جلس جرجس أفندي بجوار نافذة القطار الذي مرق بين الحقول كسحلية فضية من عصور ما قبل التاريخ ، وفي ذهنه خاطر سعيد جعله يبتسم في وجه الأشجار التي بدت في تراجعها المثير أقرب لأشباح تفر القهقرى من حقبة النور إلى عصورظلام سحيقة كانت تعتلي فيها البشر وتخطف نساءهم الجميلات بدون أدنى سبب سوى الطمع والعين الفارغة . يضع يده المدقوقة بصليب أخضر صغير تحت ذقنه مترنما ببعض القداسات التي طالما رددها في صلاة الأحد ، وكيف له أن ينسى أصله وفصله ، ومجيئه من قلب الصعيد الحرون إلى نداوة الأسكندرية القشدة في ملمسها الطري ، وحلاوة شاطئها الممتد بلا حدود .
أقنعته إيفون أن يذهب إلى سوق المنيرة حالما ينتهي من مأموريته ، ففيها الكوسة مجرودة ، ومحفورة القلب ، وحبات الباذنجان الرومي نفس الشيء ، والفلفلة الخضراء التي هي فاكهة المحشي دون غيرها . لم يلاحظ المرأة مقطوعة الذراع التي رمت على ركبتيه آية الكرسي وهي تختفي ، فقط وبصورة تلقائية ، وضع الدفتر الصغير في جيبه وجهز نصف جنيه ليعطيها إياه ، وغفا لحظة أو لحظتين ، إذ فتح عينيه فوجد يده مبسوطة ولا أثر فيها للنصف جنيه ، فتوقع أن المرأة سحبته في هدوء حتى لا تقلق منامه ، وهبت عاصفة غبار فغطت الزروع والمواشي في الحقول الواطئة ، واندفعت دوامة غبار نحو عربات الدرجة الثالثة التي قدت من خشب تم طلاؤه باللون الرسمي للحكومة ، وهو الكاكي الميت . كاكي بليد محايد غليظ في درجته التي لا هي بنية كلون جذوع الكافور العتيقة ، ولا هي صفراء بلون الذهب الفتان .
ولما سرح عقله للذهب لا يعرف كيف لمح يد إيفون التي تزينها أسورة من عيار 21 مدموغة تهتز مترجرجة من تحت الإبط ، وهي تؤكد له أن الحال ميسور ، وعليه أن يحفظ مركزه ويركب مع الموظفين المحترمين في عربات الدرجة الثانية حيث المقاعد جلدية ، والديوان له أبواب تغلق وتفتح بحساب ، عليها ينقر الكمساري قبل الدخول ، ويتنحنح بإحم .
و" إحم " هذه في عرف الناس المحترمين موطن للستر ، ودفع للبلية ، وتغطية كل ما انكشف عن زهق ، أو استهتار ، أو دلع .
عليه أن يفرح كل الفرح أنه قد اقتنص هذه السفرية من فم الأسد ، فسوف يذهب للوزارة مشفوعا بخطاب رسمي عليه ثلاث توقيعات محترمة ولها حيثياتها : توقيع الموجه العام بنفسه ، ثم المدير المالي والإداري بجلالة قدره ، ويكمل السلسلة الذهبية خربشة وكيل الوزارة التي تبدو شتمة صريحة لكل من يدفع به حظه العاثر أن يدخل مكتبه .
لقد دخل أمس ، وكما علموه طأطأ الرأس، فتكلم وعنقه محني لأسفل كأنه يتوقع ضربة بالسيف ، : سيادتك مأمورية .
لم يرد عليه سيادته ، ولا تحركت في وجهه عضلة فاستعان بصورة الرئيس التي كانت تضحك ضحكة رسمية مجاملة خلف المكتب البيضاوي وسلط نظره عليه فلاحظ أن البؤبؤ يتحرك فاستعاذ بالعدرا أن تنقذه من هذا اليوم الذي لا تبدو أن شمسه ستغرب بدون أن يرفت .
إتنيل انطق . عايز إيه؟
اصطكت كلمة " اتنيل " برأسه ، ونظر حوله فتأكد أن جميع مقدمي الطلبات قد انصرفوا ، فهو المتنيل الوحيد دون غيره ، لذا اقترب خطوتين من المكتب ، حاول أن ينطق ، فترددت الكلمة في الفراغ القائم بينه وبين السيد وكيل الوزارة وبدت كاهتزازات مغناطيسية تعيق لسانه من النطق ، ولم يسعفه سوى نظرة من إيفون التي دخلت المكتب بعد أن شقت الجدار كالسحرة ، وهي غالبا ما تفعل كلما ضاق به الحال ، فزغدته في كتفه : إنطق يا أبو عدلي . قول له إنك رايح تجيب الدروع من الوزارة . وأوعى لسانك يفلت بحكاية الكوسة والباذنجان والفلفلة . يالله يا أخويا .
مد يده بالورقة وبصعوبة نطق، كأنه يخرج جملا من سم خياط : سيادتك . ذاهب مأمورية .
دار وكيل الوزارة بالكرسي الهزاز ، دورة ونصف ثم واجهه وهو يدعك عينيه المحمرتين: فين؟
فتح الله عليه بالكلام ، بعد أن بعثت فيه إيفون الحماس ، ثم ما لبثت أن تبخرت في الهواء ، لكنه كان قد تعافى من وعكته ، وانطلق لسانه كالفرقلة : الوزارة يا أفندم .ربنا يعلي مراتبكم
فز من مقعده ، ونطر جسده المربع ، ووسع ما بين فخذيه ، وهرش ، ثم قرب الورقة كأنها حشرة : وزارة وزفت .
مهر الورقة قرفا بتوقيع أقرب إلى البصقة ، لكن جرجس الحريص على السفرية سحب الورقة بود بالغ ، وهز رأسه امتنانا : شكرا يا افندم . ما نتحرم أبدا من توقيعكم الكريم .
فعاجله وكيل الوزارة بلطمة أقوى من الأولى : لا تنس أن تغلق الباب خلفك يا تيس .
كان هو الوحيد الذي سمعها ، وأمامه أمر من اثنين . أن يعود، ويلكم الرجل ويروح في ستين داهية ، أو أن يعمل أذن من طين ، وأذن من عجين ، ولا من شاف ولا من دري . وقد فضل الحل الثاني وأغلق الباب من خلفه ، فساورته الشكوك أنه تيس فعلا .
يا خبر أسود لو أن أيفون عرفت بما جرى ، هو لا يجسر أن يخبرها أنه تلقى في يوم عمل واحد لقبين كلاهما ينجس بحر : المتنيل ، وهذه مقدور عليها ، فكل منا تنيل بشكل أو بآخر ، والتيس . هذه والله عيب وكبيرة في حقه . القطار يهتز ، ووجهه ممتعض قليلا ، لقد كان مكدرا طيلة ظهيرة أمس ، ولما نزل من عند مكتب وكيل الوزارة مال على محمد أفندي الفقي صديقه بقلم الأرشيف ، وهمس في أذنه : أريدك لأمر هام .
ثم هبط دورا وأشار للعوضي كليلة كي يأتي معهما ، فالأمر عاجل ولا يمكن أن يؤجل أبدا .
ارتبك محمد افندي ، ووضع سجادة الصلاة على المكتب علامة على أنه عائد ، حتى لا يأخذ " زنبة " ممن ينافسه على الدرجة ، أما العوضي كليلة فقد كان له ظهر جامد ، وظهره هو رئيس قسم الحسابات : صهره وخط دفاعه الأول ضد كافة أنواع " الزنب " ، و" الفتايل " .
مع جرجس وديع شنودة هبطا السلم ، وكالمنومين صارا معه ، صفق المتنيل ، وجاء الجرسون ، فطلب محمد الفقي ككل مرة ثلاثة قرفة ، غير أن جرجس أفندي إستوقف الجرسون ، وطلب قهوة سادة ، فأدرك محمد الفقي أن الأمر جلل .
ـ لو تسمح يا محمد يا أخي .. هو أنا شكلي متنيل؟
ـ لا سمح الله؟ مين يقدر يقول كده؟
ـ طيب بص في خلقتي كويس يا عوضي .
ـ بصيت . خلقة زي الفل.
ـ يعني ممكن أكون تيس؟
ـ يا جرجس افندي . تف من بقك.
وجاء الجرسون بفناجين القهوة السادة في الطلبية الثانية ، وفهم محمد أفندي الفقي كل شيء ، فواسى صديقه القديم ، وزميل طفولته : بص يا جرجس أفندي . الكلمة العيب لما تطلع من أهل العيب تبقى مش عيب !
غير أن العوضي كليلة وجدها فرصة ليثير معركة تعوضه عن العلاوة التي حبسها عنه الرجل المربع الواصل إلى فوق فوق ، فقد اقترح أن يشكوه جرجس للإدارة القانونية كي يحصل على حقه كاملا غير منقوص .
وهنا أخطره محمد أفندي أن مصير الشكوى سلة المهملات ، مع زرع الجواسيس حوله تصيدا لخطأ طفيف يتم به نحره . وهنا استقر الرأي على أن من شتم فقد شتم نفسه ، وأن أي رجل أصله يمد لسابع جد ، وهذا جده بلا شك دون وخسيس ، ثم أنك لن تدخل له كل مرة بورقة طلبا لمأمورية!
استراح جرجس أفندي لهذا التفسير ، واطمأنت نفسه بعض الشيء ، وحين رجع البيت بدا مهموما ، سألته إيفون عن المأمورية ، فعلمت منه أنه قد ووفق عليها ، وككل ليلة سفرية لبست له الأحمر الستان اللميع ، ثم أطفأت اللمبة السهاري توفيرا لفاتورة الكهرباء ؛ وتمنعت أن ظهرها منقسم من شغل البيت ، لكنها لاحظت أن حرارة صوته قد خبت ، ويده بانت في الظلام مرتجفة ، فاستعاذت بالعدرا أن يخفف عن زوجها تعب وإرهاق الشغل .
كان الحر قد لفح الجدران ومس الأجساد فاكتفت بغطاء خفيف ، وفي الظلمة الداكنة اشتجر الجسدان وسمعت أنين روحه ،وسرى في جسده نحيبه الخافت رغم الدلجة . مدت يدها نحو وجهه فلامست دمعا رقيقا كان ينحدر على الوجنتين بلاصوت ، فعانقته حتى الصباح ، وغفا بين ساعديها كطفل فيه براءة النرجس .
جاء الكمساري وهزه من كتفيه برفق ، حاول أن يسحب الغطاء الخفيف ليستر عريه ، غير أنه لمح من حوله أناس مغبرين ، وأقدام مدلاة من الأرفف ، فتأكد أنه في عربة القطار المتجهة إلى القاهرة ، وكانت " السيمافورات " تتحرك وتعطي إشارتها ، وبيد مغلولة قدم التذكرة ، فعلمّ عليها الكمساري ومضى .
فحص الطريق فتوقع أن يكون على مشارف بنها ، فعدل نفسه ، وأخرج "الإنجيل " وراح يقرأ منه ، ولكن منظر الملاءة التي كشفت الجسدين ظلت تؤرقه ، وكان وجه إيفون يلوح له كسيفا حزينا ، فهل أخبرها أحد أن زوجها قد أهين في ذلك المكتب الدوّار أم أنها شعرت به حين لم يستطع أن يكون رجلها في ليلة صعبة لم يبرق فيها نجم واحد ؟ ليلة مرت عليه كأنها قطعة من صخر هائلة وضعت على صدره وكادت تكتم أنفاسه؟
دقق النظر في أرضية القطار ، كانت صفوف من النمل تمضي في طريقها رغم الزحمة الخانقة ، وأقدام العسكر بالبيادات الثقيلة في الممرات . هولا يعرف السر الخفي لهذا الطابور المنتظم رغم أن الدهس قائم ومتوقع . صعب عليه أن يقتل النمل المسالم ، وكان من النوع المنزلي البطيء في سيره ، خشي أن يهز العسكري الذي يتحرك ببلادة كلما عبر بائع "غازوزة " فيفتك بالهياكل الدقيقة البائسة . تساءل في نفسه : أليست كائنات لها روح ؟
وقبل أن يبحث عن إجابة ، مدت له سيدة سابغة في الأسود طفلا رضيعا : لو تسمح دقيقة لما أعدل نفسي .
كأنها هدية هبطت عليه من السماء . كان وجها طفوليا كأنه ملاك ، أحنى رأسه ، قبلـّـه ، والمرأة تسوي فستانها " الملس " الأسود ، وتحكم إيشاربها ، أما هو فعيناه لا تغيب عن الملاك النائم ، وجاءه هاتف أن يقبله في وجنتيه المتوردتين ثانية ، فخشى أن يصحو الرضيع ، وهي أومأت له ممتنة أن يرد لها طفلها، فهبط بصدغه الأيمن تجاه الوجه النائم فمس بذقنه الشوكية خده الأملس فصحا الطفل وتثاءب هنيهة ، ومالبث أن أغمض عينيه ، فتركته المرأة للرجل الودود ، وأسندت جذعها للضلفة الخشبية النصف مغلقة في نافذة القطار ، في المسافة الضيقة المحشورة بين المقعدين المتقابلين .
كان هاني هو النائم ، بين يديه وهو يدور به في فضاء الغرفة ، وإيفون تحذره ألا يلقي به ويتلقفه حتى لا تتعب معدته ، ولكنه يسهيها ويفعلها والولد يصرخ ويرجع يغرغر بصوت ضحوك ، وهو يهتف به :" إنجغه " .
كانت قد استراحت فحملته شاكرة ، وضحك حين شعر بالبلل يشف ويتسلل عبر النسيج القطني الخفيف نحو قماش البدلة الصوف المعتبرة مـــن " لا نكشير" . كانت مجرد بقعة في بنطلون داكن لا يؤبه لها . واحتل وجهه صفاء غريب ، وعدت به الأيام لفترة ما بعد نصف الإكليل ، والتسابق بأقدام حافية في حديقة " أنطونيادوس " . لا يعرف كيف كانت تسبقه كل مرة رغم أنها أقصر منه قامة ، لكنها كانت كالرهوان ساعة العدو في ممرات الحديقة المتعرجة .
هي أمهر من يضفر الخوص في أشكال جمالية فائقة مع أحد الشعانين ، بعدها تقدمها للأولاد هاني وعدلي ، وللبنت الوحيدة الجميلة مريم . تلك الفتاة التي أخذت من أمها رقتها ، ومن أبيها أدبه الجم . فكيف يكون تيسا ؟
غشى وجهه حزن عميق إذ تذكر المكتب الدائري ، وكان القطار على وشك الدخول إلى محطة مصر ، فهزت المرأة رأسها وحيته ، وصمم هو أن يضع بين يدي الطفل الدقيقتين جنيها كاملا، وضعه فأفلته ، فطواه ودسه في لفة التيل تحت غطاء القطن شاهق البياض المشغول بوردة ، وغادر المكان دون أن ينتظر تمنعها .
هبط مع الحشود ، وشعر بأنه يسير في نفس الخطوط الدقيقة للنمل الأسود المنزلي فشعر بالإهانة ، وراح يسارع الخطا ، يمرق من بين الزحام بصعوبة بالغة حتى وجد نفسه في مواجهة تمثال رمسيس الثاني فعرف أنه قد أصبح خارج المحطة ، وتألم أن وجد الكباري تحاصر جسده الفتي العملاق ، وحزن لما وجده فجأة وقد حمل وجه تيس .
هز رأسه مرتين وحاول أن يطرد الخاطر السيء الذي لا يحيق بغير أهله ، فلم يتغير المنظر ولا اختفى القرنان من فوق الرأس المهيب .
عند باب الوزارة كان رجال الأمن يعملون في همة ، أبرز لهم الخطاب الرسمي ممهورا بالتوقيعات وخاتم النسر ، لكنهم أدخلوه حجرة التفتيش ، وفتحوا حقيبته ، ودسوا أيديهم في الأوراق ، وبهدلوا ترتيب القوائم التي كان مكلفا بتسليمها للسيد المسئول ، ودسوا عصا رفيعة في مكان حساس من جسده ، فعلم أن وكيل الوزارة لم يكن يسخر منه ـ حين قالها ـ فهو يستحق أكثر من ذلك .
فكر في العودة ثانية ، وقد تغضن وجهه لكن الإجراءات كانت قد تمت ، وعلى بعد خطوتين وجد في مدخل سلم البناية الرئيسية للوزارة رجلا ملتحيا وقد فرش كتب الأدعية وأعواد السواك ، وزجاجات المسك والعنبر ، فتخطى ذلك بصعوبة .
سأل عن المكان الذي يتسلم منه دروع التفوق ، فأخبروه أن المسئول في الدور السادس . عند المصعد كان رجل أصلع يدخن سيجاراً ويكلم امرأة تضع كحلا ثقيلا في محيط عينيها وتمصمص شفتيها لتوزع الروج بحساب ، يخبطها برفق على كتفيها ناحية حمالة السوتيان ضربة المحب الولهان : إخصي عيك يا بوسي.. غبت وقلت عدوا لي!
وقف خلفه حتى انتهى من ضرب الحبيب الذي هو مثل أكل الزبيب ، ولمح رجل السيجار ، وقد مد يده بقرصة خفيفة في عنق السيدة التي أنبته في غنج لطيف : رشيد بك!أخجل يا رشيد بك!
لما أراد الصعود في المصعد خلف رشيد بك منعه العامل ؛ لأنه مخصص لمدير عام فما فوق ، وعلى شاغلي الدرجات الدنيا أن يشوفوا حالهم ، ويجددوا شبابهم بالزحف المقدس على السلالم .
حدّث جرجس أفندي نفسه ، مؤنبا إياها : لا تحبكها لهذه الدرجة . لوائح تطبق عليك وعلى غيرك ، ثم ليس لك عنق جميل كبوسي كي يقرصك فيه رشيد بك.
بدا سعيدا بالاكتشاف ، وكلم نفسه وهو يتخطى الدور الثاني : وكيل الوزارة رجل خباص ، وينطق الغلط بحكم منصبه لا أكثر .
لا أنت تيس ولا متنيل . أنت مواطن صالح بدليل أن التوجيه كله لم يجد رجلا في كفاءتك كي تتسلم عنه دروع التفوق على مستوى القطر . هي مأمورية يحسدك عليها زملاء المكتب ، وعليك أن تمشّي أحوالك ، وتكون مثل الجميع . إن شُــتموا صمتوا ، وإن أُغلق المصعد في وجوههم صعدوا . هل على رأسك ريشة يا أخي ؟
كانت نفسه تحاسبه ، وهو يحاسب نفسه ، ووجه طفل القطار يلوح فيتبدد الحزن إلى حين ، ويضع يده على البلل الخفيف ، ويبتسم ، وكله ترقب لما ستقوله إيفون حين يحكي لها عن السيدة بملسها الأسود ، وكيف اختارته هو بالذات دون بقية الخلق لتضع بين يديه فلذة كبدها ، خشى فقط أن تقول له : أخشى أن تكون عينك زاغت .
هي تعرفه راجل مستقيم ودوغري ، ولم يلمس امرأة أخرى غيرها من يوم الأكليل وحفل الكنيسة والقس يمسح رأسه ويقيم القداس . بالتأكيد سيأتي شاب لديه عزيمة ولا يقيم للعواقب أي حساب فيرد على الإهانة بمثلها ، وحين بلغ الدور الرابع كان يلهث وعرقه يتفصد من وجهه لكنه عاد في العشرين من عمره ، فرفس الباب الثقيل بقدمه ، وتقدم من المكتب الدوار ، وجذب وكيل الوزارة من رابطة عنقه ، وقبل أن يلكمه ، شخط فيه : قل أنك مـَرَة . والرجل من حسرته عملها على نفسه ، وبان البلل واضحا في نفس المكان بالضبط ،في مثلث مقلوب بين الفخذين ، وقد كانت اللطمة على صدغه الأيمن كافية جدا كي يدير له وكيل الوزارة بجسده الرجراج المربع الصدغ الأيسر ، وهو لم ينصت لتعاليم السيد المسيح ولطمه ، ولم يتركه قبل أن ينطق بوضوح والناس في الخارج يدقون بقبضاتهم الأبواب : أنا تيس . والله سيادتك يا جرجس أفندي رجل محترم . أنا وكيل وزارة تيس !
وجد نفسه في الطابق السادس وصدره يعلو ويهبط وقد بلغ به الانفعال أقصى حد ، فتوجه نحو النافذة المطلة على المسقط ، وبصق بغل مكتوم ثم اتجه بخطا مسرعة نحو حجرة المسئول ، وكان الرضا يملأ نفسه بعد أن ثأر من غريمه .
القاهرة 27/ 7/ 2005.
محمد سلطان مشرف
عدد الرسائل : 159 تاريخ التسجيل : 18/04/2007
موضوع: رد: المأمورية 17/7/2007, 20:31
مازلت عندى رأيى و كما ذكرت مرارا وتكرارا ....
انت أستاذ يا أيها المبدع ( أ/ سمير ) خالص احترامى الى أن يجمعنا لقاء.. محمد
حمدي علي الدين المدير
عدد الرسائل : 1252 تاريخ التسجيل : 15/04/2007
موضوع: رد: المأمورية 22/7/2007, 05:06
إنها مأمورية الإدراك ،مأمورية تسللت ببساطة إلى العمق لتصفع خوفنا وإستسلامنا ورفضنا الدفين مع صفعة جرجس أفندي لوكيل الوزارة ...
فتبا لمن علمونا أن السكوت والمهادنة من ضروريات التعايش مع الواقع قصة ممتعة
سمير الفيل
عدد الرسائل : 18 تاريخ التسجيل : 26/04/2007
موضوع: رد: المأمورية 29/7/2007, 15:21
محمد سلطان كتب:
مازلت عندى رأيى و كما ذكرت مرارا وتكرارا ....
انت أستاذ يا أيها المبدع ( أ/ سمير ) خالص احترامى الى أن يجمعنا لقاء..
محمد
الصديق محمد سلطان
شكرا لمروركم الكريم..
سمير الفيل
عدد الرسائل : 18 تاريخ التسجيل : 26/04/2007
موضوع: رد: المأمورية 29/7/2007, 15:23
حمدي علي الدين كتب:
إنها مأمورية الإدراك ،مأمورية تسللت ببساطة إلى العمق لتصفع خوفنا وإستسلامنا ورفضنا الدفين مع صفعة جرجس أفندي لوكيل الوزارة ...
فتبا لمن علمونا أن السكوت والمهادنة من ضروريات التعايش مع الواقع قصة ممتعة