يقتحم الشاعر الكبير د. كمال نشأت عوالم ألبير كامو ونجيب محفوظ ويوسف إدريس والعديد من كتاب النس العشرين الكبار غير مجموعة من الدراسات تضمنها كتابه الأخير فى العقد القصصى الصادر عن «الهيئة العامة للكتاب 007» .
في أحدث كتبه « في النقد القصصي » د.كمال نشأت يدخل عوالم ألبير كامي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس عندما نشرت أعمال إبراهيم ناجي بعد وفاته وبها قصائد لكمال نشأت كتب د. محمد مندور يعدد الفروق بين شعر الاثنين وقامت مساجلة صحفية بين رجاء النقاش وصالح جودت يوسف إدريس يقول إنه لا يكتب إلا إذا أحس بالإلهام ونجيب محفوظ يرد عليه أنه يكتب مثل عامل في وردية سواء كان له مزاج أو لم يكن أستاذنا الدكتور كمال نشأت من تلاميذ الدكتور ابراهيم ناجي المخلصين، ولقد أرسل له عام 1951 ديوانه: رياح وشموع لكتابة مقدمة له، وكان الدكتور ناجي ــ في ذلك الوقت ـ مثقلا بأعباء الوظيفة والعيادة فلم يتمكن من ذلك، ونشر كمال نشأت ديوانه في نفس العام، وتوفي ناجي عام 1953 . وشكلت لجنة من شقيقه الكفيف والدكتور أحمد هيكل وأحمد رامي وصالح جودت لنشر أعماله ونشرت القصائد بعد تحقيقها عام 1961، وبها سبع عشرة قصيدة من شعر كمال نشأت . وكتب الدكتور محمد مندور في ذلك الوقت مقالا شهيرا بمجلة «الكتاب» عن الفرق بين شعر ناجي وشعر كمال نشأت، ومن بينها أن الأخير كان في شبابه فكتب عن الجنس بطريقة لايميل إليها ناجي وأن له قصائد وطنية عدة، فأثار ذلك ضجة استمرت لفترة طويلة، خاصة بين رجاء النقاش وصالح جودت . ويعتبر كمال نشأت من رواد شعراء التفعيلة، فقد ظهرت قصيدة «نامت نهاد» عام 1954 ورأي يوسف السباعي ان يمثل هذا الاتجاه في لجنة الشعر بالمجلس الأعلي لفنون والآداب والعلوم الاجتماعية الثقافة الآن فرشحه عبدالرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وأصبح عضوا باللجنة التي يرأسها عزيز أباظة في نفس العام . اتجاهات أدبية ولشاعرنا الكبير دراسات قيمة في نقد الشعر، إضافة إلي رسالتيه الماجستير والدكتوراه، وها هو يصدر كتابا في «النقد القصصي» الهيئة العامة للكتاب 007 يتضمن مجموعة من الدراسات عن أعمال كتاب مصريين وعرب وأجانب، علي رأسهم البير كامي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس . ويفتتح كتابه بدراسة عن «الاتجاهات الأدبية في القرن العشرين» لألبيريس ترجمة جورج طرابيشي، ويري البيريس ان وصف موباسان للطبيعة المحيطة بكوخ صياد في مستهل إحدي قصصه يعتبر وصفا «مدرسيا»، ولايرضي كمال نشأت عن ذلك، فالمنظر الموصوف يلعب دورا مهما في بناء القصة، إذ إن بطلها ــ كما يقول ــ إنسان لايقف في فراغ، وإنما يتحرك في جغرافية خاصة والعلاقة بينه وبين نوعية المكان، علاقة ارتباط حميمي، ومن ثم فهي مكملة له، ويذكر البيريس منظرا آخر لاندريه مازو مفضلا إياه علي منظر موباسان، في حين ان الاختلاف بين المشهدين اختلاف «واقع ». وينتقل البيريس إلي نقطة أخري ويذهب إلي ان الأدب في الخمسين سنة الأخيرة من القرن العشرين قد تجاوز الهدف الذي يثبت بمشكلات إنسانية واجتماعية بمعناها الحصري، وحل محلها «المعني العميق للوجود» ويري كمال نشأت ان عدم احتفاله بالتصوير الهادئ لموباسان يرجع إلي اتجاهه الوجودي، وهذا ما يجعله يميل إلي كاتبة مجددة مثل ناتالي ساروت، في حين انها في مجموعتها «انفعالات» تهتم بالتشبيه الذي أنكره علي موباسان . ويذهب كمال نشأت في البطل الحائر في الأدب القصصي الحديث» إلي اختلاف مواقع الكتاب من العصر ورجحت كفة المتشائمين من اندريه مالروفي في بعض أدبه إلي جان بول سارتر والبير كامي وبيكيت وغيرهم، وهؤلاء توزعوا بين مفاهيم الوجودية ومفاهيم اللامعقول، ويحدثنا عن رواية «الغريب» لألبير كامي ويري ان الشخصية الرئيسية «ميرسو» تمثل شخصيته «اللامنتمية» التي تتبعها كولن ويلسن في القديم والحديث من أدب الغرب . وإذا كان الضياع قد تمثل في سلوك وأفكار ميرسو فإن أبطالا في أدب نجيب محفوظ يمثلون نمطا من هذا الضياع، وان اختلفت أسبابه عن أسباب الوجوديين، ومن هؤلاء «الحمزاوي» في رواية «الشحاذ» فهذه الشخصية تعاني أزمة خاصة قد ترجع إلي رتابة الحياة اليومية، والحساسية الشخصية الزائدة، والتكالب والصراع اللذين تميزت بهما حياة العصر . وثمة قصص جانبية في رواية «الغريب» تؤكد معني التعود الذي يصر عليه البيركامي وأهمها ــ في نظرنا ــ قصة العجوز «سالامانو» الذي يقيم مع كلبه فوق شقة «ميرسو» وعندما فقد كلبه ضاع، رغم انه كان في حالة شجار دائم معه فبدو ان أحدهما لم يفهم الآخر مطلقا، ومع ذلك فإن كلا منهما لم يكن يستطيع آن يستغني عن الآخر. وفي دراسة «القصة القصيرة» بين الواقع وفانتازيا الخيال يتحدث عن تداخل الأجناس الأدبية ومنها التداخل بين قصيدة النثر والقصة الومضة، وأثار هذه القضية عنده ما نشر نجيب محفوظ في «الأهرام» من قصار القصص، وينقل قصة «من التاريخ» وكذلك كتاب «أدوال» لمحمد كشيك، ويذكر انه لا يعرف ان ناقدا أو أديبا تناول هذه المشكلة من قبل . جو أسطوري ونشير إلي اننا قد درسنا «أدوال» محمد كشيك في كتابنا «فن معايشة القصة القصيرة» هيئة الكتاب 1995، ويذهب شاعرنا الكبير إلي ان اهتمام محمد كشيك بالماء الذي قد يكون نهرا يشي بأن المؤلف نشأ بجوار نهر، وقد افتتحنا دراسته بقولنا:«يعود بنا محمد كشيك ــ وهو ينشئ عالمه الصوري ــ إلي تخلق الخلية الأولي بجوار الماء، والمرجح ان الحياة الأولي نشأت في ضحاضح السواحل، لاختلاط الماء بالطين وبوصول أشعة الشمس إلي القاع ..ص77 . ويذكر كمال نشأت ان محمد كشيك يسبغ علي نساء اختارهن جوا أسطوري، وإنك لتري واحدة منهن في قصة «الزنجية» كأحلي ما تكون المرأة الأسطورية» وقد قلنا في مستهل دراستنا لهذه القصة وفي «الزنجية» يقدم الكاتب لوحة شيقة لليل، تذكرنا بقول بشار بن برد:«ليلتي هذي عروس من الزنج ــ عليها قلائد من جمان» غير ان ابن برد لم يتعد الوصف الي التصوير، رغم إغفاله أداة التشبيه أما كشيك فينقل إلينا الاحساس في صورة تلعب فيها الدراما علي أوتار الدهشة.«ص8 ». ويحدثنا عن نجيب محفوظ في «نجيب محفوظ كاتبا عالميا» مستعرضا رحلته الإبداعية منذ المرحلة التاريخية، ويذكر انه كان جالسا ــ في الخمسينيات ــ بندوته في كازينو أوبرا حينما قال يوسف إدريس: إنني لا أكتب إلا إذا كانت لي رغبة.. سمها ساعة الإلهام مثلا، فضحك نجيب محفوظ ضحكته الصافية العميقة وقال: أنا لا أنتظر إلهاما إنني أعمل كعامل يشتغل في وردية، فعلي ان أجلس إلي مكتبي كل يوم أربع ساعات علي الأقل، كان لي مزاج أو لم يكن، ولولا ذلك ما استطعت ان أكتب ما كتبت. وقد حدثني يوسف إدريس عن هذا الأمر، وهو في مجال المقارنة بينه وبين نجيب محفوظ، فقال إنه لايكتب القصة مهما طالت إلا في جلسة واحدة، وفكرت في الأمر مليا بعد ذلك، ورأيت ان نجيب محفوظ كان في حالة إلهام مستمر، أو انه يستحضر الإلهام بعد جلوسه علي مكتبه بالتفكير فيما سبق، مع ملاحظة ان التواضع من شيم صاحب جائزة نوبل. ويحدثنا كمال نشأت عن يوسف إدريس حديثا شجيا ينهيه بقوله: هذه لمحات سريعة من فن قصاص عظيم هو مفخرة من مفاخر أدبنا القصصي الحديث، ويتعرض في السياق لمجموعة «بيت من لحم» ورواية «العيب» والذي يلفت النظر في قصة «بيت من لحم» كما يقول هو فنية الانتقالات التي يلعب الصمت فيها دوره، انه أولا «صمت الموت» بعد موت الأب وهو بعد «صمت انتظار البنات للزواج، وهو أخيرا «صمت» لا يقطعه إلا تلاوة مقرئ شاب يدخل الحجرة كل يوم للقراءة علي روح المتوفي، وفي النهاية يتزوج المقرئ الكفيف من الأم . المصريون في ألف ليلة وينهي كتابه بثلاث دراسات عن ألف ليلة وليلة، وهي «حكايات ألف ليلة وليلة المصرية» ومعيار الحكاية في ألف ليلة وليلة و«سكان ألف ليلة وليلة» ويرجح في ــ الدراسة الأولي ــ ان الحكايات المصرية أضيفت في العصر المملوكي، ومنها فاطمة «الِعرة» ولفظ العرة لفظ مصري صميم وترجمة التعبير الفصيحة «فاطمة التي لاتشرف» وواضح ان العرة من العار والمعرة، وكذلك حكاية يودر بن عمر التاجي مع أخويه، ففيها من الألفاظ والتعابير المصرية الكثير مثل: طابونة وعيش وفراخ والمنبار المحشي، والخروف المحشي والكنافة بالمكسرات وغيرها، ويضرب مثلا ثالثا بحكاية عبدالله بن فاضل نائب البصرة مع أخويه وأشارت الدكتورة سهير القلماوي إلي العديد من الحكايات المصرية في رسالتها عن ألف ليلة وليلة . ولاتتحق المصرية عبر الألفاظ والتعابير المتكاملة وحدها، ولكنها تظهر ــ كما أشارت الدكتورة سهير ــ في «روح» القصة وطريقة السرد وفي نوعية الأبطال الشعبيين مثل فاطمة العرة. ويلاحظ كمال نشأت ارتباط شخصية جحا بشخصية الشاعر أبي نواس، حتي صارت نوادر جحا في الأغلب الأعم مرتبطة بشخصية الشاعر، مما يعطي دلالة واضحة علي الميل إلي التسلية والعبرة، ولعلنا نفهم ــ كما يقول ــ الربط العجيب بين الخليفة هارون الرشيد وبين أبي نواس فهو لايصحب معه ــ عند الخروج إلي شوارع بغداد متخفيا في زي التجار ــ إلا أبي نواس وجعفر البرمكي ومسرور السياف، فلقد اتخذ الوجدان الشعبي أبا نواس رمزا للتجديد والتحول والرغبة في الخروج من الحياة التقليدية . محمد محمود عبد الرازق
[url=javascript:history.go(-1)][/url]