الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إيحاءات قوية تفترض تعريباً مستجدّاً لقصيدة "الأرض الخرا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

إيحاءات قوية تفترض تعريباً مستجدّاً لقصيدة "الأرض الخرا Empty
مُساهمةموضوع: إيحاءات قوية تفترض تعريباً مستجدّاً لقصيدة "الأرض الخرا   إيحاءات قوية تفترض تعريباً مستجدّاً لقصيدة "الأرض الخرا Icon_minitime29/6/2007, 23:59

أحدث كتاب عن تي. اس. إليوت يعيد اكتشاف البعد اللغوي لإرثه الشعري

جهاد الترك

يُقال إن معلّم الفلاسفة، أرسطو، أراد، في مقولته الشهيرة: "الشعر أكثر فلسفة من التاريخ"، أن يفلسف الشعر، وأن يجرّد التاريخ من حقائقه الكونية ليحلّ مكانها منظومة من الحقائق النابعة من العقل الفلسفي. ويقال، كذلك، إن هذا المعلّم أبت عليه كرامته الفلسفية أن يظلّ الشعر يرقص وحيداً رقصته الأبدية خارج حلبة الحقائق الفلسفية الخالصة. ولأن الأمر كذلك، وفقاً لهؤلاء وأولئك، انقض أرسطو على الشعر واقتاده إلى زنزانة الفلسفة، أو جعله من مقتنياتها، في أسوأ الأحوال. والأرجح أنه لم يستهدف هذا التأويل أو ذاك لمقولته. أراد، ببساطة، أن يعلن أن بمقدور الشعر أن يسمو فوق الحقائق الثابتة أو الرتيبة للتاريخ لأنه من طينة غامضة لا تدركها الفلسفة ولا ينافسها التاريخ. قد يبدو أن ملعب الشعر يبدأ من حيث ينتهي التاريخ. من حيث يُصاب بالترهّل ليقول كلمته الأخيرة في موت الحضارة. والأغلب أن الشعر يتقدم الى موقع الصدارة بعدما تشيخ الفلسفة وتصبح عاجزة عن إعادة تشكيل الحقائق المتعبة والمستنزفة. الشعر شباب الفلسفة في كل مرة يداهمها الخرف المبكر. والعكس ليس صحيحاً على الإطلاق. يبدو أرسطو، بهذه المقولة الفذة، شاعراً أكثر منه فيلسوفاً، إذ أنه يفك حالة الاشتباك بين الطرفين لمصلحة الشعر أولاً. ليبقى محتفظاً بفضاءاته الكونية الشاسعة بعيداً عن وظيفة التقنين التي تؤديها الفلسفة بكثير من الضجر والتثاؤب.
استلهام متجدّد
تذكرنا هذه المقولة بالشاعر البريطاني الأشهر في القرن العشرين، تي.اس.إليوت، الذي يُستدرج اليوم، من جديد، الى حلبة الشعر والفلسفة معاً. ليس لولعه في تصنيف الحقائق واستخدامها وسيلة في قراءة ما يعتبره حضارة إنسانية مضلّلة. بل لأسباب أخرى أكثر أهمية وشفافية. من بينها، الجاذبية الكبيرة التي ينطوي عليها شعره في ما آلت إليه أحوال الحضارة في مطلع الألفية الثالثة. الفلاسفة المحترفون يستلهمون شعره، اليوم، أكثر من أي وقت مضى ليعثروا فيه على ما يستفز قريحتهم الفلسفية بعدما طرأ عليها الجفاف. مناسبة هذه التصورات القديمة الجديدة، هي الكتاب الذي صدر، أخيراً، للشاعر والناقد البريطاني، كرايغ راين، وهو أحد كبار المعنيين في العالم بالإرث الشعري الذي خلفه تي.اس.إليوت. والملفت أن هذا العمل الضخم يحمل عنواناً مختصراً، هو: "تي.اس.اليوت"، من دون أي اضافة فرعية أخرى باستثناء "حياته وأرثه" وكأنه اراد بذلك أن يجعل من هذا الشاعر الكبير عنواناً قائماً بذاته لتلك الحضارة المرتبكة التي عبر عنها تي.اس.اليوت في شعره،وتحديداً في قصيدته المدهشة "الأرض الخراب". وقد هيمنت هذه الأخيرة، ولا تزال، على سائر الاوساط الشعرية والنقدية في العالم قاطبة. وثمة اليوم، ما يحيلنا على هذه القصيدة في أعقاب استيقاظ شعري جماعي غفير على إيقاع مضامينها الفلسفية العميقة التي أعاد تشكيلها، اليوت، على نحو من تعبير شعري يبلغ، في بعض اجوائه حد الاعجاز. ويعزى السبب، في ذلك، على الأرجح، الى أن الرؤيا الاستباقية، إذا جاز التعبير، التي يبثها اليوت في مسام قصيدته "الأرض الخراب"، تكاد تختصر، على نحو مذهل، مدارس فلسفية عدة ولدت من رحم الحداثة، ثم ماتت وولدت، من جديد، في رحم آخر أكثر خطورة وقلقاً وغموضاً مشروعاً، هو ذلك الذي بات يسمى "ما بعد الحداثة". لم يعد خفياً، ان هذه الأخيرة تطرح تصوراً للعالم من ذلك النوع الراديكالي المخيف الذي يزعم ان لا خلاص للحضارة الانسانية من الموت التدريجي الا بتفكيك الارث الفلسفي والفكري والشعري الذي أسفرت عنه مرحلة الحداثة، ليعاد بناؤه من جدييد على نحو أكثر وعياً بمكوناته الثقافية. ليصار، من جديد، الى فكفكة ماجرى تفكيكة، في الأساس، في عملية مرهقة جداً لا نهاية لها. والأرجح أن في شعر اليوت ما يصنفه أيضاً ابناً باراً للحداثة بامتياز، وابناً آخر محتملاً لمدارس فكرية وشعرية أخرى تسعى الى ضمه اليها، ولو بالتبني.
حارس الهيكل
الكتاب الصادر عن الدار البريطانية "اوكسفورد يونيفيرسيتي برس"، كانون الأول ـ ديسمبر 2006، يشتمل على هذه الايحاءات المتنوعة التي تنبثق من شعر اليوت وتتناثر في كل الاتجاهات. وهو يندرج في فئة الاصدارات النقدية المتخصصة الأكثر مبيعاً. فالمؤلف، كرايغ راين، أحد رموز الشعر البريطاني الحديث، وقد رشح مراراً لجائزة نوبل للآداب. وهو يحظى باحترام كبير لدى الأوساط الأدبية والفكرية في العالم الانغلوساكسوني. كما يعتبر أحد حراس الهيكل الشعري الذي خلفه اليوت من دون تحيز يدعو الى الريب. وقد اجتهد في كتابه المذكور في ان يستجيب للضرورات الفكرية والثقافية، وهي قديمة في اي حال، التي حملت جمهرة من الفلاسفة والشعراء والكتاب المعاصرين على اعادة فتح المخزون الحضاري الذي ينطوي عليه شعر اليوت. ومع ذلك. فقد فاجأ المؤلف الوسط الأدبي لانصرافه غير المتوقع الى إعادة قراءة الارث الشعري لإليوت في ضوء الشرارة اللغوية التي أشعلها هذا الأخير في نصوصه المتأخرة وتحديداً في قصيدته المطولة "الأرض الخراب". غير أنه أقدم على هذه المغامرة الصعبة، والأرجح الأولى من نوعها، على صعيد اليوت، مسترشداً بتلك الشبكة الواسعة من المفاهيم الغامضة والمعاني البعيدة والصور المكثفة التي شحن بها إليوت شياطينه الشعرية.
ليس في هذه المغامرة، وهي فعلاً كذلك، ما يشير الى أن المؤلف الناقد يضع حدوداً فاصلة بين اللغة والرؤيا الشعرية. فهذا أمر مستهجن في سياق المعايير النقدية. فاللغة لا ترتدي الرؤيا لباساً يمكن أن تنزعه ساعة تشاء والرؤيا لا تستخدم اللغة وسيلة مؤقتة للانتقال من الحالة الضبابية الى التجسّد الفاعل في المعنى. الاثنان وجهان لعملة واحدة هي الصورة الشعرية أثناء استكمال مكوناتها وهي تستجمع شتاتها من الفضاء الكوني الأوسع. هذه هي الميزة الأساس التي تجعل الكتاب يغرد خارج أسراب مثيلاته، وهي لا تحصى ولا تعد. وقد درجت العادة على أن ينبهر النقاد بالمرتكزات الفكرية المعقدة والشائكة التي استند إليها إليوت في كتاباته الشعرية، فهو تارة يلجأ الى الأسطورة الاغريقية، وتارة أخرى المنحى الشكسبيري ومفهومه للقضاء والقدر، وتارة ثالثة الكتاب المقدس، خصوصاً في ما يشيع من رموز دينية متشعبة هي أقرب الى حالة التجاذب العنيف بين الحياة والموت، الخير والشر، والتوق الأبدي الى المعرفة الكاملة في عالم تنخره أشباح الخوف والاحساس بالنقصان. انشغل النقاد بهذه المفاهيم منذ العقد الثالث من القرن العشرين عندما ألقى إليوت بقصيدته "الأرض الخراب" في سوق الشعر وأشعل حرائق لم يتجرأ أحد على إطفائها حتى اليوم. المؤلف كرايغ راين، يلتهم هذه التصورات النقدية الفكرية بأكملها، غير أنه يتجاوزها الى تجسيداتها اللغوية وإيقاعاتها الصوتية، والكيفية التي حملت إليوت على تحقيق نجاح ساحق وسريع في إيجاد المعادل الموضوعي، في الأسلوب والايقاع الداخلي المتحرك للفكرة في تدفقاتها العاطفية القوية. والنتيجة المتقدمة التي أحسن المؤلف التوصل إليها، تتمثل في تقريب المسافة بين إليوت والقراء، على نحو يمكن هؤلاء الأخيرين من الامساك بالمفاتيح الرئيسية التي ترافق عملية الخلق الشعري لدى إليوت.
التجربة الصعبة
المحاولة صعبة تنطوي على معوّقات حقيقية يقتضي تذليلها، على نحو كامل قبل الشروع في ترجمتها الى أشكالها اللغوية والأسلوبية المعقدة. ومع ذلك، يبحر المؤلف في خضم هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر واضعاً نصب عينيه أن يكشف لقارئ إليوت ما تعمد هذا الأخير أن يخفيه عنه تحت ستار كثيف من الغموض الشعري المروّع. والأغلب أنه ينجح في ما يسعى إليه بالقدر الذي يستجيب البناء الشعري الشاهق لإليوت لهذه المحاولة المضنية. قد تبدو هذه المقاربة المستجدة ضرورية فعلاً، وملحة بالتأكيد، لإعادة ترجمة "الأرض الخراب" الى العربية. والأرجح أنها ستثير شهية شعراء عرب كثيرين للادلاء بدلوهم في هذه البئر الوعرة. كما أنها قد تبعث على إعادة النظر بترجمات عربية كثيرة للشعر الانكليزي، نظراً الى ما تحتويه من تقنيات مبتكرة للبنية الشعرية وهي تتقمص أشكالها الصوتية وإيقاعاتها الموسيقية الداخلية وانسيابها من صورة تعبيرية الى أخرى.
الصحراء في داخلنا
يستكشف الكاتب البعد اللغوي الآخر لإليوت، من خلال الاقتراب، مباشرة، من المفاهيم الانسانية الصعبة في نتاجه الأدبي، وتحديداً في "الأرض الخراب". وهو يعمل، في ذلك، على أكثرها دلالة على فساد الحضارة وتحللها وتحول الانسان فيها كائناً يستضعف ذاته بذاته. يمارس انتحاراً ارادياً بالقاء نفسه في جحيمه الداخلي. من بين هذه المفاهيم: الفكرة الطاغية حول "الحياة المدفونة"، إذ يبدو فيها الكائن البشري ظلاً خافتاً لحقيقة ذهبت الى مثواها الأخير. يقرأ الكاتب الدلالات الايقاعية لموت الحضارة مقارنة مع المضمون الشعري الفلسفي للشاعر الأميركي الأكبر، ازرا باوند، الذي يقيم له اليوت مكانه خاصة في تحولاته الشعرية العميقة. اللافت، في هذه المسألة، مهارة نقدية فائقة يوظفها الكاتب على المستوى الشكلي لقصيدة "الأرض الخراب"، ليتوصل الى قناعة تفيد بأن المأزق الحقيقي للانسان المعاصر يكمن في أنه أصبح منبوذاً من قبل الجحيم والفردوس معاً. لا يستطيع بلوغ أي منهما ليس لضغوط خارجية تفرض عليه قسراً، بل نتيجة لرغبة ذاتية في الانحياز القطعي الى شفير الهاوية. كائن مهمش لم يعد ممكناً شفاؤه من التآكل المريع المتغلغل في مكوناته الأولى. يقتبس الكاتب، دلالة على انحسار الحس الخلاق لدى الانسان واستسلامه لقدر الموت التدريجي، بنص من مسرحية "الصخرة" كتبها إليوت في العام 1934:
الصحراء ليست بعيدة في مناطق الجنوب الاستوائية
الصحراء ليست على مقربة فقط من الزاوية
الصحراء محشورة في نفق القطار الى جانبك
الصحراء موجودة في قلب أخيك.
الصحراء بما ترمز إليه من جفاف قاتل في جسد الحضارة، لم تعد قدراً مفروضاً على الانسان المنهك. أصبحت خياراً يتخذه الانسان بملء إرادته. إنها حضارة الفناء الذاتي حيث لا يعود الانسان يخشى الموت أو يقبل على الحياة طالما ان الاثنين يقودان الى السقوط في الهاوية، المهم، في هذا السياق، الكيفية التي يتوخاها الكاتب ليعيد اكتشاف البعد الشعري لهذا المفهوم، من خلال شراراته اللغوية وتفجراته الايقاعية وعشرات الأصوات المنبعثة من النص الشعري، آتية من أزمنة مختلفة وأمكنة متنوعة. انجاز استثنائي يحققه الكاتب لاعادة توريط ثقافة الألفية الثالثة بالمتاهات الفكرية والشعرية التي خلفها إليوت. ولكن لاعادة توريط إليوت، أيضاً، بالمناخات الحضارية المسدودة التي كان بشر بها في "الأرض الخراب" منذ مطلع القرن الماضي. أليس الشعر أكثر فلسفة من التاريخ، وأكثر شفافية وأنقى بصيرة وأعمق ادراكاً بالقوى الخفية التي تمسك بخناق الانسان وهو على قيد أنملة من سقوطه النهائي في الهاوية.
المصدر: الحافة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إيحاءات قوية تفترض تعريباً مستجدّاً لقصيدة "الأرض الخرا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: مغامرات إبداعية :: إنتقاء الذهول :: أرى موتي من علو-
انتقل الى: