الدكتور
بقلم لقمان ديركي (جريدة بلدنا)
الدكتور كلمة مقدسة عندنا ، فالجميع يحترم الدكتور ، والجميع يتمنون أن يصبح ابنهم دكتوراً ، ويتسابق طلاب البكالوريا في الامتحانات للظفر بعلامات هي الأعلى كي يحق لهم أن يصبحوا أطباء أو دكاترة كما نحب أن نتنغم بمناداتهم. وعندما كنت في المدرسة طلب الأستاذ منا أن نقول له ما هي المهنة التي نتمنى أن نكون عليها في المستقبل. أجابه الطلاب وبالدور: " دكتور .. دكتور.. دكتور.. مهندس.. مهندس.. محامي.. محامي ......... صيدلي ..........دكتور.. دكتور .. دكتور.. مهندس.. مهندس .. محامي.. محامي .. .......صيدلي.... دكتور دكتور دكتور دكتور دكتور دكتور دكتور دكتور دكتور دكتور .. ممثل ..............؟؟؟ ...... ! .... ! .. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
كان الممثل هو أنا وسط زحمة الدكاترة والمهندسين والمحاميين، وقد أثار اختياري الاستفهام في البداية كما هو واضح في وضع علامات الاستفهام فوقكم، ثم وبعد أن استفهموا عن معنى ممثل تعجبوا واحداً واحداً ثم بشكل كامل وموحد كما هو واضح في وضع علامات التعجب أعلاكم.. أعلاكم الله إلى أعلى المراتب كما أعلى الأطباء والمهندسين والمحاميين من قبلكم... آمين يا رب العالمين، ضحك الأستاذ قاطعاً الصمت الرهيب وقال لي "يا ملعون مشان تبوس الممثلات".. وبعدها جلس باقي الطلاب لمدة سنة وهم يحسدونني!!!!!!!!!
ولم تقتصر قداسة الدكتور على الأطباء فقد عرف أصحاب المهن الأخرى أن مهنتهم ما بتسوى نكلة قدام الدكتور فراحوا وعملوا دكتوراه بمهنتهم كي يصبح اسمهم الدكتور فلان، فترى شاعراً معه دكتوراه بالزراعة وقد وضع قبل اسمه حرف الدال كما هو موضح في الرسم التالي " د. فلان الفلتان" ، وترى طبيب أسنان يكتب "د.الكاتب الفلاني"، وقد قلت لطبيب وضع دالاً قبل اسمه أنه طبيب وإذا كان مصراً على وضع حرف المهنة قبل اسمه فليضع " ط. فلان الفليتاني" ، ولكن بعض المطرنبين على الدكاترة من قبل المهندسين وضع قبل اسمه" د.م.فلان الفلاني" وأوضح بذلك أنه لم يتخل عن المهندس ويبدله بدكتور بل زين هندسته بالدكتوراه.
ويقولون للدكتور في بعض القرى "دجتور" وفي قرى أخرى" تكتور" وبالكردي " تختور" وبالسينييه لانكويج" دووكتووررر" مع تنزيل الشفايف وهنن مشدودين 30 سم إلى الأسفل.
ولكن لماذا الدكتور مقدس إلى هذه الدرجة عندنا؟! لماذا هو اللقب الذي واجه به المتعلم ثقافة المال والإقطاع ووضعه رغماً عنهم على قدم المساواة معهم، لماذا الدكتور مصدر فخر وخاصة للعائلات الفقيرة، لماذا الدكتور هو علامة الرقي والتعلم والثقافة؟؟!!!!!!!!!!!
ربما لأن الطبيب هو صاحب أنبل مهنة عرفها التاريخ وهي مهنة الطب، مهنة لا تعترف بالقبيلة والعشيرة والعرق والدين والجنس واللون والطبقة الاجتماعية بل تعترف بالإنسان كيفما كان ومن أينما كان، إذن الدكتور ليس محبوباً من فراغ في بلادنا إنما من أساس غابر وقديم يعود إلى مئات بل وآلاف السنين.