( 2 )
ثلاث مناسبات سنوية كانت سببا للهجوم علي جابر عصفور، إعلان جوائز الدولة، التفرغ، والمناسبة الثالثة اختيار الشخصيات المصرية المشاركة في المؤتمرات والندوات ... بماذا تبدأ؟
ضحك : احب أن أبدأ من النقطة الثالثة، اختيار النقاد والأدباء المصريين المشاركين وسأخذ مثالا عن مؤتمر الشعر الأخير، لجنة الشعر اختارت الضيوف ، وكان من المستحيل أن تختار كل الشعراء ليلقوا أشعارهم، ولذا كان طبيعيا مسألة التمثيل النسبي، وهذا ليس دفاعا عن اللجنة. ولأن المنطقي ألا ترضي الاختيارات الجميع، ومجموعة الشعراء الغاضبين ذهبوا وعقدوا مؤتمر الشعر البديل وانا في أعماقي باركت هذا المؤتمر وكنت أتمني له النجاح، ولكن ما حدث في المؤتمر الكبير تكرر في المؤتمر البديل، ومن وجهة نظري أن ما حدث في المؤتمرين طبيعي لأنه من المستحيل أن تأتي بالكل، لابد من الاختيار الذي قد تنطوي بعض نتائجه علي بعض الظلم. ولكن في النهاية يبقي السؤال: هل كل من اختارتهم لجنة الشعر يمثلون مختلف التيارات والاتجاهات؟ وسأجيبك نعم..شارك شعراء تفعيلة ونثروعمودي.
أعتقد أن الاعتراض لم يكن علي عدم المشاركة وإنما التمثيل نفسه لم يكن عادلا، مثلا كيف تمثل البحرين شاعرة مثل بروين حبيب ويتم تجاهل شاعر مثل قاسم حداد؟
هناك لجنة يرأسها شاعر كبير وتركت له حرية الاختيار، ولكن عندما تسألني من يمثل البحرين سأقول لك :طبعا قاسم حداد وأنا لا أعرف أن بروين حبيب شاعرة من الأساس، لم أتدخل في اختيارات اللجنة.
ولكن لجنة الشعر تحملك مسئولية اختيار كثير من الضيوف؟
لم أتدخل في اختيارات اللجنة إلا في حالات معدودة، لأنه لم يكن من الممكن حضور شعراء كبار مثل درويش وأدونيس وسعدي يوسف إلا باتصالي الشخصي بهم . وبالمناسبة كان من المقرر أن يحضر أدونيس ولكن حدث في اللحظة الأخيرة( ارتباك) في جدول مواعيده فاعتذر.
ألا تعتقد أن حضوره كان سيشعرك بحرج في حال حصول درويش علي الجائزة؟
بالتأكيد ، ولكن في آخر الأمر الجائزة قرار لجنة التحكيم، وهي لجنة ينبغي أن تحترم، ولكن لو حضر أدونيس كان يمكن التوصل لبعض الحلول لإزاله الحرج، مثل أن تمنح جائزتان، كما حدث في جائزة العويس.
ولكن هذا ليس في سلطة لجنة التحكيم؟
لو اللجنة انتهت إلي هذا مع حضور أدونيس ، كان الأمر سيتغير، وكانت مهمتي أن أقنع الوزير بمضاعفة قيمة الجائزة علي أن تمنح للإثنين، ولكن درويش حضر وحده واستقطب أصوات اللجنة.
ما تقوله يؤكد أن ( حضور) الشخصي للشاعر في المؤتمر هو المؤثر في منح الجائزة..وليس قرار لجنة التحكيم وحدها؟
ليس الأمر كذلك، حضر سعدي يوسف أيضا وهو شاعر كبير، بل هو أحد الشعراء الثلاثة الكبار في الوطن العربي مع أدونيس ودرويش ، ولكن رأت لجنة التحكيم أن تمنح الجائزة لدرويش.
كيف تحدد الشاعر الكبير؟
علي أساس الإبداع، الشاعر الكبير هو الذي لا يتوقف عن الإبداع، ويتجدد دائما، ويبحث عن وسائل تعبيرية جديدة ويفكر في خرائط وقارات إبداعية لم يطرقها هو أو غيره من قبل. وأنا اظن أن هذا هو سر توهج محمود درويش الدائم. وقد حضرت له أمسية شعرية مؤخرا في ابو ظبي، وكان المسرح ممتلئا عن بكرة ابيه، استمعت إليه، ولم تكن قصائده الجديدة مثل قصائده التي كتبها منذ عشر سنوات، فشعره يزداد تألقا ووهجا وهذا ما يجعله شاعرا كبيرا.
وهذا ما ينطبق علي سعدي وأدونيس؟
طبعا، لم يتوقف واحد من الثلاثة عن الكتابة مهما كان السبب، ومهما كان الثمن، وكل شاعر منهم لديه القدرة علي مفاجأة قرائه بالجديد. بعض الأصوات تري أن أدونيس يكرر نفسه بعد ديوانه( الكتاب)، ويري آخرون أن سعدي يعلو بين الذري ويهبط أحيانا إلي وديان سحيقة، وأن شعره ليس كتلة واحدة ، وآخرون يرون أن في شعر درويش بعض الإطناب خصوصا في قصائده المطولة..كل هذه وجهات نظر ينبغي أن تحترم، ولكنها لا تنقص من قدرهم.
الاستمرار في الكتابة هو معيار الشاعر الكبير.. ولهذا لم تضع حجازي؟
بالنسبة لحجازي أرجوه كصديق أن يعاود كتابة الشعر ويخرج من هذه الحالة سريعا ويعود إلي توهجه لأنه شاعر كبير ولا يقل عن الأسماء التي ذكرتها، ولكن لا يمكن لشاعر أن يتوقف عن الكتابة، فالشعر مثل النار التي تظل تلتهب حتي تجد مخرجا لها ولا يمكن أن تنطفئ.
هذا عن الاختيارات ..ماذا عن الجوائز ومنح التفرغ؟ ألم تحدث طوال السنوات ضغوط لمنح جوائز الدولة لأسماء بعينها؟
انا الآن شاهد محايد، ولست عضوا في المجلس الأعلي للثقافة، لم تمارس أي ضغوط من وزراة الثقافة لمنح الجائزة لأحد، للأسف الضغوط تأتي دائما من المرشحين أنفسهم علي أعضاء المجلس، وسأحكي لك حكاية : أحد المرشحين للجوائر اتصل بأعضاء المجلس واخبرهم بأنه مرشح ، وهو يعرف أنه لن يحصل علي الجائزة، ولا يريد إلا صوتا واحدا لكي يحفظ ماء وجه ولا يقال أنه حصل علي صفر، اتصل بالأعضاء عضوا عضوا، وبالفعل اعطاه كل عضو صوته متصورا أنه يقوم بحفظ ماء وجه المرشح، وكانت النتيجة أنه حصل علي الجائزة. وهناك آخر هدد بالاعتصام والاضراب عن الطعام في المجلس. لم تمارس بالفعل ضغوط من الوزارة، ولو مورست ضغوط لحصل علي الجائزة فتحي سرور أو إبراهيم نافع، في السنة التي نافسهما عليها الدكتور يونان لبيب رزق. أما الجوائز التشجيعية فهي مسئولية اللجان التي لا اتدخل في عملها علي الإطلاق، وهناك بعض الحاصلين علي الجوائز أري كناقد أنهم لا يستحقونها، ولكن طبيعة عملي تحتم علي احترام قرارات اللجان. ونفس الأمر بالنسبة للتفرغ، مستحيل أن يحصل علي المنحة كل ما تقدم إليها، يكفي أن تعرف أن ميزانية التفرغ كانت عندما جئت إلي المجلس 20 الف جنيه أصبحت الآن ثلاثة ملايين.
( 3 )
في اليوم الأول للدكتور جابر عصفور في منصبه الجديد، كان في استقباله علي أبو شادي أمين المجلس الأعلي للثقافة الجديد، وعشرات الموظفين في المجلس، كان جميعهم يحمل طلبات للندب إلي مركز الترجمة ... بعضهم بدافع شخصي: ( اعتدنا العمل مع عصفور) ..والبعض الآخر لسبب مالي: ) ميزانية المركز مرتفعة وتختلف عن المجلس، وبالقطع ستكون المرتبات هناك أعلي) . عصفور تأثر بمشهد العاملين معه كثيرا، ربما بكي، كما قال أحد الذين الذين شهدوا الموقف. ولكن ميزانية المجلس ليست كما يتصور البعض..يقول عصفور: ( هي ميزانية متواضعة بالمعايير العالمية، ولكنها بالمعايير المصرية جيدة( 20 مليون جنيه) مع وعد أن يزيد المبلغ.
ماذا عن سلبيات المشروع القومي للترجمة من وجهة نظرك..وكيف سيتمكن المركز من التغلب عليها؟
أول سلبيات المشروع من وجه نظري التوزيع، ثانيا التصحيح اللغوي، وأحيانا كانت تحدث بعض المجاملات، وأخيرا لم نستطع أن نكسر فكرة المركزية الأوروبية لأن معظم ما تمت ترجمته للأسف من الإنجليزية، ولم نستطع عمل توازن بين لغات العالم. الآن هناك نظام جديد للتصحيح، وهناك مفاوضات مع شركات توزيع، وبعض الناشرين ليتولوا مسئولية التسويق والتوزيع، كما سنحاول إقامة أكشاك داخل الجامعات لتوزيع الكتب.
أي أن علاقتكم بصندوق التنمية الثقافية ستنتهي؟
هم قاموا بمهمتهم وزيادة، ولكن سيظل هناك تعاون ، فالصندوق هو الذي يتولي مسئولية تجهيز المبني الذي سننتقل إليه، كما أنه سيتولي تمويلنا حتي بداية السنة المالية الجديدة.
وماذا عن خطط المركز القادمة؟
خطتنا المستهدفة أن نصل إلي 1000 عنوان سنويا، ولكن في هذا العام سنبدأ ب500 حتي تزيد الميزانية، وقد أرسلنا بالفعل خطابات إلي كل المراكز المعنية بالثقافة والجامعات المصرية والعربية، كما اتفقنا مع دارالنشر العربية للنشر المشترك وبالفعل نشرنا كتابين لإدوارد سعيد، وسوف نحصل علي حقوق ترجمة كتاب (بدايات) لسعيد أيضا بعد أن ينتهي إبراهيم فتحي من ترجمته. وأحد أحلامي أيضا في هذا المشروع أن يحصل المترجم الذي يعمل معنا علي أعلي أجر للمترجم في العالم، وسوف نقيم عددا من المؤتمرات الخاصة بالترجمة. وقد كنت في أبوظبي ، وقد خصصوا هم مبلغ 200 مليون جنيه لترجمة 1000 كتاب سنويا، وقد اتفقت معهم علي التنسيق المشترك.
وهل سيكون للرقابة التي تقوم بها وزراة الثقافة الآن علي المطبوعات أي تأثير علي ما ينشر في المجلس؟
لم أخف من قبل، فهل سأخاف الآن؟ أول شروط ترجمة اي كتاب هو احترام النص وعدم العبث به، وإذا كان هناك كتاب لا أستطيع نشره فلن اترجمه، حتي لا أضطر إلي حذف أي جملة منه. وقد نشرنا أعمال برنارد لويس وقام الدكتور رءوف عباس بالرد عليه في مقدمة الكتاب، وأعتقد أنه سيأتي يوم من الأيام سنترجم فيه كل شئ بما فيه ما هو محرم، التجربة تثبت ذلك، لا يجب أن نخاف من المواجهة، وفي المناخ المحافظ لابد أن تكون أكثر جرأة.
أنت مع فكرة الصدمة؟
بالتأكيد، ليس الصدمة فقط ، ولكن يجب أن تنتزع أرضا جديدة كل يوم من هذه العناصر.
هل تراهن علي الترجمة لانقاذ الثقافة العربية؟
المتخلف ليس أمامه في هذا العالم سوي ان يبدأ بالترجمة لأنها بداية لأي نهضة حقيقية. لأنك لكي ترفع درجة التخلف التي وصلنا إليها تحتاج إلي آلة رفع حتي تحملك لمستوي العالم، وهذه الآلة هي الترجمة، وهي شديدة الأهمية. وتجارب التاريخ تقول ذلك، بداية من محمد علي باشا الذي لم يستطع القيام بالتحديث إلا بعد أن أسس مدرسة الألسن، وأصدر وقتها 191 كتابا مترجما، ورغم قلة الكتب المترجمة إلا أنها فتحت الطريق للنهضة. وهناك أيضا المأمون ومشروعه للترجمة...,هكذا. وتاريخنا يقول أن بداية أي تقدم وأي نهضة يبدأ من الترجمة لأنها المقدمة المنطقية الطبيعية لأي تقدم، فهي تتيح للعقل أن يري ما يحدث في العالم، فيبدأ يحاكي أويقلد أو يدخل في منافسة فيتحرك هذا العقل من سباته، وينتقل من منطقة التقليد إلي منطقة الانجاز .
أخيرا.. ماذا كانت نصيحتك لعلي أبو شادي عندما تسلم منصبه؟
الصبر والسماحة، لأن التعامل مع المثقفين صعب للغاية، وينغي أن يفكر فيما يريده الآخرون قبل أن يفكر فما يريده لنفسه!!