التعليم
قامت بتعليمي أمي و مختلف بنات العم و العمة ، بنات الخال و الخالة .
كانت دروس الحساب تبدو لي غير حقيقية . اضطررت لتعلم الحساب بمساعدة التفاح و الدراق ، الذي كان يعطى للأولاد . كانوا يعطوني باستمرار ، و كنت أعطي بلا حساب . ففي القفقاس كميات لا حصر لها من الفواكه . تعلمتُ القراءة بمتعة كبيرة !
الكتاب الأول
كتاب لا قيمة له " أغافيا – مربية الطيور " . لو أنه وقع بين يدي عدة كتب من هذا النوع – لربما كنت هجرت القراءة للأبد . لكن ، لحسن الحظ ، الكتاب الثاني – " دون كيخوت " . يا له من كتاب ! قمت بصنع سيف و درع من خشب ، و رحت أخبط كل ما يحيط بي .
لقد منحت الطبيعة مايكوفسكي موهبة الإحساس الفائق الحدة تجاه الظلم الاجتماعي و الإنساني ، تجاه الكذب و النفاق . من هنا – استعداده الدائم ( بأفضل ما للدونكيشوتيه من معنى ) للوقوف إلى جانب الخير و الحق ، دون أن يعرف شيئاً من " التعقل المشين " .
الامتحان
انتقلنا من بغدادي إلى مدينة كوتايس . اجتزت امتحان الدخول إلى المدرسة الثانوية . سألني القس عن معنى كلمة " Oko " – أجبته : " ثلاثة أرطال " ( هذا ما تعنيه باللغة الجورجية ) . و لكن الممتحنين الأكارم شرحوا لي أن " Oko " – تعني عين في اللغة السلافية الكنسية القديمة . و بسبب ذلك كدتُ أرسب في الامتحان . لذلك صرت أمقتُ على الفور – كل ما هو قديم ، كل ما يتعلق بالكنيسة و بالسلافيين . و ربما من هنا انطلقت مواقفي المستقبلية ( Futurism ) و الإلحادية و الأممية .
إن فوتوريزم مايكوفسكي لا ينفصل عن نفيه و رفضه لأية تراتبية في أي اتجاه كانت . و أما تجسيد القديم فإن الشاعر كان يجده في النظام الرأسمالي – بعقليته ، بأخلاقه و بقيمه الحياتية .
بينما إلحاد الشاعر انعكس في عدد من أهم أعماله الإبداعية و في سلسلة من الموتيفات المناهضة للرب . و أما أممية مايكوفسكي فلا نظير لها . إذ بدون هذه الخصوصية لا يمكن فهم أي عمل من أعماله .
المدرسة الابتدائية
الصف التحضيري ، الأول و الثاني. أتابع في المرتبة الأولى . أنال درجة الامتياز في كل شيء . أقرأ جول فيرن . يا للروعة . رجل ذو لحية اكتشف عندي موهبة الرسم . يتعب نفسه معي عبثاً .
الحرب الروسية اليابانية
ازداد عدد الصحف و المجلات في البيت . " المعارف الروسية " ، " الكلمة الروسية " ، " الغنى الروسي " و غيرها . أقرأ كل شيء .
مرحلة العمل السري
جاءت أختي من موسكو . متحمسة مبتهجة . أعطتني أوراقاً طويلة مطوية بشكل سري. أعجبتني: خطر جداً . ما زلت أذكر حتى الآن . في الأولى :
استفق ، يا رفيق ، هيا استفق ، أيها الأخ ،
بسرعة ارم ِ البندقية على الأرض ...
إنها الثورة . بواسطة الشعر . و إذ بالثورة و الشعر يجتمعان في رأسي معاً .
العام 1905
... انطلقت مظاهرات و لقاءات جماهيرية . و أنا أيضاً ذهبت . أمر حسن . أتلقى الأمر بطريقة فنية : الفوضويون في الأسود ، الاشتراكيون الثوريون في الأحمر ، الاشتراكيون الديموقراطيون في الأزرق ، و الاتحاديون في بقية الألوان .
الاشتراكية
خطابات ، جرائد . الخلاصة – كلمات و مفاهيم غير مفهومة . أطالب ذاتي بالتفسيرات . رحت أشتري المنشورات و الصحف الثورية : " بوريفيتسنيك " و " عن ذات الشيء " . كنت أستيقظ في السادسة صباحاً و ألتهم كل شيء ... انحفرت في ذاكرتي للأبد مقدرة الاشتراكيين على توضيح الحقائق و تنظيم العالم ... التحقتُ بحلقة ماركسية ... رحتُ أحسب نفسي اشتراكياً – ديموقراطياً ...
عام 1906
توفي والدي .
بعد دفن الوالد – لدينا ثلاث روبلات . غريزياً قمنا ببيع الأثاث . و تحركنا باتجاه موسكو . لماذا ؟ لم يكن لدينا هناك حتى معارف ... استأجرنا شقة في شارع برونّايا .
العمل
لا يوجد نقود لدى العائلة . اضطررت للرسم . أكثر ما بقي في الذاكرة البيض الملون في عيد الفصح . كانت تدور و تصرّف كما الأبواب . رحت أبيع البيض إلى أحد المخازن . 10 – 15 كوبيك لقاء البيضة الواحدة . من ذلك الحين و أنا أكره الأسلوب الروسي و الحرف اليدوية .
المدرسة الثانوية
ترفعت إلى الصف الرابع من المدرسة الرابعة . تراجعت علاماتي .
تحت المقعد " ضد دوهرينغ " .
القراءة
لم أتقبل الروايات النثرية نهائياً . فقط الفلسفة . هيغل . العلوم الطبيعية . و الماركسية بشكل رئيسي . لم يكن هناك من عمل فني يشدني أكثر من " المقدمة " لماركس . كان الطلاب الاشتراكيون ، الذين يستأجرون غرفة عندنا يحضرون معهم مختلف المنشورات السرية . " تكتيك حرب الشوارع " و هلم جرا . و أتذكر بوضوح كتاب لينين " خطتان في التكتيك " ذا الجلد الأزرق . أعجبني أن الكتاب كان مقصوصاً بالضبط عند الأحرف . لتسهيل التبادل السري . و أخلاق الاقتصاد في حدوده القصوى .
الحزب
انتسبت إلى حزب البلاشفة عام 1908 . عملت في الدعاية . توجهت إلى عمال الأفران ، ثم عمال مصانع الأحذية و أخيراً إلى عمال المطابع... تم انتخابي في مؤتمر عام عضواً في لجنة موسكو الحزبية. هنا لم تكن حاجة لهم بي للعمل – لقد أسروني .
العنوان
29 آذار عام 1908 وقعنا بين أيدي كمين . اضطررنا لأن نبلع دفتر الملاحظات . مع العناوين على الجلد . تم اعتقالنا . خرجت . و بعد عام من العمل الحزبي اعتقلت مجدداً .
و حول حياة مايكوفكسي في السجن يروي رفيقه في الغرفة ن . هليستوف : " في السجن كان مايكوفسكي يقرأ نيكراسوف ، هيغل ، فيورباخ ، .. و غالباً ما كان يقرأ أشعار نيكراسوف بصوت عالي – " الدرب الحديدية " ، " لمن العيش في روسيا بشكل جيد " ...
أطلق سراح مايكوفكسي في 27 شباط عام 1909 .
الاعتقال الثالث
كان المناضلون ، الذين يسكنون عندنا ( موراشادزه ، هيرولايتيس و غيرهم ) يقومون بالحفر تحت سجن التاغانكا بقصد الإفراج عن النساء – المعتقلات و المعاقبات بالأعمال الشاقة . نجحنا في ترتيب الهروب للبعض . تم اعتقالي . قمت بالمشاكسة فتم نقلي من سجن إلى آخر و انتهيت في سجن بوتيركي ( سجن معروف حتى في أيام الاتحاد السوفييتي – المترجم ) .
11 شهراً في سجن بوتيركي
من أهم الأوقات بالنسبة لي . بعد ثلاث سنوات من النظرية و الممارسة – هجمت على النثر . قرأت كل ما هو جديد البتة . الرمزيين – الكساندر بيلي ، بالمونت . جربت الكتابة .. لم أنجح .
مثل :
اتشحت الغابات بلون الذهب ، بلون الأرجوان ،
و الشمس راحت تلعب على رؤوس الكنائس .
و أنا أنتظر : لكن الأيام ضاعت في الشهور ،
مئات من الأيام المُـرهِقة .
كتبت دفتراً كاملاً . شكراً للمفتشين ، الذين صادروا الدفتر عند خروجي من السجن .
و بعد أن قرأت الكتابات المعاصرة ، رحت " التهم " الكتاب الكلاسيكيين . بايرون ، شكسبير ، تولستوي . آخر كتاب : " آنا كارينينا " . لم أقرأه حتى النهاية . تم استدعائي ليلاً .. " مع الأغراض عبر المدينة " . و إلى الآن لم أعرف كيف انتهت الحكاية بالنسبة لعائلة كارينين .
بداية الحرفة
ظننتُ أنه ليس بمقدوري كتابة الشعر . إذ كانت تجاربي بائسة . رحتُ أمارس الرسم ...
شاعري المفضل – ساشا تشيورني . كان يفرحني مذهبه المعادي للجمال Anti esthetism .
آخر المعاهد
... انتسبت إلى معهد الرسم و النحت و العمارة : المكان الوحيد ، الذي قبلني بدون أن يطالبني بشهادة حسن سلوك سياسي . عملت بكد .
إنه لأمر غريب : يدللون المُقلِدين – أما الذين يعتمدون على ذاتهم فيضطهدونهم . دافعت عن المُضطَهدين .
ديفيد بورلوك
ظهر في المعهد بورلوك . كان لـه مظهر وقح . بنظارة و في سترة . يمشي و هو يدندن . رحتُ أتحرش به . كدنا نتعارك . و في أحد الأيام ذهبنا إلى حفلة خيرية . حيث عزفت موسيقى رحمانينوف " جزيرة الموتى " . هربت إلى الخارج . ثم خرج بورلوك . ضحكنا على بعضنا البعض . و ذهبنا نتسكع سوية . ليلة لا تنتسى . انتقلنا من الملل و الضجر من موسيقى رحمانينوف إلى موضوع المدرسة ، من المدرسة – إلى مجمل الضجر من كل ما هو كلاسيكي . عند ديفيد – غضب المعلم الذي تجاوز معاصريه ، و عندي – حماس الاشتراكي الذي يعرف حتمية انهيار ما هو قديم . هكذا ولد تيار المستقبلية ( Futurism ) الروسي .
اللقاء التالي
نهاراً كتبت قصيدة . بشكل أدق – جزء من قصيدة . سيئة . لم تنشر أبداً . ليلاً التقي ديفيد بورلوك في منتزه سريتينسك . قرأت له القصيدة . و أضفت أنها لأحد أصدقائي . توقف ديفيد ، رمقني بنظره و قال : " بل إنه أنت مَن كتب هذه القصيدة ! يا لك من شاعر عبقري ! " . كم أفرحني هذا المديح الهائل و غير اللازم . فغرقت في الشعر . لقد أصبحت شاعراً في تلك الليلة .