صلاح جاهين صوت مصر وصوت البشرية
صلاح جاهين
صلاح جاهين
القاهرة - مكتب "الرياض"، شريف الشافعي:
وصف مثقفون وأكاديميون مصريون الشاعر والرسام والكاتب متعدد المواهب صلاح جاهين (1930-1986) بأنه "صوت مصر وصوت البشرية"، وذلك في احتفالية نظمها أخيراً المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة بالتعاون مع مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي وجمعية فناني الكاريكاتير على مدار يومين بمناسبة مرور عشرين عاماً على رحيل جاهين.
شارك في الاحتفالية عدد من المبدعين والشعراء والباحثين والأكاديميين، من بينهم: الدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي مقرر لجنة الشعر بالمجلس، والشاعر سيد حجاب مقرر الاحتفالية، والدكتور فتحي صالح مدير مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري، والشاعر بهاء جاهين الذي ألقى كلمة أسرة الراحل صلاح جاهين، والناقد الدكتور محمد عبد المطلب، والشاعر حسن طلب، والناقد محمود أمين العالم، والفنان مصطفى حسين نقيب التشكيليين، والشاعر أمين حداد، وآخرون. اشتملت الاحتفالية على جلسات نقدية لمناقشة أعمال جاهين الأدبية والفنية في مختلف المجالات، وأمسيات شعرية بمشاركة كبار الشعراء ومنهم: محمد عفيفي مطر وحجازي وسمير عبد الباقي وماجد يوسف وغيرهم، فضلاً عن أمسيتين غنائيتين للفنانين والموسيقيين علي الحجار وسلمى الصباحي وإبراهيم رجب.
الدكتور جابر عصفور أشار إلى أن صلاح جاهين هو امتداد لكل شعراء المقاومة، والمقاومة لديه تتجلى في ثلاثة محاور: الأول الحب؛ فهو يبدع من أجل شيء يحبه، وفي مواجهة شيء يبغضه، وكان يحب الشعب البسيط ويكره كل ما هو غير إنساني من قهر وظلم وتعسف. والثاني الرفض، رفض كل ما يشوه الحياة وكل أشكال الظلم، ولهذا غنى جاهين لأجل ثورة يوليو ولأجل أهدافها، لكن هذه الثورة شهدت الكارثة في عام 1967مما جعل المتحمسين لها ينتقلون من الحلم إلى الكابوس. والثالث الارتحال، فقد كان جاهين لا يكف عن الارتحال بين الأنواع الفنية داخل الشعر، وبين أنواع الفنون المتعددة كالكاريكاتير والأوبريت وحتى التمثيل السينمائي.
وأشار الشاعر والتشكيلي محمد بغدادي إلى أن عبقرية جاهين الكاريكاتيرية تكمن في امتلاكه لرؤية واعية وثقافة ذات حس وطني ورغبة أكيدة في إحداث تغيير في المجتمع، وقال بغدادي: لأن جاهين شاعر، فإن إحساسه بنبض الشارع المصري والعربي جعله دائماً على خط التماس مع مشكلات الناس وقضاياهم، وهذا ما جعله يشتبك مع الواقع، وبالتالي فإن أعماله الكاريكاتيرية كانت نابعة من قبل هذا الشعب في هزله وجده، إذ إنه لم يسع مطلقاً لافتعال الموقف الكاريكاتيري، بقدر سعيه للبحث عنه واستخراجه من أعماق هذا الشعب الساخر دائماً.
وأوضح الناقد الدكتور محمد عبد المطلب أنه من الممكن مقاربة رباعيات صلاح جاهين، لا بوصفها نصوصاً إبداعية فحسب، بل بوصفها نصوصاً ثقافية تأسست في نصب جمالي يجمع بين الفردية والجماعية على صعيد الشعرية التي تحولت إلى أنشودة جماعية ينشدها شاعر فرد. وعن التحليل اللغوي لمفردات الرباعيات الجاهينية قال الدكتور محمد عبد المطلب: عند قراءة رباعيات جاهين من خلال المتابعة الكمية لمفرداتها اللغوية نجد نتيجة لافتة، فجملة مفردات الرباعيات تبلغ 3643مفردة، منها 3960مفردة فصيحة و 683مفردة عامية، والنسبة بينهما 82% للفصحى و18% للعامية، ومعنى هذا أن الرباعيات تنتمي للغة الفصيحة على نحو من الأنحاء، حتى أن بعض الرباعيات جاءت مفرداتها فصيحة خالصة.
وقال الشاعر بهاء جاهين: إن رباعيات صلاح جاهين لم تكن تأملات فلسفية محضة كما هو شائع، بل عكست تجارب شخصية ووطنية طاحنة، ولم ينفصل لديه ما هو قومي عما هو فلسفي أو شخصي.
أما الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي فإنه أكد أن صلاح جاهين لم يكن مجرد شاعر عامية مصري وحسب، ولكنه شاعر عربي كبير، وحين نحتفل بجاهين فإننا نحتفل بقيمة شعرية كبيرة ليس في مصر وحدها، بل في شعر العامية كله، نحتفي بابن عروس والنديم وبيرم التونسي وفؤاد حداد وحسين شفيق المصري. وقال حجازي: لم يكن جاهين صوتاً بسيطاً مفرداً، وإنما كان مجمع أصوات، كان صوت مصر وصوت البشرية، صوت الجماعة المصرية كما رآها في الواقع وفي الحلم معاً، فجاهين ليس ثمرة تراث قومي مغلق، وإنما هو ثمرة كل من التراثين القومي والإنساني، وهو يدين للوركا وبول إيلوار بقدر ما يدين لأحمد شوقي وبيرم التونسي.
والشاعر والفنان متعدد المواهب صلاح جاهين من مواليد ديسمبر في عام 1930، ويعد من أبرز الذين كتبوا بالعامية المصرية مستخدماً ألفاظ الشارع المصري البسيط لتصوير الأحداث الجارية في مجمل أشعاره وكلمات أغنياته وفي رسومه الكاريكاتيرية المعبرة عن الواقع.
وقد اعتبره النقاد امتداداً لبيرم التونسي سيد الزجل الشعبي والسياسي في مصر في القرن العشرين، وقد وصل جاهين إلى مختلف الفئات والأوساط الاجتماعية حتى الأطفال الذين قدم لهم أشعاراً وأغنيات ومسرحيات ذائعة الصيت، فضلاً عن الفوازير الرمضانية المحببة، وأوبريت "الليلة الكبيرة" الشهير، كما كتب جاهين بعض السيناريوهات والحوارات التليفزيونية (مثل حلقات "هو وهي") والسينمائية (مثل أفلام: "خلي بالك من زوزو"، و"أميرة حبي أنا"، و"شفيقة ومتولي"، و"المتوحشة")، كما شارك في التمثيل في بعض الأفلام (مثل: "شهيد الحب الإلهي"، و"لا وقت للحب"، و"المماليك").
وقد أصيب جاهين بحالة من الاكتئاب والعزلة في أعقاب نكسة 1967استمرت حتى رحيله في عام 1986، حيث توقف عن كتابة الأغاني والأناشيد الوطنية، واتجه إلى الكتابة في اتجاهين: الشعر التأملي العميق كما في "الرباعيات"، والأغاني الخفيفة التي غنت الراحلة سعاد حسني أغلبيتها، ومنها "صباح الخير يا مولاتي"، و"الدنيا ربيع"، "بانوا بانوا"، وغيرها