الروائية الفرنسية فرانسواز شاندرناجور:
أكتب بقوة الخوف [color=navy]ترجمة: منار كامل
[b][color:1051=teal:1051]أصدرت روايتها الأولي (ممر الملك) عام 1981، كانت في الثلاثين وقتها، وقد أثارت الرواية اهتمام النقاد وقتها حتي أن البعض اعتبرها ( شهادة ميلاد لكاتبة كبيرة). إنها الروائية الفرنسية فرانسواز شاندرناجور التي قررت مؤخرا أن تترك عملها بالقضاء ومجلس الدولة لتتفرغ كليا للكتابة. ومنذ أيام صدرت روايتها التاسعة (مسافرة الليل)عن دار جاليمار.
في منزلها الباريسي استقبلتنا من أجل هذا الحوار، وفاجأتنا بحيوية لا تقل عن حيوية بطلاتها مثل الماركيزة دي مانتينون في (ممر الملك) وكريستين فالبري في (بلا تشابه ) وكاترين كيلي في (الزوجة الأولي) فقد كن جميعا نساء يحاربن الصمت والفساد والموت، تصف لنا فرانسواز شاندرناجور المجتمع الفرنسي من خلال بعض المصائر الفردية سواء في عصر لويس الرابع عشر أو في عصرنا الحالي
[b]رواية (مسافرة الليل) هي عمل عن النساء حيث تدور قصته حول خمس من نساء اليوم ستموت الام أولجا، بينما تحاول بناتها الأربع أن يستعدن علاقتهن الأخوية التي كانت قد تلاشت شيئا فشيئا. تثير الكاتبة في تلك الرواية الكثير من القضايا المؤلمة مثل وحدة الانسان أمام الموت وقسوة الاختيار بين حياة مؤلمة وقتل رحيم ومحاولة اخفاء الحزن الذي أصبح غير لائق في هذا المجتمع الثمل بالسرعة والجهل والنسيان. بورتريهات الفتيات الأربع اللاتي يرفضن الاستسلام يعكس ولع فرانسواز بالحياة ولقد أكدت ذللك أكثر من مرة في هذا الحوار الذي اجرته معها الصحفية: كريستين فرنيو ..
بعد كتابتك لرواية تاريخية تدور أحداثها في القرن الثامن عشر (لون الزمن) أصدرت سريعا رواية معاصرة (مسافرة الليل) هل تمارسين في عملك دوما هذا التتالي والاختلاف؟
­ دائما ما أفضل وأختار هذا الايقاع المتتالي. منذ أن كتبت روايتي الأولي (ممر الملك) التي كانت السبب في تصنيفي ككاتبة للرواية التاريخية و أنا أحاول في الواقع عند كتابتي لرواية معاصرة أن أحمل اليها رؤية تاريخية عندما أتساءل عما يميزنا الآن عن القرون السابقة اذن فلدي منهج مزدوج وهو أن أبحث عن الكون في حقبات تاريخية ماضية وأن أدمج بعض العناصر التاريخية في الحاضر بطريقة غير مباشرة
اننا نكتشف الكثير من الغرابة عندما نعود بالزمن الي الوراء أكثر مما لو جبنا الأرض أن كتابة التاريخ لهو عمل أشبه بعمل مستكشفي الشعوب والقارات الجديدة في القرن السادس عشرحيث كانوا في بعض دراستهم يحاولون ايجاد نقاط الاختلاف والتشابه بين حضارتهم وثقافتهم وحضارة وثقافة تلك الشعوب وأنا مثلهم أحاول ايجاد التشابه والاختلاف بيننا وبين من عاشوا من قبلنا بمئات السنين
روايتك الجديدة تطرح الموت من منظور نسائي لماذا كان هذا الاختيار؟
­ كنت أتمني أن أكتب رواية عن علاقة الأم بالابنة ولقد كتبت من قبل عن علاقة الأم بابنها في رواية (طفل التنوير)ولكن من وجهة نظر الأم. تلك المرة تناولت علاقة الأم ببناتها من منظور الفتيات، ولقد ساعدني كثيرا في الكتابة كتاب كنت قد قرأته لمحللة نفسية اسمه التدمير قد كان يتناول علاقة الأم بالابنة من منظور نفسي اجتماعي وأيضا كانت مستشهدة في الكتاب ببعض الحالات التاريخية من مدام دي سفينيه ومدام جرينان الي مارجريت دوراس وأمها وفي الواقع كانت النتائج حقا مدمرة
وأيضا هناك كتاب آخر لألدو نوري يتناول فيه الصعوبة التي تواجهها الأم في الانفصال عن ابنتها وكأن الأمر يتعلق بنفس الجسد فكم من الأمهات يفشلن في فصل أو تمييز أجسادهن عن أجساد بناتهن فتجدهن يتدخلن في اختيارات بناتهن للزي لأسلوب الحياة يتطفلن دائما علي الحياة العاطفية والجنسية لبناتهن متناسين بذلك انهم اثنان لكل منهن كيانه وعمره وشخصيته ولهذا لاتستطيع الكثير من البنات والنساء أن يستقللن نفسيا عن أمهاتهن
لبطلاتك أصول روسية فأسماؤهم أولجا، كاتيا، سونيا ....لماذا؟
­ بالطبع هذا بتأثير تشيكوف الذي كانت قصصه تعتمد علي عناصر من الحياة اليومية تحركها خلفية سياسية فأنا أيضا اعتمد في تلك الرواية علي نفس الفكرة ولكن خلفيتي المحركة للأحداث هي المخاوف الكبري مثل الخوف المبهم من الموت وغموضه الذي يجعلنا نخاف الجحيم ويملؤنا بالوحدة وأيضا الخوف من الأوبئة هو من أكثر المخاوف الجماعية ولكننا نشعر تجاهه بوحدة أقل لقد كان الخوف من فساد الطعام يستبد بالأم في تلك الرواية لدرجة أفقدتها الشهية للطعام احدي البنات كان يستبد بها الخوف من الغزاة وكانت دائمة البحث عن جزيرة نائية غير مأهولة بالسكان حيث يكون من المستحيل أن تقع في الأسر أو تتعرض لمخاطر الحروب
وكانت تحاول أن تعيش في حالة اكتفاء ذاتي والنساء الخمس كان يسيطر عليهن الخوف من الجفاف والتصحر والأوبئة وأصبحت حياتهن استراتيجية لتحاشي الموت.
لكن في روايتك لا يظهر سوي الموت ولا مكان للحداد ؟
­ الحزن والحداد لم يعد لهما مكان لان عليك لكي تواكب هذا المجتمع أن تواصل بأقصي سرعة حياتك اليومية بدرجة تجعلك حتي لاتري مدي ألمك ولقد طرحت من قبل نفس المسألة في روايتي الزوجة الأولي ولكن عما بعد الطلاق
لقد تعرضت أيضا لمسألة وحدة الممرضات في ورديات العمل في المستشفي؟
­ تتلقي المستشفيات أحيانا مرضي يكون الأمل في استمرار حياتهم لا يتعدي الأسابيع الثلاث ومن هنا وصفت لحظات وحدة الممرضة الطويلة أمام هذا الألم حيث تأتي مرارا فكرة القتل الرحيم
هل كنت تريدين كتابة سيرة ذاتية بدلا من رواية ؟
لا, إنها رواية لكن بالفعل في البداية كنت أريد أن أكتب نصا عن كل ما رأيته وسمعته عن الموت والمعاناة ولكنني ببساطة كتبت رواية تتضمن بعض الحقائق التي أردت أن أعبر عنها أهمها هذا الاحساس القاسي بالوحدة أمام الموت الذي يزداد من عصر لآخر
لماذا يتناول كتابك بشكل أساسي العلاقة بين الأخوات الأربع؟
­ لقد كانت العلاقات بينهم تتفاعل من خلال الأم ما تقوله وما تحبه وموتها جعلهن يحاولن استعادة علاقتهن الأخوية بأن يعد فتيات صغيرات وتلك كانت طريقة آخري للهرب من الحزن.
لماذا يقع اختيارك علي كتابة رواية تاريخية أو معاصرة وما الاختلافات والمشاكل التي تواجهينها عندما تشرعين في الكتابة؟
­عندما أكتب رواية تاريخية يعتمد عملي علي البحث ولكن عندما أكتب رواية معاصرة يكون هناك قدر أكبر من التصرف ولكن عملي يعتمد علي الملاحظة الدقيقة لكل ما يدور حولي وفي الحالتين يجب أن أكون علي مسافة كافية من شخصياتي لأستطيع رسمهم ، إن البحث في خصائص مرحلة ماضية من الممكن ألا ينتهي وتكون صعوبته في أن تعرف متي ستتوقف وفي نفس الوقت المهم هو أن أحترم التاريخ وألا أنتهكه لصالح حبكة الرواية ولكني أحيانا أضطر لبناء الشخصية التاريخية من الداخل أي أتخيل وأخمن بعض نواحي حياتها ولكن دون مغالطة للحقائق التاريخية،أحيانا عندما أكتشف حقائق تاريخية كنت أجهلها من الممكن أن يجعلني هذا أعيد كتابة كل ما بدأته حتي لو كنت قد قاربت علي اكمال الرواية ان هذا الموقف لا يحدث في الرواية المعاصرة ولكن تكمن مشكلة آخري معقدة وهي كيف تستخلص الخطوط العريضة للمجتمع وتعرضها في سياق روائي، ان كتابة رواية معاصرة برؤية تاريخية لهو شيء في غاية الصعوبة.
ما هو الأسلوب بالنسبة اليك ؟
­انني لست كماركيزات الأدب الفرنسي اللاتي يعشقن الجملة المتكلفة فبالنسبة اليهم الأدب لا يعني سوي الصورة البلاغية عندما يفرض كاتب رؤيته ويجعلك تري المشاهد بوضوح فهو بلا شك له أسلوب، أحب كثيرا تلك العبارة لبروست الأسلوب ليس تقنية وانما هو رؤية أن دور الرواية الأول هو أن تخفف من آلامنا وتهدهد أحزاننا ودورها الثاني والأهم هو مساعدتنا علي ايجاد معني الحياة أو علي الأقل التفكير فيه تستطيع رواية أن تقول لنا لماذا نحن هنا.
ألم تحاولي قط أن تكتبي سيرة ذاتية ؟
­لم أكن سأكتب أبدا مسافرة الليل اذا لم أكن قد رأيت انسانا يحتضر كما لم أكن سأكتب الزوجة الأولي اذا لم أكن قد مررت بتجربة الطلاق ولكنني أبدا لم أكن الشخصية انها ليست قصتي حتي اذا كنت قد استخدمت(أنا) ونفس الشيء بالنسبة للرواية التاريخية تجاربي الشخصية فقط تغذي روايتي أو تمدني بها في الواقع كل ما عشته يفيد رواياتي ولكنني لا أجد حياتي مشوقة بقدر يجعلني أرويها وأتمني أن تظل هكذا فلطالما تمنيت حياة عادية وهادئة جدا .
[/b][/b]