الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة |
|
| ملاحظات في السيرة الشعبية في العصر المملوكي | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: ملاحظات في السيرة الشعبية في العصر المملوكي 28/6/2007, 16:52 | |
| د. طلال حرب ملاحظات في السيرة الشعبية في العصر المملوكي
يمتزج في السيرة عالم الحقيقة وعالم الخيال امتزاجاً شديدا بحيث يصعب الفصل بينهما , فالسيرة لم تأخذ من الواقع شخصيات أبطالها التاريخيين فقط , بل استمدت الكثير من الشخصيات ودستهم في تضاعيف السيرة , فمن الانبياء نجد نوحاً (ع) وابراهيم الخليل (ع) ويوسف (ع) , ومن الخلفاء الرشيد والمعتصم , ومن الملوك كسرى أنوشروان والملك سيف أرعد , ومن الشخصيات الشهيرة بزرجمهر وعبد المطلب , ومن فرسا العصر الجاهلي عامر بن الطفيل واللقيط بن زرارة والحارث بن ظالم وعمرو بن ود العامري وعروة بن الورد وغيرهم . وفضلا عن ذلك تأثرت السيرة ببعض الظواهر في المجتمع العربي في العصر العباسي والمملوكي كظاهرة العيارين والشطار , وصورت السيرة العديد من الازمات التي حفل بها العصر العباسي عامة والعصر المملوكي خاصة , كالصراع على السلطة , وضياع سلطان العرب واستبداد الاشرار والظالمين بمقدورات الحكم , والصراع الافرنجي الاسلامي , والمغولي الاسلامي , وأزمات الجوع والفقر . الا ان السيرة عرضت كل ذلك بعد توشيته بالكثير من الخيال , وتغليفه بالخوارق والعجائب من الامور , لأسباب فنية وسياسية واجتماعية , بل وتجارية , اذ كانت هذه السير تلقى القاء ,فتعمد الرواة ادخال كل ما يعجب ويدهش فيها لجذب المستمعين . ولكن ليس في كل هذا ما يسئ الى فنية السيرة , بل نراها تحافظ على جمالية خاصة , وتعمل بشكل مميز يقوم اساساً على دلالة الحدث لا حقيقته الحرفية " فاستحالة حدوث الوقائع المروية , المتلاقية مع عدم التحديد الزماني والمكاني- فكل شئ يجري في البعيد ومنذ وقت طويل - تشير الى ان اياً من الشخصيات لم يتصرف فعلاً وان الحدث هو من نمط معنوي اخلاقي " . وقد تفاعل رواد السيرة وانصارها مع الاحداث من هذه الزاوية , وفهموا معالم الحدث ودلالته الاخلاقية والنفسية , ورأوا فيها طرحاً لما يعانونه رغم قدم تفاصيله وسردها في قالب عجائبي , وهنا يكمن تألق السيرة الذي اخطأ الكثير فهمه وعدوه نقيصة في السيرة أضاعت قيمتها وخسفت نورها . 1- محاور السيرة : توقفت كل سيرة عند حدث معين هو محورها الذي يرتكز اليه معظم أحداثها , لكن هذه الحقيقة لا تعني انفردا كل سيرة بأمر واحد تعالجه , فالسيرة عالم كامل غني بتفاصيل كثيرة يمكن مقاربتها من زوايا عدة , بل تشير هذه الحقيقة الى وجود محور اساسي يدفع السيرة من خط معين , والى جانبه تتراكم قضايا ثانوية أملتها فنية السيرة , وتطلع الرواة الى اغناء اعمالهم واعجاب مستمعيهم .وسنتوقف عند كل سيرة لنرى المحور الاساسي فيها . أ - نشر الاسلام الصحيح : في سيرة الملك سيف تفاصيل كثيرة , ولعل هذه السيرة من أكثر السير احتواء على العجائب والغرائب والاساطير , ففيها الجان والمردة , واساطير كثيرة تفسر ظهور مصر وجر النيل اليها , وظهور العديد من الاماكن والمدن كأسيوط وفارس كور , كما نلحظ فيها تأثراً واضحاً بألف ليلة وليلة , لكن المحور الرئيس هو نشر الاسلام الصحيح , اذ لا يقاتل الملك سيف أهل الكفر فقط , بل يتحقق من صحة الاسلام من يدعي الاسلام بوساطة سيف أصف بن برخيا وهو الهدية السحرية التي رصدها له وزير النبي سليمان (ع) ويفتك به بالانس والجان , فان كان أسلامه صحيحا لم يكن به من بأس , وان كان كاذباً أطاح السيف رأسه , فقد عرض الملك سيف الاسلام على الملك بحرشير شاه وملوكه التابعين الاربعين , فاخذه كل واحد وهزه حتى دب الموت في فرنده , فلم يحدث له اي شئ ولم ينله اذى , الى ان اخذه اخرهم في يده واراد ان يفعل كما فعل رفقاؤه , واذا بالحسام استوى وارتفع بالحيل والقوى , وارتفع الى الهواء , واسود والتوى ومال على الذي كان ماسك قبضته فأزاح رأسه عن جثته , فعلم الملك سيف بن ذي يزن والناس الحاضرون أن اسلام ذلك الرجل باطل, وما هو على حق اليقين . ولعل هذه المسألة تعود الى زيف اسلام الكثيرين في العصر المملوكي وادعاؤهم الاسلام مع عدم ايمانهم الفعلي , اما المسلم الحقيقي فلا يقدر بثمن ز وقد عبر الملك سيف عن هذا الامر بقوله : " انا عندي اسلام الواحد منكم خير من كل اموال الدنيا " . ان مسألة صحة الاسلام في السيرة مسألة مهمة , لأن الاسلام دين ودنيا , فمن لم يؤمن بشكل صحيح لم يعمل وفق تعاليمه , اما المؤمن الحقيقي , فانه يعمل وفق تعاليم الاسلام ومبادئه , ولعل الملك سيفاً هنا هو المسلم المثالي الذي لا يخالف الله في رعيته , ومن أبهر ما يلقانا في سيرة الملك سيف موافقته على زواج اخته عاقصة من خادم لوحه المطلسم عيروض , ورفض عاقصة ذلك الزواج واصرار الملك سيف عليه , الامر الذي يذكرنا بزواج زينب بنت جحش ( 20ه \ 641 م ) وزيد بن حارثة ( 8ه \ 629 م ) ربيب النبي (ص) اذ رفضت هذا الزواج لانها من أشراف قريش في حين ان زيداً عبد للنبي أعتقه ثم تبناه , وقد أبى اخوها عبد الله بن جحش ان تكوت أخته وهي قرشية هاشمية , وهي فوق ذلك ابنة عمة الرسول تحت عبد رق اشترته خديجة ثم أعتقه محمد ". فأصر النبي على ذلك الزواج , ففي الاسلام لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى , وأصر على أبرام الزواج ليحطم تلك الحواجز المصطنعة بين الناس . ان هذا التشابه يرفع الملك سيف الى مرتبة تقارب او تشبه بمرتبة الانبياء , في نشر الاسلام وتطبيقه . فالطبقات الشعبية تريد حاكماً مسلماً اسلاماً صحيحاً , ويعمل على نشر هذا الاسلام الصحيح والفتك بكل المسلمين المزيفين والكفار الملحدين . فالاسلام قيم , وكذلك الكفر والايمان الزائف , وكل منها يشكل خلفية ينطلق منها الفرد في تصرفاته واعماله . ولذلك لم يكتف الملك سيف بفرض هذا الزواج على عاقصة , بل انطلق في رحلة مرعبة في انقاذ خادمه عيروض عندما أسر في كنوز النبي سليمان (ع) . فالحالكم المسلم العادل لا يأنف من المخاطرة في سبيل خادم , بل يعتبر نفسه مسؤولا عنه ومجبراً على أنقاذه , فالسيرة تطالب السلطان بالاهتمام بالطبقات الشعبية فمسؤوليته عن افقر الناس في شعبه لا تقل عن مسؤوليته عن كبار الامراء . | |
| | | حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: رد: ملاحظات في السيرة الشعبية في العصر المملوكي 28/6/2007, 16:52 | |
| ب- الثأر من الظالم ليس اختيار قصة الزير سالم وثأره لاخيه كليب مصادفة , بل هي فعل متعمد مدروس ومفهوم بطريقة معينة , هي الثأر من الظالم , فحيثما سرحنا النظر في هذه القصة التي مهدت لها هذه السيرة بحادثة ليست في سياقها التاريخي, وجدنا ظالماً متعدياً باغياً , وسعياً متواصلاً للثأر من هذا الظالم وقتله . لقد بدأت هذه السيرة بظلم التبع حسان لربيعة والد كليب وقتله بدونسبب الا العظمة والهيمنة على كل ملك كبير . فقام كليب وثأر من هذا الظالم الباغي وقتله وهو يقول : " لابد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن عاقبة غدرك " . لكن كليباً نفسه ما لبث ان لقي مصرعه على يد باغ اخر هو جساس بن مرة الذي انساق وراء اهواءه وحسده على ما يملكه, مع العلم ان كليباً ملك عظيم , ومن الطبيعي ان يمتلك الثروات والاراضي الجيدة . وتزيد السيرة فتصوره عاقلاً أريباً , يكلم جساساً برفق , ويخبره انه لم يعلم ان الناقة لضيفته " والله يا ابن عمي ما عرفت انها ناقة نزيلتك , ثم ذكر له سوء أدب الرعيان , وما فعلوامن الضرر في البستان , ومع ذلك فاني اعوض عليها بأربعمائة ناقة , واذا أرادت أكثر أعطيها , ولا يكون سبباً للنزاع والخصوم بيننا , فأننا اولاد عم وأصهار ". ليس كليب في السيرة متعالياً ظالماً , كا هي حاله في الوقائع التاريخية بل هو رقيق القلب حنون يشفق على جساس عندما لاعبه بالجريدة وتغلي عليه , وأسال الدم من فمه وأنفه , اذ قال له كليب : " قم يا أبن العم , فان كنت لا تريد ان تلعب غير هذه الجريدة فأسرع واضربني بها فينهتي اللعب ". وقد اعترف العبد الذي ذبحه بعد ان طعنه جساس غدراً بنبل كليب وكرم اخلاقه اذ قال : " والله يا أمير ما تستحق الا كل خير , ويدي لا تطاوعني على ذبحك ". ان كليباً مظلوم في السيرة تماماً , وجساس بن مرة ظالم ما في ذلك من شك , ولعل المقدمة التي سبقت حادثة قتل كليب , وما ذهبت اليه من ان البسوس بنت التبع حسان ,ليست الا محاولة جادة من الرواة لتبييض صفحة كليب وتأكيد ظلم جساس زدفع قصة حرب البسوس في الخط الذي يرمي اليه الرواة , وهو الظلم والثأر من الظالم , مهما طالت الأزمان وتعددت الأخطار . وتحفل سيرة المهلهل بتعاقب الظلم والثأر من الظالم , فالملك حكمون الذي داوى طبيبه جراح المهلهل مظلوم ايضا , اذ تعدى عليه الملك برجيس الصليبي وهاجم بلاده بدون اي سبب او تعد من الملك حكمون , فبرز الزير سالم , رمز البطل المنتقم من الظالم القاهر له , بكسر جيشه بعد انتصاره اذ " تقدم الى صهيون اخو الملك حكمون وقال شددوا عزمكم وقاتلوا خصمكم, , ثم خاض في المجال وطلب المسيرة في الحال , وقاتل الابطال , فمدد أكثرها على الرمال , وتأخرت عنه الرجال , ورأت النصارى تلك الافعال فاعتراها الانذهال , وهجموا عليه من اليمين والشمال , فأبلاهم بالذل والويل , وقتل جماعة من فرسان الخيل ". وقهر جيشه وارغمه على طلب الصلح , وليس مصادفةان يكوت المعتدي صليبياً , فالصليبيون كانوا قد غزوا الشرق كله , وحازوا صفة الغزاة الظالمين ونقمة السكان المحليين . وفي اختيار شخصية برجيس بهذه الموصفات دعم لهدف السيرة الذي يريد التأكيد على ما سيلقاه الظالم , وعلى دحر الظلم وهزيمته . ولا تكف السيرة عن رسم هذا الخط حتى بعد ان يقتل جساس الظالم المعتدي بعد زمن طويل على يد ابن كليب , اذ نجد الوزير نفسه , يقتل ظلماً على يد عبديه اللذين ضاقا ذرعاً به , لكن هذين العبدين لم يفلتا بجريمتهما اذ أدرك ولدا كليب الحقيقة ف" قبضا على العبدين وألقوهما تحت العذاب والضرب الشديد , فأقرا بأنهما قتلاه ودفناه , فقتلهما الجرو في الحال " . فليست سيرة المهلهل قصة ثأر عادية , بل هي قصة الظلم الذي يضرب بقسوة , والثأر من هذا الظلم وان طال الزمن . ج - التمهيد لظهور الاسلام : في سيرة عنترة قصة حب كبير , حب خالد , حب عنترة وعبلة , وسعي ذلك الفارس الاسود للزواج من حبيبة قلبه , لكن عنترة حقق حلمه في الجزء الثالث من السيرة التي تبلغ ثمانية اجزاء , اي قبل منتصف السيرة . وصورت السيرة بطولة عنترة ,فاذا هي بطولة أسطورية , فقال أخبر شيخ كبير عن فوة عنترة فقال : وحق الرب القديم ورب موسى وابراهيم , لقد سمعت عن عنتر انه مات في يوم خمس مرات , وقطعت رأسه سبع مرات , وعاش بعد الممات, وفرق القبايل التي كانت حوله من ساير المواضع " . وقد قامت السيرة بوجيه هذه البطولة نحو خط واحد نظنه محور السيرة الاساسي , وهو التمهيد لظهور النبي (ص) .فالسيرة صورت الحياة الجاهلية بحروبها وغزواتها وفرسانها وأوثانها ولكنها أكدت على أيمان عنترة . وانه من علامات ظهور النبي . فقد روى بعض الرواة عن عنترة فقال : ما رأيته قط يسجد لصنم ولا هتك حرم , وما كان يحلف الا برب البيت الحرام , وما كان عنده يقين بظهور سيد المرسلين , ولما رجع من سفرته من بلاد الروم عند الملك قيصر ارسل وراء الراهب الذي في دير الصنم وقال له متى يغور الماء الذي في جزيرة الصافات ومدينة الواحات التي في جزائر الافرنج ؟ فقال : يغور ذلك الماء بعد ان يظهر فارس بني عبس الأدهم وشجاعها المعلم , ففي ذلك الوقت ينقطع لمع عيان وبعده يظهر المبعوث من أل عدنان , يكسر الاصنام والصلبان , ويبطل عبادة النار والأوثان. قال عنترة : ورب البيت الحرام انا أحق من يؤمن به " . وليس ظهور عنترة مجرد علامة على ظهور النبي الكريم (ص) , با ان الله خص عنترة بدور محدد يسهل للنبي (ص) مهمة نشر الاسلام فقد "ذكرت رواة الاخبار انه كان خلقه الله الملك الجبار , وجعله نقمة علبى جبابرة العرب حتى مهد الارض قدام النبي المنتخب سيد العجم والعرب (ص) , لانه كان في زمان افترة وأوان المشيئة فدمر الأقيال , وأهلك الابطال من فرسان الجاهلية حتى طلعت في أثره الشمس المضيئة شمس ادلنيا محمد خير البرية , وتمهدت الأقطار القصية والدنية , وخمدت لهيبته النار الحمية لما بدت انواره البهية . فلم تكن بطولة عنترة عبثاً ولا مصادفة , بل كانت هبة من الله مرصودة لابعاد اولئك الفرسان الجبارين من أمام جيوش الاسلام عندما تبزغ نوره وتشرق انواره , ويؤكد هذه الحقيقة ان السيرة لم تتوقف مع موت بطلها الخارق , ولا توقفت هذه المهمة عن المسير والفعل , فقد أنجب عنترة عنيترة الفارسة التي كانت أسبه الناس خلقاً وخٌلقاً بأبيها البطل , وقامت عنيترة بأكمال مهمة أبيها في قهر الابطال وابادتهم وأدركت النبي (ص) فكانت تقاتل مع النبي في سائر الغزوات , وتطلب الشهادة في سائر الاوقات , وما زالت كذلك الى ان قتلت في غزوة الاحزاب, وماتت شهيدة على السنة والكتاب , وبلغ ذلك رسول الله (ص) فحزن عليها وقال زملوها في ثيابها لتلقى الله وهو عنها راض يوم القيامة لأنها قد فازت بكل كرامة . وتابع أولادها نصرة النبي والاسلام حتى أشتد ساعده و" اشتهر الايمان ونكست الاصنام وبان الحلال من الحرام " . ان سيرة عنترة مرتبطة بهذا المحور المرتبط بدوره بهجوم اعداء الاسلام من الأفرنج والمغول على ديار الاسلام والمسلمين واعاثتهم في هذه البلاد الفساد والأفساد , وتلكؤاولي الامر وتفرقهم في الدفاع عن بلادهم ومواطنيهم . اما القول ان سبب كتابة سيرة عنترة " انه حدثت ريبة في دار الخليفة العزيز بالله الفاطمي( 386ه \ 996م ) لهجت الناس بها في المنازل والاسواق حتى ساء الخليفة ذلك , فأشار على الشيخ يوسف المذكور ان يطرف انلاس بما عساه ان يشغلهم عن هذا الحديث فأخذ يكتب قصة عنترة ويوزعها على الناس فأعجبوا بها واشتغلوا عن سواها, فهو قول يغبط السيرة حقها , ويدل على عدم الادراك لأهمية السيرة وعدم تقدير رواة السيرة الذين أثبتوا انهم كانوا ابناء تلك المرحلة التاريخية القاتمة الخلاقين والمبدعين . كما انه يتناقض مع بنية السيرة وتفاصيلها , اذ انها تدعوا الى الاسلام والدفاع عنه في حين ان الفاطميين والعباسيين على السواء , لم يكونوا يصرفون اهتماماً يذكر للاخطار املحدقة ببلادهم ودينهم . د - تمجيد العرب والايمان سيرة الامير حمزة البهلوان من بدايتها الى نهايتها أنشودة حارة في ادلفاع نع العرب والتغني بفضائلهم وشجاعتهم ونبلهم .فمنذ الصفحات الاولى للسيرة , يرى كسرى حلماً ائلا يقض مضاجعه , ويتضمن هذا الحلم مدحاًللعرب واعلاء لشأنهم وارهاصاً بأنتصارهم القادم , فقد رمز الى الفارس العربي البطل بالأسد , فيما رمز الى خارتين اليهودي بالكلب.وظهر الخضر (ع) لحمزة وقال له : أتيت الان لأخبرك أنك انت الذي هو الرجل الذي يرتفع به شأن العرب في هذه الايام لأن الله لا يحب ان يذل هذه الامة لمقاصد له فيها , وسوف يعززها ويكرمها ويرفع مقامها فيما يأتي بعدي من الأيام " . فعز العرب مشيئة الهية وانتصارهم أرادة ربانية , وغدهم مشرق لا محالة . وقد دأب الامير حمزة على اعلاء شأن العرب وشأن الايمان بالله الواحد الأحد , فمل يمنعه من الفتك بالنعمان الذي جاء مكة المصونة لأخذ الضريبة لكسرى الا الاعلان عن استعداده ترك عبادة النيران والعودة الى عبادة الواحد الديان اذ قال لحمزة : اني اعدك يا حمزة من هذه الساعة أنني أعود الى عبداته تعالى , ومهما جرى يجري | |
| | | حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: رد: ملاحظات في السيرة الشعبية في العصر المملوكي 28/6/2007, 16:53 | |
| وفيما بعد نرى الامير حمزة يعفو , رغم اعتراض جميع رجاله , عن عدو شرس ولئيم هو زوبين الغدار , عندما اعلن عزمه على ترك عبادة النيران والايمان بالواحد اقهار , واجاب الامير حمزة رجاله بالقول : الا تعلمون أن قتل الاسير حرام , ولاسيما انه يقول ويؤكد بانه قبل الايمان وصار من عباد الله , فكيف كان الحال فقتله يحسب اثما وخطيئة , فاذا كان يخفي خلاف ما اظهر فلا اعلم ويعلمه الله , ان الامير حمزة يتحرج من قتل انسان وان كان مجرما , اعلن التوبة والايمان بالله , اما الحقيقة فان كانت تخفى على البشر فانها لا تخفى على الله العزيز العليم . وقد أظهرت السيرة صدق الامير حمزة , اذ ساعده الله على كشف امر زوبين ورد كيده الى نحره . وعلى أمتداد السيرة نجد هذا التوحيد بين العرب والايمان , في حين نجد توحيداً اخر بين العجم والكفر, ويلتهب الصراع بين العرب والعجم , فصراع السيرة ليس صراعاً بين الامير حمزة وكسرى , بل بين العرب والعجم , وحيثما نظرنا طالعنا هذا الاسمان : العرب والعجم . وتبرز مكة عاصمة للعرب والمدائن عاصمة للعجم , وقد حاول بختك وزير كسرى الشرير المشهور بكرهه للعرب الايقاع بالامير حمزة وبهم , فأرسل الامير حمزة في مهمات مهلكة , لكنه عاد دائما اقوى مما كان , وظل بختك في غيه يرفض زواج حمزة ومهردكار ابنة كسرى قائلا لهذا الاخير : كيف أخون سيدي الملك والقي ببنته شمس الدنيا وزينة البلاد (في أيدي ) هذا البدوي الكافر بدين النار المتعود على الهمجية , ومن الغريب ان تعيش الحضرية مع البدوي لاختلاف المشرب وفرق الطباع والعادة والاختلاف بين المدينة والجاهلية . ثم عمل على أرسال حمزة في مهمة طويلة لجمع الخراج من البلاد , وأرسل الرسائل الى ملوك تلك البلاد طالباً أهلاك حمزة والعرب . وعرف حمزة الحقيقة وبات يجمع الخراج , طالباً من المولك ارسال الجزية أرسال الجزية فيما بعد الى مكة وليس الى المدائن , قالباً ديانة تلك البلاد " من عبادة النار الى عبادة العزيز الجبار " لقد فاز الامير حمزة والعرب في حروبهم كلها , حتى كاد كسرى يموت غيضاً من وزيره بختك , علة هذا الصراع , فنظر اليه وقال له : انت أصل كل هذه البلايا وا المصائب , فما كنت أفكر في اني أعادي العرب قط , حتى حملتني على عداوتهم , وأوصلت ألي أذيتهم , فتجاسروا على خرق حرمتي , وأخذوا بنتي جبراً , وأرغموني على ان أسكت عنهم , وقد جمعوا اموال بلادي وغنائمها ونزعوا مني علم بيكار الاشتهار الذي افضله على كل المدائن وخراسان , وكل بلد عظيم في طاعتي , فهم يجتمعون تحته كأكابر ملوك الاكاسرة " . فلم تغن مكائد بختك شيئا مع العرب , اذ شملهم الله بعنايته ووفقهم حتى انتصروا اعظم انتصار , وصار اولاد كسرى بعد موته , يهرع كل واحد منهم الى ابن من ابناءالامير عله يساعده ليكون كسرى الجديد على عرش الفرس . محور السيرة أذن اعلاء شأن العرب , واظهار نا أنتصارهم مشيئة من الله , لكن السيرة تبرز ان هذا الانتصار انتصار للدين والوتحيد والايمان بالله في السيرة شئ واحد , وانتصارهم انتصاره , واعلاء شأنهم اعلاء لشأنه, وهزيمتهم هزيمة للايمان والمؤمنين , فعندما غدر زوبين بالعرب اثناء غياب الامير حمزة وعمر العيار قبق على مهردكار وطوربان وولديها , وقادهما الى كسرى الذي أراد احراقهما بالنار تضحية كي " ترضى عنا فيما بعد , بحيث تعرف اننا ما بخلنا عليها بأولادنا اذ خرجوا عن عبادتها " , لكن مهردكار وطوربان لم تتراجعا عن ايمانهما بالله , واصرا على عدم الرجوع عن عبادة الله وان كلفهما ذلك حياتهماو ولم يفقدا الامل بالنجاة على يد انصار الله وهم العرب , وبالفعل تم انقاذهما على يد عمر العيار . وعندما عاد العرب الى الانتصار , فتكوا بزوبين الكافر ,وأعلوا شأن أهل الايمان , ولم تنته السيرة الاوقد تألق مجد العرب وارتفعت راية الايمان واندحر الاشرار عبدا النار ونالوا عقابهم الصارم , وصار بأمكان الامير حمزة وقد أنجز المهمة الموكلة اليه ان يعود الى مكة ليمضي ما تبقى له من الايام هانئاً مطمئناً . ه- الجهاد في سبيل الله ان سيرة الاميرة ذات الهمة سيرة ضخمة تمتد احداثها طوال فترة كبيرة من الزمن من عصر عبد الملك بن مروان ( 86 ه \ 705م ) الى عصر الخليفة العباسي الواثق بالله ( 232 ه \ 847 م ) وتصور أهم الاحداث التي شهدتها هذه المرحلة . كانهيار الدولة الاموية وقتل مروان بن محمد واحتدام الصراع على السلطة في مطلع العصر العباسي , ونكبة البرامكة " وتؤرخ بدقة ما بعدها دقة لتفاصيل ودقائق الحروب البيزنطية ضد الدولة الاسلامية اولليدة ,وهي الحروب التي تسميها السيرة بالحروب الرومية " . ولا شك في ان سيرة ضخمة مثل هذه , غنية بالمواضيع , شأنها شأن العديد من الكتابات العربية التي لم تنحصر في موضوع واحد , بل اشتملت على مواضيع كثيرة سياسية واجتماعية ودينية وعسكرية , الا أننا نستطيع القول ان المحور الرئيس في هذه السيرة هو الجهاد في سبيل الله ضد الروم واعداء الاسلام . وقد أكدت الاميرة ذات الهمة بنفسها دورها الجهادي اذ صاحت بفارس من فرسان الروم شديد يدعى الهجام " يا ابن اللئام الكلاب , حل بك العذاب ممن لا تفزع من شرك ولا تهمل امرك , وسوف اخذ منك بثار من اغتلته , واقتلك كما قتلته ومات شهيدا , ثم انها هاجمته مهاجمة الليث العرين ونادت انا والله أم المجاهدين , وناصرة ديم محمد خاتم النبيين وعلى أله واصحابه الطاهرين , ثم ضربت بيدها الى مراق بطنه , اقتلعت الهجام من سرجه " . وليست الاميرة ذات الهمة وحدها التي تطلق على نفسها هذا اللقب , بل يطلقه عليها قومها , ويكنونها به عند الخليفة نفسه . ولا يقتصر هذا الجهاد او القول به على الاميرة ذات الهمة , بل ان الخليفة هارون الرشيد (193ه \ 809م ) نفسه , يوجهكتابا الى المسلمين يدعوهم فيه الى الجهاد صراحة , فقد قال : " بسم الله الرحمن الرحيم , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم , اما بعد فكل من وقف على هذه المكاتبة من المسلمين ممن يرى نصرة الدين , ويعلم انه كتب عليه الجهاد في طاعة رب العالمين مع الطغاة والخوارج والمارقين , وقد أمر الله تعالى بأعزاز الدين فلا يقعد احد عن نصرة الامام , وسيما وقد التجأ الى البيت الحرام والركن المبتهج والصفا والمروة وستور الكعبة , وقد امر الله عز وجل بطاعة ولي امركم فاتقوا الله با معشر اهل الايمان , وانفروا الى اهل البغي والعدوان , وأذ نافقوا على الامام واستحلوا دماء المسلمين وأقوال الموحدين وهتك حرم بيت رسول الله (ص) ولا تكونوا ممنقال الله تعالى في حقهم ( يا ايها الذين امنوا مالكم اذا قيل لكم انفروا ) الاية , فالعجل العجل , فالامر عظيم والخطب جسيم , فالخليفة يدعو الى الذب عن الاسلام والمسلمين , مستشهدا بالقرأن الذي يحض على ذلك . ولا يتخلى الله تعالى عن المسلمين بل يساعدهم في معاركهم , ويمدهم بنصره , فقد هاجم الروم المسلمين , وانطلقوا يدافعون ويقاتلون " ول يزل السيف يعمل والدم يبذل الى وقت صلاة العصر , هنالك حملت السودان وابناء الحبشان حملة صادقة , وأجابتها بنو كلاب بعزمات موافقة وقلوب صادقة . وأطلع الملك الجبار على صفا الاسرار فأوقع الخذلة على الكبار وحكم فيها الصارم البتار فولوا الادبار وركنوا الى الفرار , وعمل فيهم السيف تلك الليلة مع ثاني نهار الى ان أبعدوهم عن الديار . وليست ذات الهمة بطلة الجهاد الوحيدة , بل نرى ابطال المسلمين كثيرين , وكلهم يقاومون ويجاهدون في سبيل الله , ولذلك تشملهم العناية الالهية بعطفها , وتخصهم بالمعجزات الخارقة احيانا , فالامير جحاف مقطوع القدمين رأى النبي (ص) في المنام فقال : يا رسول الله مسني الضر . فقال : وبشر الصابرين . فقلت له وقع الأياس بي من لقاء ابنتي . فقال : لا تيأس من رحمة الله . فقلت له يا رسول الله : غدا تتحكم في العدا . فقال : فرض عليك الجهاد في الكفار . فقلت له : يا رسول الله انا عاجز عن القيام ,عادم الاقدام , فقال : انك الليلة خرق دعائك الحجب وضجت الملائكة الى الله تعالى في كشف بلاك ,فسبحان من خلقك وسواك ,وهو متحكم في أعداك , فهاك يدك وقم بقدرة الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ,وصاح في فتنبهت واقفاً على قدمي . فكانت تلك املعجزة سبباً في قتل الملك الكافر وأنقلاب البلد بأهله وأسلامهم . وقد واصل المسلمون جهادهم ونضالهم حتى أستطاعوا " أسر الامبراطور الروماني " ميخائيل" ودخولها ( ذات الهمة ) على رأس الجيوش العربية الاسلامية - المتحالفة - الى القسطنطينية لتصبح وتتوج أمبراطورة لفترة ليست طويلة على اي حال على القسطنطينية والامبراطورية الرومانية بعامة . لا شك ان فكرة الجهاد ذات علاقة وثيقة بالعصر المملوكي الذي شهد غزوات مغولية واحتلالات صليبية كانت لا تزال قائمة في أمارات متفرقة في بدايات هذا العصر , واذا كانت هذه السيرة معروفة في عصور سابقة على العصر المملوكي , فأن محورها الرئيس شكل بلا شك دافعا لأزدهارها وانتشارها في هذا العصر . و- التعاضد والتنازع العربيان وأثرهما في الجماعة من يقرأ سيرة بني هلال ويطالع اخبار هذه القبيلة الجبارة , ثم تفاصيل رحلتها الى المغرب العربي , يلاحظ فوراً بروز هذا المحور الخطير : التعاضد والتنازع . اذ تنفتح السيرة منذ صفحاتها الاولى على نزاع خطير بين الامير هلال وابنه المنذر , أسفر عن خروج المنذر على طاعة والده وقطعه الطريق والحاق الأذى بالناس حتى أباح والده دمه , فهام على وجهه في البلاد . وبرز النتازع مرة اخرى بين ولدي المنذر جابر وجبير , وكان المنذر يميل الى ولده جابر ويقدمه , فاساء معاملة جبير ووالدته , وعندما اشتكت هذه الاخيرة وطالبته بالانصاف قال لها : القصر قصرك , فان شئت البقاء فيه فما احد يهينك , وان شئت ان تذهبي الى اهلك فمع السلامة , فتأثرت منه وشدت الاحمال على ظهور الجمال , عند ذلك امر المنذر وزيره أن يركب بعشرة أبطال ويوصلها الى اهلها . فانفرط عقد الجماعة مجدداً , وانصرف الابن عن ابيه ليجاهد في الحياة وحيداً , لكن جبيراً نج كما نجح والده المنذر سابقاً وأصاب ملكاً وسؤدداً , ولعل سبب ذلك ان هذا التنازع انحصر في الخلاف , ولم ينقلب الى نزاع دموي كما حدث فيما بعد . وعرفت القبيلة بفروعها المختلفة فترة من التعاضد لا مثيل له , فنراها تهب هبة رجل واحد كلما تعرض احد شبابها للخطر , , فقد رحل الامير حسن بن سرحان الى اليمين وتورط في حروب كثيرة حتى " لم يبق من قوم حسن سوى ثلاث رجال وهما الرياشي وحمادة وعوف والباقون استشهدوا الى رحمة الله , وهجم عليهم الاعداء وقتل جواد حسن وكلت سواعدهم من القتال وأرادوا ان يستسلموا للاعداء , واذا بغبار عكر الجو وظهرت رايات حمر تخفق وتحت الرايات أبطال ساحبين السيوف والرماح , , وأمامهم الفارس المشهور ابو زيد الهلالي , وصاح مع عساكره : الله أكبر على من طغى وتجبر , وهجموا على الاعداءبضرب يفلق الصخر , وقام الحرب على قدم وساق وأبلاهم ابو زيد بالذل والوبال . وانتصر بنو هلال وانقذوا الامير حسناً وقلبوا هزيمته الى نصر عظيم . | |
| | | حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
| موضوع: رد: ملاحظات في السيرة الشعبية في العصر المملوكي 28/6/2007, 16:54 | |
| ورحل شبان بنو هلال الواحد تلو الاخر بحثاً عن فتيات جميلات يتزوجون بهن , ووقعوا في مأزق شديدة كان ينقذهم منها دائماً أبطال قبيلتهم , وبوجه خاص ابو زيد الهلالي ودياب بن غانم . وقد وصل هذا التعاضد الى ذروته خلال الرحلة الطويلة والمحفوفة بالمخاطر التي قامت بها قبيلة بني هلال الى المغرب , والتي عرفت باسم التغريبة , فقد تفانى الجميع في خدمة الجماعة , وهرعوا الى نجدة من يجابه الخطر , بل نراهم يتكتلون يداً واحدة حين يواجهون عدواً لا يملك اي واحد منهم القدرة على قهره , كما حدث حينما قاتلوا الغضبان " أذ هجموا هجمة رجل واحد على الغضبان , واحاطوا به من جميع الجهات , ونزلوا عليه بضربات قاطعات تهد الجبال الراسيات , وبهذه الفعال هان على دياب القتال , فقدم السنان , وهجم على الملك الغضبان كأنه قضاءالرحمن , وقال له : خذ هذه الطعنه من يد الامير دياب ... وطعنه بالرمح في صدره فخرج يلمع من ظهره " . وتجاوز بنو هلال تلك المشكلة , وتابعوا مسيرتهم الظافرة حتى تونس التي ما لبثوا ان احتلوها وسيطروا على بلاد المغرب وتقاسموها . لقد أوصلهم التعاضد الى ذروة المجد , وتفوقوا على كل اعدئهم , وارتفع اسم الجماعة عالياً , وصلحت شؤونها بعد القحط والجوع الهائلين الذين أصاباها في بلادها الاصلية : نجد . وما ان اختفى الخطر الخارجي الذي كان يدفع الجماعة الى الاتحاد والتعاضد وبرزت قضية تقاسم الاراضي والغنائم , حتى دب النزاع مجدداً بين دياب من جهة والامير حسن وابي زيد من جهة ثانية , وكان محور الخلاف والنزاع بستاناً رائعاً امتلكه دياب .ثم تفاقم هذا النزاع الى اعتداء على الملكيات , ثم على دياب نفسه , فأحتال عليه الامير حسن وسجنه , فاحتال دياب حتى تمكن الخروج من السجن , ثم قتل الامير حسناً وفر , فدبت الفرقة بين أقوام هذه القبيلة , واجتمع قوم الامير حسن الى ابي زيد قائلين : " يا امير بني هلال ماذا تأمر أن يصير بأخذ الامير حسن فاننا والله لا نرتاح , ولا نكف عن البكاء والنواح , ولا تبرد قلوبنا الجراح , ولا يجتمع نساؤنا بنا في الاطناب .. الا أن نأخذ لهم بالثأر , ونرفع عنهم المذلة والعار , ونقتل دياب بن غانم ومن معه , ونجعل أل غانم مشتتين في كل الاقطار , لا يقر لهم قرار, ونذبح فيهم الكبار والصغار , حتى لا يبقى مهم أحد , ونجعلهم عبرة لمن اعتبر ...". وهكذا تأسست الحروب بينهم وشتتهم بعد تلك الوحدة , وذهبت الحرب بأبي زيد ثم بدياب نفسه , ولم تتوقف هذه الحروب مع موت القادة الاوائل بل انتقلت الى الابناء , وظلم بريقع ابن الامير حسن قوم دياب رغم أخذه بثأر ابيه , فهربت نسرين زوجة دياب بابنها نصر الدين , واستقبلا احد الامراء الغرباء واكرم وفادتها في حين رفضها بنو هلال ولم يسألواعنها ولم يراعوا فيها قرابة ولا نسب , فشب ابنها غريباً وعاد شاباً قوياً لأخذ الثأر يساعده قوم الامير صالح الذي اواه وأمه فقتل بريقع بن الامير حسن وشيبان بن أبي زيد , وهجم جيشه على قومهما " فما كنت ترى الا رؤوسا طائرة ودماء ثائرة , وفرساناً غائرة , والغبار غطى الميدان بحيث لم يسلم من تلك الموقعة غير أربعين من أل زحلان , وبعد انتهاء المعركة دخل نصر الدين الى تونس وجلس على كرسي ابيه . لقد انتصر نصر الدين وثأر لابيه ولكن بعد ان فتك فتكاً ذريعاً بابناءبني هلال , فهل كان منتصراً حقاً ؟ هل كانت قوته تعادل قوة بني هلال , فهل كان منتصرا حقا ؟ وهل سيصفو له الحال ؟ اسئلة كثيرة يثيرها ذلك النزاع الدامي , الصفحات الحافلة بالقتل والاقتتال والثأر الذي يستدعي ثأرا اخر , لكن السيرة تنتهي تاركة لروادها العظة والعبرة . قهر العدوين الداخلي والخارجي : تمتاز سيرة الملك الظاهر بيبرس في أن احداثها تجري في العصر المملوكي نفسه , وبطلها بطل من أبطال المماليك , برز منذ قبل ما قيام الدولة المملوكية , عند الدفاع عن المنصورة لدفع خطر الافرنج الذين هددوا مصر أبان مرض السلطان الايوبي الصالح ايوب ( 647ه\ 1249م ) . وهي تتطرق الى تفاصيا هذا العصر مباشرة , وتتركز على محور واضح وبشدة هو قهر العدوين الداخلي والخارجي . فمنذ الفترة التي سبقت اعتلاء الظاهر بيبرس عرش السلطنة , تصدى للعدو الداخلي المتمثل في فساد الحكام وبعض القضاة واولي الامر واضطهادهم الرعية , وتعديهم على أعراض البنات الأبكار , ومحاربة اللصوص الذين يعيثون فساداً في المجتمع . ويبدو تصدي بيبرس للفساد واضحاً في كلامه لعياره عثمان عندما بنى حارته اذ قال له : " يا عثمان أحضر لي بقالين وجزارين وعطارين وزياتين وقهوجي وغيرهم , فأتى عثمان بما طلب الامير وقدمهم اليه . قال لهم الامير بيبرس كل واحد منكم له دكان وبيت يسكنه مع عياله ومعاف من الأجرة ثلاث سنوات , وكل واحد يأخذ مني خمسين ديناراً على شرط ان لا يكون في بيعكم او شرائكم غدر وا أذى لأحد , وتكون بضائعكم نظيفة ومعتدلة الاسعار , واذا سمعت انكم غشيتم وا غدرتم أحداً , فأن الفاعل منكم مطرود من البيت والدكان وتصادر امواله . فامتثل الشعب ولكن الذي اغتاظ من هذه الحارة المثالية اذا جاز التعبير , وللعجب هو القاضي الذي دخل الحارة وشاهد " كل شئ حسناً من بيع وشراء ونظافة واتقان فحسده , ولكن كتم ما به من الحقد والحسد حتى انتهى الى اخر الحارة , ثم قال لغلامه : والله ضاقت بي الامور يا منصور , أريد منك أن تحضر لي الوالي حسن أقا , وكان له صداقة متينة معه , فسار منصور وأحضره , فلما حضر أجلسه وأكرمه وقال له انا اعتمد على صداقتك , ولي عندك حاجة أرريد قضائها ولك مني ما تريد . قال : وما هي يا سيدنا . فقال له : اما تنظر ما فعل بيبرس وكيف انه بنى حارة فأريد منك يا ولدي ان تجتهد في حرقها وتصبح خراباً حتى يطمئن خاطري , فقال له الوالي : اطمئن انا أحرقها لك . ثم تتابع السيرة فضح عناصر الفساد , فاذا هم بالاضافة الى القاضي والوالي , مقدم الدري مقلد " حارس أبواب مصر " وشيخ العرب حرحش , ثم رجال ونساء واولاد الحرام والاشقياء من تحت يده . وتفيض السيرة في تعداد عصابة مقلد وتوضح طرق احتيالهم الكثيرة والمتعددة على الناس , ومن بين هذه العصابة ستة فقهاء " يتحدثون بالعزومة والذكر لرفع الشبهة عنهم . فاذا بهم ينخرون جسد المجتمع نخراً , ويعيثون فساداً ما بعده فساد , فأنذره بيبرس بالتوبة , ثم فتك بمن خان تعهده فتكاً شديداً . فأستتب الامن في القاهرة وانقطع دابر الشر . ومنثم انطلق بيبرس الى ضواحي القاهرة , وكرر عمله في الجيزة حيث تبين ايصا ان اصل الفساد القائمون على أمر العباد ,فقتل رؤسائهم , ولبس مملوكاً من مماليكه وجعله قائم مقام وأوصاه بالعدل والانصاف ,وتوجه قاصداً مصر . وقد دأب بيبرس على أحقاق الحق , وقطع دابر الفساد حتى بعد ان صار سلطاناً , فكان يسير بنفسه لتحري سبب الفوضى والشر , فعندما علم بسرقة الاولاد في الاسكندرية " تنكر في صفة تاجر بعدما اوصى ولده السعيد على الملك وركب وسار الى الاسكندرية , ولك يعلم بحاله احد . ومضى يبحث عن اللصوص وكاد يهلك لو لم يسارع الى نجدته المقدمان أبراهيم وسعد . ولك تكن تلك المرة الوحيدة التي تنكر فيها السلطان وسعى لانتزاع العدو الداخلي من جسم ألامة . اذ عندما دب الخلاف على امارة القلاع والحصون , ورفض بعض المقدمين امارة جمال الدين شيحة , خاف السلطان بيبرس " من وقوع الفتن بينهم وتزيا بزي تاجر كردي وركب جواده الأدهم وسار طالب القلاع عن طريق الساحل , ومرة اخرى تعرض السلطان للخطر والسرقة , ولكن جمال الدين شيحة انقذه وعاد الامر الى مستتبه . اما نهود الظاهر بيبرس الى محاربة العدو الخارجي , فأمر مشهور , وتكاد السيرة او القسم الثاني منها , تقصتصر على حروب بيبرس ضد ملوك الافرنج , فما ان يسمع باعتداء على مدينة او قلعة او مسلم حتى يهب للدفاع والقتال , فعندما هاجمت الجيوش الافرنجية مدينة حلب , وسمع السلطان بيبرس بذلك " أمر بالنفير العام وخبر جميع العربان واهل الحصون والقلاع , وجمع الجيوش من جميع البلدان في مصر والشام , ثم انه ضرب مدافع الرحيل فركبت العساكر والجنود المتطوعون للجهاد في سبيل الله , وسار الملك الظاهر بجيوشه بعدما اجلس ولده السعيد على كرسي المملكة , وأوصاه بالعدل والانصاف , وسار يقطع البراري والفلوات متوكلاً على الله ان ينصره على الاعداء " . ولم يبخل الله تعالى عليه بالنصر فقد وفقه ومنحه الظفر باعدائه , فبددهم وأسر الالاف منهم وطردهم من الديار الاسلامية . ولم يقتصر جهاد الظاهر بيبرس على الدفاع نع البلاد الاسلامية , بل اشتمل على الهجوم ايضاً , اذ حاصر جيشه العريش ودخلها , وصالح الجند " الله أكبر , فتح ونصر وخذل من كفر , ولم يزل السيف يعمل والدم يبذل ونار الحرب تشعل حتى صاحت اللئام : الأمان الأمان , وأيد الله الاسلام الابرار الباقين وأخذوهم اسارى وامر الملك بجمع ما في البلد من مال وأرزاق وأمر بهدم القلعة " . ثم هاجم عسقلان وفتحها وهدم قلعتها , ثم فتح يافا وتوجه الى انطاكيا وحاصرها , وقاتل الافرنج قتال الابطال , وما مالت الشمس الى الزوال الا والبلد ملكت , وصاحت اللئام الامان الامان فمن قتل قتل , ومن أسر أسر , وقد فرغوا البلد من الاهالي , وامر الملك بلم الاسلاب فلموها والى بين اياديه قدموها , لإاخذ منها الخمس لبيت المال , والباقي قسمها بين الرجال بالسوية , وجلس الملك على كرسي أنطاكية , وخلص المأسورين الذين في السجون , وهم يقدرون بألفي أسير , منهم نساء وأطفال وقد أنعم عليهم وأركبهم وأمرهم بالمسير الى بلادهم , فمهنم من سار طالب الديار , ومنهم من خدم عند السلطان , ثم ان الملك الظاهر أمر بهدم الاسوار و وقبل ان يعود الى مصر أفتتح سيس , ثم كر راجعاً الى مصر , فاستقبل استقبال الابطال ونال الثناء وحسن الدعاء . وظل الظاهر بيبرس في جهاد وقتال ودفاع عن بلاد الاسلام والمسلمين , الى ان كبر وضعف وشاخ , فدعا أبنه محمداً السعيد وقال له : انا دخلت في سن الشيخوخة , وما بقي عندي جلد لاقوم بهذه الاعباء , وادافع نع بلاد المسلمين دفاع المجاهدين الابرار , فأجلس مكاني على عرش مصر , فانت خليفتي من بعدي , ولا تتأخر لحظة واحدة في الدفاع عن المسلمين وعن بلادهم , وجاهد في سبيل الله حق الجهاد . فأثبت الملك الظاهر بيبرس في السيرة انه البطل المقاوم الذي لا تفتر مقاومته , ولا يتقاعد لحظة عن السعي في الجهاد , وهو يحرص عليه الى درجة انه تنازل عن عرشه لابنه الشاب كي يتابع المسيرة , فواجب السلطان في نظر الطبقات الشعبية الجهاد , ومتى ضعف عن ذلك فعليه تسليم السلطة لمن يملك القدرة على المتابعة . لقد رأت السير الشعبية ان مشاكل العصر المملوكي ما كانت لتكون ذات بال لو كان الاسلام مرتفع الراية , وكان المسلمون مسلمين حقيقيين , كا أكدت هذه السير على وحدة العرب والاسلام , فالعرب هم الموكلون بالاسلام , والاسلام جامع كلمة العرب ورافع شأنهم , واكدت هذه السير على الاصرار على مبادئ العدل السياسي والاجتماعي ورفع الظلم معاقبة الاشرار , وألحت على فائدة الاتحاد , وان تراجع سلطة العرب واندحارهم راجع الى تنازعهم وتفرقهم , وفساد ايمان العديد منهم , ولاسيما أولي الأمور من حكام وولاة وامراء وقضاة . بنية السيرة الشعبية وخطابها الملحمي في عصر المماليك. المصدر:الموسوعة الإسلامية | |
| | | | ملاحظات في السيرة الشعبية في العصر المملوكي | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
مواضيع مماثلة | |
| |
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|