى الغموض غير المبرر، أو دعوة إلى أن تكون القصيدة منفرة، لأن الغموض غير المبرر أو غير الذكي يفقد القصيدة قارئها كما هو الحال مع القصيدة المسطحة تماماً، وفي كل الأحوال أعتقد أنه لا يمكن أن نحكم على عمل إبداعي دون قراءة تعطيه حقه من الجهد، و إلا أصبح استسهالاً قرائياً لا يقل سوءاً عن الاستسهال الإبداعي.
* هذا يجعلني أتساءل عن رؤيتك لمايدور من حديث حول القطيعة مع التراث والهدم من أجل البناء، ما لاحظته هو أنك تقولعكس ذلك، وترى أن الحداثة هي استكمال لما بدأه الأجداد؟.
- الحديث عن القطيعة في رأيي كلام لا محل له من الواقع، لأن معنى ذلك هو أن تبني من الفراغ في الفراغ، وأعتقد أن هذا الأمر مناف لقوانين الطبيعة.
ثم إنه ليس من المعقول أن نقرر بداية أنا وأنت أننا يجب أن نكتب شيئاً مختلفا عن تراثنا لمجرد الرغبة في ذلك، هل يمكن أن يتم التجديد بقرار دون أن تكون هناك فكرة وراء استحداث هذا الجديد؟ إذا لم يكن الأمر كذلك فهو تزييف أو التفاف على الواقع، لأن هذا الشيء غير حقيقي ولم يأخذ حقه في التطور ولم تستدعه الظروف ولا الحياة ولا الأفكار ولا الواقع ولم تستدعه العلاقات الإنسانية والتطورات الاقتصادية…، وغير ذلك من أمور، لا يكون التغير أمراً حقيقياً إلا إذا نبع بصورة أو بأخرى من صلب الحاصل، التغيير الجذري هو محصلة تغيرات طفيفة هنا وهناك تستدعيها الحياة، أو هو نتيجة انكسار مدمر تعقبه بداية جديدة، أما الرفض لمجرد الرفض فهو حماقة.
وفي اعتقادي أن أفضل وسيلة للتغيير هي السعي نحو التعبير عن الذات بصدق، وليس السعي نحو الاختلاف، ما يجب علينا أن نفعله هو أن نكون صادقين إلى أقصى درجة صدق ممكنة، وأن نكتب وفق نظام ورؤية، أن نمارس إبداعنا عبر وعي ونظام واهتمام، ولأننا نتغير كما تتغير الحياة فلابد وأننا سوف ننتج إبداعاً يشبهنا، فإذا كنا قد تغيرنا بالفعل سنرى ذلك في منتجنا،سواء تراجعنا أو راوحنا في أماكننا أو نحونا باتجاه سماء مغايرة.
* تغلب على مجموعتك الشعرية الأولى قصائد التفعيلة، وفي حين تدفع بها للنشر، كنت تنجز مرحلة جديدة من العلاقةمع اللغة عبر الوسيط النثري كمصدر للشعرية، ما الذي يثيره فيك هذا الأمراليوم؟.
- لا أنتبه كثيراً لقضية الشكل، ولا أعطي أذناً مصغية للصراع الدائر على هذه الخلفية، لأنه صراع لا يخص الشعراء وإنما يخص أصحاب المصالح في الإقطاعيات التي ظن الشعراء واهمين أن الشعر منحها لهم.
بينما على الشعراء أن يكتبوا ما ينشغل به النقاد وليس العكس كما يحدث الآن، يذهب الشعراء للتفصيل على قياس ما قاله النقاد.
لم يكن ذهابي إلى التفعيلة أو ذلك التنويع بينها وبين القصائد الحرة في ديواني الأول قراراً، لم أخطط لذلك ولم أرسم له طريقاً، ولم تكن غلبة القصيدة المهموسة ذات الإيقاع الباطني في مجموعتي الثانية نتيجة لدراسة أو مخطط ذهني، أنا أقرأ وأعيش وأعمل وأحب وأعول أسرتي وأكتب، وما أكتبه يتأثر بكل هذه الأمور، ولابد له أن يتأثر، وإلا ما كتبت، لا رهبانية في الكتابة الإبداعية، هي فعل يشبه أفعالنا الحياتية كلها، وبالتالي يشبهنا في إيقاعنا ونضجنا وتفاهتنا وضحكنا ولهونا وسخافاتنا، نمارس عليه أحياناً ما نعتقد أنه تنظيم، ولكن هذا التنظيم لا يتعدى أن يكون لعبة، واستخدامي لمفردة لعبة يهدف إلى رفع شأن هذا العمل وليس تحقيره كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، لعبة بكل ما تحمله هذه المفردة من ألق.
* وماذا عن الكتابة للمسرح في علاقتها بتجربتك الشعرية؟.
- أنا أكتب الشعر والمسرح ولدي مجموعة قصصية غير منشورة، وفازت قصصي بجوائز، وأمارس جرم الشروع في روايات ولا أستكملها، ولست أعرف ما العلاقة بين المسرح والشعر والرواية والنثر، ولكني مؤمن مثلاً بأن الجميع كيان واحد، أشعر مع المسرح بحرية كبيرة، وتتدفق طاقتي في تصور الشخصيات وحركتها وتشغلني تفاصيل الخشبة والملابس والإضاءة والألوان وأكتبها بدقة لأنني لا أعرف مخرجاً أفضل مني لنصوصي المسرحية، وأعتقد أن المسرح هو الصورة الأقل تجريداً للشعر، كما أن الرواية هي الصورة الوسيطة بينهما، هذه التقسيمات تخصني وحدي ولا أفرضها على أحد، ولذلك تجدني وقد بدأت نصاً شعرياً وإذا به ينتهي نصاً ممسرحاً، أو العكس، وقد يتحول جهد طويل بذلته في كتابة مسرحية إلى قصيدة من ثلاث فقرات، أو تتوقف دفقة عمل روائي لمجرد أن قصيدة استطاعت أن تحتويها. ولذلك فإن كمبيوتري به العديد من المشاريع المفتوحة في انتظار أن تتم، والمشكلة أنني أعمل بمزاجية كما لو أنني ألعب، وللأسف لا أمتلك الجدية الكافية للعب في كل وقت.