قرن من الأدب ـــ بقلم: ماري ـ غابرييل سلاما ـ ت.عدنان محمود محمد
لغة راوئية جديدة:
فرَضَت الرواية نفسَها نهائياً في القرن العشرين بعد أن وهبها كتّابٌ مثل ديكنز Dikens وبلزاك Balzac أحرفَها النبيلة. وبينما لم تظهر، حتى ذلك الحين، أية جمالية جديدة، وكان الكتّاب مازالوا يعيشون على ذكرى القرن السابق، فقد ابتنى الأدب معالمَ جديدة مع كتّابٍ من أمثال بروست Proust أو جويس Joyce، ثم مع منجزات السرياليين Les surrealists.
تفجّر الرواية:
غالباً ما عُدَّ مارسيل بروست أحد أكبر روائيي القرن، ليس لأن رواية بحثاً عن الزمن المفقود A la recherché du temps perdu (1913 ـ 1927) تشكّل بأجزائها السبعة إحدى أكبر القمم الروائية التي كتبت عبر التاريخ فحسب، بل لأن هذه الرواية المكتوبة بضمير المتكلم تقدّم تفكيراً بالغ الدقة والكمال حول الجنس الروائي نفسه. ويرى كثيرٌ من النّقاد، ومنهم رولان بارت Rolland Bartes، أن بروست، مع بحثاً عن الزمن المفقود، أنجز الرواية وأجهز عليها.
هل يمكن كتابة روايةٍ بعد بروست؟ بلا شك، ولكن ليس كما في السابق أبداً. لأن هذا الكاتب هو آخر الكلاسيكيين وأول المُحدَثين في آنٍ معاً. ولقد أسهم بروايته العظيمة إسهاماً كبيراً في دراسة الزمنية La temporalité، والذكرى والذاكرة اللا إرادية، وكثيرٍ من الأفكار التي أثّر عليها بها برغسون Bergson في كتابه (المادة والذاكرة Matiere et mémorie، 1896).
والكاتب الإيرلندي الناطق بالإنكليزية جيمس جويس James Joyce أحدُ هذه الوجوه العظيمة التي لا يمكن اختزالها إلى هذه الحركة الأدبية أو تلك، ولكنها أسهمت في تجديد الكتابة في القرن العشرين: ألا يُعَدّ وليم فوكنر William Faulkner وفيرجينيا ولف Verginia Wolf من ورثته؟ وعلى الرغم أنه من البدَهي أن نذكر رواياته أهالي دبلن Les gens de Dublin (1914) وديدالوس Dedalus وصورة الفنان شابّاً Portrait du jeune artise Par lui- meme - – mome (1916) ويقظة آل فينيغان
1939)، فإن روايته الأهم هي بلا شك أوليس Ulisse التي كتبها بين عامي (1914 ـ 1921) ونشرها في فرنسا عام 1922.
تمهّد هذه الرواية الضخمة إلى ما يسمّيه جويس (الأدب الأسطوري La litterature mythique). فالحدث يجري في يومٍ واحد (16 حزيران 1904)، وفي مدينةٍ واحدة (دبلن). وإذ هدمت كتابتُه لها كل تركيبٍ، فإنها سجّلت التدفّق العفوي لأفكار الشخصيات ولا شعورهم. ولكنْ تتميّز أوليس بأنها محاكاة ساخرة للنص الهوميري، حيث يعتمد كلُّ فصلٍ فيها رمزاً بلاغياً خاصّاً (معارَضة وهجاء ورثاء). تبقى هذه الرواية الحديثة والمفاجئة والمستغلقة أحياناً، والتي تزحم جنس الرواية وبنيَتها، إحدى أكثر الروايات التي حظيت بالنقد في تاريخ الأدب.
عُرف الكاتب النمساوي روبرت موسيل Robert Musil بأنه كاتب قصصٍ قصيرة (عرس Noces 1910 وثلاث نساء Trois femmes 1923)، ولكنه عُرف بروايته غير المكتملة الرجل البلا خِصال L' homme sans qualites التي ظهر جزءاها: الأول عام 1930 والثاني عام 1933. ولكنّ هذه الرواية أصبحت الآن كتاب ـ عبادة، لم تظهر بشكلها النهائي إلا في عام 1952، بعد أن ظهرت مسوّدات مخطوطاتها. عالم هذه الرواية قريب جداً من العالم البروستي: البحث عن الأنا هو هو (البطل أولريش Ullrich، "الرجل البِلا خصال" يبحث عن معنى لوجوده ولا يجده)، والتعطّش للمطلق هو هو (ويشهد على ذلك حبُّ أولريش المستحيل والمثالي لأخته آغات Agathe)، وهناك التحليل التاريخي والسوسيولوجي نفسه لعالمٍ كامل الانحطاط (ألا تصف الرواية أيضاً انهيار الإمبراطورية النمساوية ـ الهنغارية؟) ومع ذلك فإن الذي يجعل هذه الرواية شعاراً لأدب القرن العشرين، هو أن الحدث يختفي لصالح التفكير والبحث. لا يهم كثيراً ما يحدث، بل المهم هو مسيرة البطل وتيهه وتساؤلاته المنقسمة بين مثلٍ أعلى وواقعٍ مخيّبٍ جداً.
هناك كاتبان عالماهما وتقنياتهما مختلفة، وقد سعى كلّ منهما، على طريقته، في أوساط الثلاثينات، إلى كتابة رواية جديدة، وهما: الفرنسي لوي ـ فردينان سيلين Louis-Ferdinand Céline والأمريكي وليم فوكنرWilliam faulkner. اشتهر سيلين بسخريته المعادية للسامية (ترّهات حول المجزرة Bagatelles sur le massacre 1937)، ومع ذلك فهو لا يقلّ منزلةً عن كبار روائيي القرن بفضل روايتيه: سفر في آخر الليل Voyage au bout de la nuit (1932)، وموتٌ بالتقسيط Mort a ctédit (1936). ولقد فرض نفسه في المشهد الفني الفرنسي، وسرعان ما أحدثت رواياته فضيحة مباشرة: ليس لأنها تصف عالماً مترعاً بالعنف والعداوات فحسب، بل لأنها تستخدم لغةً محكية يتفجّر فيها النحو، وليس فيها مكانٌ للنواميس.
أما بالنسبة إلى فوكنر، ذلك الكاتب الجنوبي، فقد برع أكثر ما برع بأسلوبه الساخر (الضيعة Le hameau 1940)، كما بأسلوبه التراجيدي (الصخب والعنف Le bruit et la fureur). وبوصفه وريثاً لجويس وفرجينيا وولف، فقد كان يتطّلع إلى عالم سردي معقّد تتمادى فيه الشخصيات في مناجَياتها الجوّانية، كما هي الحال في الصخب والعنف، التي بنيت على أربع مناجيات متوالية ترصد انهيار إحدى أسر العمق الأمريكي.
هل كان لحياة كافكا معنى؟
كانت ثلاثة نصوص كافية لتجعل من الكاتب التشيكي الناطق بالألمانية فرانز كافكا Franz Kafka، أسطورة حقيقية، وهي: المسخ La metamorphose (1916)، والمحاكمة Le procés، والقصر Le chateau (والروايتان الأخيرتان لم تكتملا، ونشرتا بعد وفاة الكاتب على التوالي في عامي 1925 و1926. تفرض هذه الروايات ذات الأسلوب المتقشف عالماً غريباً عبثياً لا يطاق، يختلط فيه باستمرار الواقع بالإدهاش. يقع أبطاله دائماً في فخ مجتمع يخضعون لقواعده دون أن يفهموا معناه. تعالج رواية المسخ القدر المأساوي لغريغوار سامسا Grégoire Samsa الذي تحول ذات ليلة إلى حشرة عملاقة، ولم يعد يلقى إلا العنف والاحتقار من أولئك الذين كانوا أشباهه بالأمس. وتصف المحاكمة التعثرات الحاصلة داخل منظومة قضائية ضيعت جوزيف ك Joseph k. الذي وجد نفسه موقوفاً ومداناً ومحكوماً بالإعدام دون أن يعرف السبب أبداً. وأخيراً، في القصر، يجب على المساح ك. أن يكافح، هو الآخر، عبثاً ضد البيروقراطية البغيضة الجاثمة في القصر المشرف على القرية التي استقر فيها.
السرياليون:
تشكّل السريالية Le surréaslisme إحدى أكبر الحركات الجمالية في القرن. ولدت هذه الحركة من الحرب، وظهرت مع مجلة أدب Littérature التي أسّسها في فرنسا عام 1919 كلّ من آندريه بروتون André Breton ولوي آراغون Louis Aragon وفيليب سوبو Philippe Soupault، وما لبث بول إيلوار Paul Eluard أن انضمّ إليهم. تأثرت السريالية بعدمية Nihilisme تريستان تزارا Tristan Tzara وبحركته "دادا" التي تفتّحت في زيورخ، وأعادت النظر بجميع أسس المعنى والكتابة.
وإذ حمل هؤلاء الكتّاب أفكارَ لوتريامون وأبولينير (الذي أبدع كلمة سريالي)، فإنهم رفضوا كلَّ عقلانية، وسَعَوا إلى التعبير عن "عمل الفكر الحقيقي" رافضين كل رقابةٍ للعقل. ولقد أصبح اللا شعور مادة حقيقية للكاتب بفضل الوسائل غير المعروفة كالكتابة الآلية وقصص الحلم والتنويم المغناطيسي (وتلك تقنيات مستوحاة، على نطاق واسع، من التحليل النفسي). ويشهد على ذلك أهمّ كتابٍ لهذه الحركة الحقول المغناطيسية" (1920)، وهو سلسلة لنصوص "آلية" كتبها بروتون بالاشتراك مع سوبو.
إذا كانت السريالية حركة أدبية في الأصل، فقد أقامت علاقات وشيجة مع الفنون الأخرى التي تعتمد هي أيضاً على تقنيات غير معروفة. ولقد اتخذ بيكابيا Picabia ودالي Dali ومارسيل ديشان Marcel Duchamps، إذا لم نذكر سواهم، نظريات الكتّاب السرياليين لتكيُّفها مع فنهم. وهذه الصلة حاضرة في رواية آندريه بروتون الرائعة نادجا Nadja (1928)، التي تتحدّث بطريقة غير خطابية عن لقاء الراوي في باريس مع إحدى الممسوسات. وتشكّل الصور المولَجَة في النص جزءاً لا يتجزأ من الكتاب.
والشعر أيضاً:
ظهر في فرنسا، في عام 1913، ديوان كحول Alcools لأبولينير Apollinaire خالياً من أية علامات للترقيم، لتتغنّى قصائده بالحداثة والخيمياء الشعرية الجديدة في تناوبٍ بين التفاؤل والكآبة. أما النصوص التي جُمعت في قصيدة تصويرية Calligramme (1918) فستكون أكثر ظلاماً ولكنها تحمل التجديد عينه، وهو ديوان من "رموز للأفكار الشعرية Idéogrammes" و"قصائد ـ محادثات Poémes-conversations". وقد كتبت إبّان الحرب التي جُرح فيها الشاعر جرحاً بليغاً.
سيجد هذا الجيل الذي يشكّ، والذي شهد ويلات الحرب العالمية الأولى، صدّى هائلاً في الأرض اليباب لـ ت. س. إليوت T. S. Eliot: تتحدّث هذه القصيدة الطويلة المؤلفة من 430 بيتناً عن القلق واليأس اللذين ولّدتهما الحرب بلغةٍ غير مسبوقة تمزج التصوير بالرمزية.
أهم كتّاب القرن العشرين:
* غيوم أبولينير Guillaume Apollinaire: شاعر فرنسي من أصل بولوني. أهم أعماله ديوانا "كحول "1913 وقصيدة تصويرية" 1918.
* صموئيل بيكيت Samuel Beckett: روائي وكاتب مسرحي إيرلندي كتب جزءاً كبيراً من أعماله باللغة الفرنسية. في مسرحيتيه (بانتظار غودو ونهاية اللعبة) سعى بأسلوبٍ متقشّف إلى التعبير عن عبثية الظرف الإنساني. نال جائزة نوبل عام 1969.
* خورخي لويس بورخِس Jorge Luis Borges: كاتب أرجنتيني اشتهر بقصصه القصيرة الفانتازية (خيالات Fictions 1944 وكتاب الرمال Le livre de sable 1975) وهي تنشئ علم أساطير حديث.
* برتولت برخت Bertolt Brecht: كاتب مسرحي ألماني ومبدع لـ "المسرح الملحمي Le theater épique" والملتزم (الأم شجاعة وأبناؤها، 1941). كما أسس عام 1949 فرقة برلين.
* لوي ـ فردينان سيلين: روائي فرنسي كتب (سفر في آخر الليل 1932، وموت بالتقسيط 1936) كان هجّاءً وأحَدثَ ثورةً في مفهوم الأسلوب.
* ت. س. إليوت: شاعر أمريكي أصبح مواطناً بريطانياً، ديوانه الأرض اليباب أثّر في جيل كامل. نال جائزة نوبل عام 1948.
* ألبير كامو Albert Camus: مثله مثل بيكيت، ارتبط هذا الكاتب الفرنسي لبعض الوقت بالحركة الوجودية قبل أن يبتعد عنها. استكشف في كتابيه (الغريب L'értanger وأسطورة سيزيف Le mythe de sisyphe 1942) أغوار عبثية الظرف الإنساني. نال جائزة نوبل عام 1957.
* وليم فوكنر: كاتب أمريكي إطارُ رواياتِه كلها هو مدينة متخَيَّلة تدعى جفرسون، في ولاية متخيَّلة أيضاً تدعى يوكناباتاوفا، تصور الجنوب الأمريكي، المنطقة التي أتى منها الكاتب. قَلَبَ البنى التقليدية للسرد، وغالباً ما لجأ إلى استعادة المونولوج الداخلي. نال جائزة نوبل عام 1949.
* إرنست همنغواي: روائي وقاصّ وشاعر وصحفي أمريكي، الأكثر تمثيلاً لـ "الجيل الضائع". من أهم أعماله: الشمس تشرق أيضاً ، لمن تُقرع الأجراس 1940. نال جائزة نوبل عام 1954.
* جيمس جويس: روائي إيرلندي مؤلف رواية أوليس العظيمة 1922 وقد غيّرت جمالية الرواية.
* فرانز كافكا: كاتب تشيكي كتب بالألمانية. كتب رواية ملغَّزة طليعية المسخ 1915 والمحاكمة 1925 والقصر 1926.
* توماس مان: روائي ألماني، مؤلف الجبل السحري 1924. نال جائزة نوبل عام 1929.
* مارسيل بروست: كاتب فرنسي، مؤلف بحثاً عن الزمن الضائع، وهي رواية عظيمة تتحدث عن زمن الإبداع نشرت بين عامي 1913 و1922.
* جون شتاينبك: روائي أمريكي. (فئران وبشر 1937، وعناقيد الغضب 1939) تفضح موهبته الواقعية الفروق الاجتماعية في أمريكا خلال الانهيار. نال جائزة نوبل عام 1962.
* ستيفان زفايغ: كاتب نمساوي. روائي وقاص، كتب اضطراب المشاعر 1927 ومقالات أدبية.]