الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كبرياء النخل مصطفى الضبع

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سعيد شحاتة
مشرف مؤسس
مشرف مؤسس
سعيد شحاتة


ذكر عدد الرسائل : 665
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 16/04/2007

كبرياء النخل   مصطفى الضبع Empty
مُساهمةموضوع: كبرياء النخل مصطفى الضبع   كبرياء النخل   مصطفى الضبع Icon_minitime13/8/2007, 22:44

كبرياء النخل والموت ... د. مصطفى الضبع
التاريخ: السبت 01 مايو 2004
الموضوع: نقد

ترقينات نقدية

محمد العسيري : كبرياء النخل والموت على قارعة القصيدة

من صغري غاوي المدن
وبنات المدن
والعيش الإفرنجي ص80

ما الذي يفعله الصعيدي في القاهرة غير أن يحبها بوصفها رمزا لكل ما هو جميل ، يمنحها ما يجعلها تحيا ، ولكنها تقابله بالموت ؟ ، وما الذي يجعل من المدن مغوية لهذا القادم بريئا ، صامتا غير أنها تجندله في طرقاتها ، وتحرمه الحياة ؟

إنها حالة الشاعر الإنسان الذي يبدأ حياته في محيط يزرع في قلبه الحب ، حب الحياة والمدن :

هناك..... في الصعيد الجواني
ف بلاد الحبايب والونس
ما فيش شوارع ...
ما فيش عسس ... بيسموه الطريق . ص 53

وهي صورة حقيقية لحياة هادئة ليست من وحي الطفولة الغريرة ، أو من طرح الذاكرة البعيدة الواهمة ، فالصور المستمدة من مرحلة الوعي تؤكد الخط نفسه :

في أول الرجولة
عرفت البيوت من غير قمر
والبيوت اللي من غير شمس
والعيون اللي بتضحك وبتبكي
مش بالحنان .. أو م الحنين
لأ .. م اللمس ص 81

، ولكنه القدر كما في الأسطورة القديمة ، (عاشق تروح لقضاك) ص 25 أن يبتعد الشاعر عن هذا المحيط ، فيكون في ابتعاده عذابه ، ويكون عقاب الآلهة لتمرده على محيطه ، ولعشقه ما لا يحق له أن يعشق ، وكان عليه أن يدفع ثمن انتقاله من حياة حقيقية إلى حياة مزيفة :

لما ابتعدنا .. عن بلادنا ...
التقينا بيوت ...
والتقينا حيطان ..
بس مش لينا
بس مش زينا
نشوف الموت وما يشوفناش
ندوقه ... ونرمح ورا شوقه
وما يدوقناش ... ص 83

ويظل الإنسان معذبا بما فعله قلبه ، يسعى للموت بوصفه وسيلة الراحة ولكنه لا يصل إليه ، فالمدينة تمعن في تعذيبه ، قد يتوهم أنها تحبه ، ولكنها أمنا الغولة (في الحكاية القديمة) ، تعطف لتقسو، وتغذي لتفترس .

ثلاثة أصوات كاشفة

1-
" يا نخل لو تنحني
تبقى أنت مش نخلي ".

2-
ما دبرتش تمن الشبكة
لكن كتبت قصيدة جديدة
عندك مانع تسمعني ؟!

3-
لابد لي بين الدمع والنني
قاصد يجنني
زي خالد عبد المنعم
وكأنه لجرحها مندور
يعني هوه أحسن
من عبد الرحيم منصور
هما كده ....وهيه كده
حافضانا ...واحد... واحد
راصدانا ..... واحد... واحد
ولكل واحد دور ..
وده دور البرنبالي ص 104

ثلاثة أصوات بمثابة المفاتيح ، لا تتوقف عند كونها نصوصا تعبر عن تجربة محمد العسيري في ديوانه الجديد " شوية هوى" ، وإنما تقدم بداية الكثير من الإشارات الدالة على ما يطرحه الديوان من مادة شعرية قادرة على أن تقدم الشاعر بوصفه صوتا يمتلك من الوعي ما يمكنه من أن يقدم رؤيته الخاصة المعبرة عن هموم وطنه ، وأن يخرج من ذات انغمس الشعراء فيها ، وداروا حولها كثيرا ، وهي أولى مميزات النص العامي الجديد الذي لا ينحاز للذات كثيرا ، ولا يتغنى بشخصية ذاتية لم يعد لها وجود بعد أن تآكلت بفعل: ضعفها الخاص ، وعوامل السلطة ، وغياب وعيها القادر على أن يجنبها هذه العوامل المؤدية لهلاكها ، ولكنه يقدم عالما مشكلا من ذوات أخرى ، حيث تذوب الذات في تفاصيل الآخرين ، وتمنح نفسها القدرة على أن ترى نفسها فيها ، أو عبرها ، تفعل القصيدة العامية ذلك في الوقت الذي انكفأ فيه الكثير من شعراء الفصحى على ذواتهم يتغنون بمجد إنساني زائف أو يرون عالمهم عبر لغة لم تعد قادرة على أن ترى العالم أو أن تكشف عنه بالقدر الكافي لأن يرى المتلقي عالمه هو لا عالم الشاعر الذي يعبر عن لحظة شديدة الخصوصية في وقت عليه أن يتخلص من ذلك (بعضه أو كله) لصالح الآخرين / المتلقين .

لقد كسبت القصيدة العامية أرضا جديدة تمثل خطوات نحو المتلقي معبرة عنه قادرة على أن تجعله مرددا لها كاشفا نفسه من خلالها .

والأصوات الثلاثة السابقة تقدم نفسها بوصفها مفاتيح لقراءة الديوان على مستوى الطرح العام ، طرح المعنى أو الموضوع ، والفكرة المعبر عنها ، ثم على مستوى البناء الفني الكاشف عن تقنيات الكتابة عند محمد العسيري ، فالصوت الأول المعبر عن كبرياء النخيل الرافض للانحناء ، وهو ما ينسحب على نصوص الديوان المصورة الإنسان المصري في تحديه الفناء ، فالديوان يكاد يكون ملحمة متعددة الوجوه لهؤلاء الأشخاص المتمردين على القهر والموت والفناء ، لذا فأنت على موعد للقاء شخصيات ليست من صنع الخيال أو ليست رموزا مصنوعة لصالح النص فقط ، أو ليست أبطالا من ورق ، أو من كلمات ولكنها شخصيات بنت واقعها الذي تتمرد عليه ، فقد أراد الشاعر لهذه الأسماء أن تكون مدارا لصورته الواقعية : عمر نجم ، فاروق الشرنوبي ، فارس خضر ، عمر أنس ، محمد مسعد ، سعاد حسني ، طاهر البرنبالي ، خالد عبد المنعم ، عبد الرحيم منصور .، وأن تمثل أصوات الحياة في أروع تجلياتها ، وليس مجانيا أن يكون النص الأول مصورا الشاعر(غير) الراحل عمر نجم الذي يطرحه النص شخصية نابضة بالحياة لم يمنعها الموت من أن تمارس علاقتها بأصدقائها ، والشاعر عندما يخاطبه يستحضره ممارسا هذه الحياة من ناحية ، ومن ناحية أخرى يستجير به ، أو يستعين به على الحياة القامعة التي لم يجد فيها من يحاوره في لحظة الحنين ،لاجئا إليه من قسوة الحياة ، والأزمة طاحنة على الجميع :

ما أنا أصلي ضهري انتنى
من كتر ما اتألم
ما يغركش صوت مغناي
ونفر العروق جواي
......................

الناس من تقل الأزمة
مش حاسة خبط الجزمة على الطرقات
الناس زي الجزمة
عمالة بتحرت في الميادين وخلاص ..
عمالة بتفرم في الأيام وخلاص ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://saidshehata.blogspot.com
سعيد شحاتة
مشرف مؤسس
مشرف مؤسس
سعيد شحاتة


ذكر عدد الرسائل : 665
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 16/04/2007

كبرياء النخل   مصطفى الضبع Empty
مُساهمةموضوع: رد: كبرياء النخل مصطفى الضبع   كبرياء النخل   مصطفى الضبع Icon_minitime13/8/2007, 22:45

وهنا يتدخل المفتاح النخيلي ، أو النخيل بوصفه رمزا لكبرياء مفتقد ، يجعل للحياة طعما لا يروق بدونه :

ما النخل سابني
في الشوارع وحيد ..
الشوارع ما فيهاش نخل من أصله ....
لكني اتمنيت ألقاه
واهو كل واحد بيعمل بأصله

والشاعر يمنح النخيل وظيفته المعروفة مسبقا كما يجعله قاسما مشتركا لعنصري الحضور ، والغياب ، فالنخل دال على القيمة الغائبة (الكبرياء) ، وفي الوقت نفسه دال على الصمود القائم الذي لم يعد أمام الأشخاص بديلا عنه ، والشاعر عندما يصدر النخل يطرح على المتلقي عنصرا له قيمته في السياق بوصفه العنصر المشارك في انتاج الدلالة النصية على مستوى اللغة، وعلى مستوى أداء المعنى ، ثم على مستوى الرمز الإنساني فالأشخاص نخيل (عمر أبو نجم - النخل وأصحابه -) ، كما أن النخيل شخصية لها حضورها في السياق النصّي ، شخصية تتجاوز المعنى المعروف للنخل ، وتؤثر في نظام اللغة مغيرة من دلالة الألفاظ فالبلد الدالة على الموطن الأصلي (مسقط الرأس) تأخذ معناها الواسع (الوطن) ، طارحة المعنى الأكثر دلالة :

فين عمر أبو نجم
ونخله في البلد عمل إيه ؟!

ومؤكدة أن هوان النخيل صناعتنا ونحن مسئولون عنها ، وعن تبدل الحال للأسوأ:

واحنا اللي كان البر خيلنا
والبحر هايبنا وراخي لنا
هان على إيدينا نخيلنا
هنا على الخيل ... والسفاين . ص 86

وعندما يغيب النخل عن السياق لا يكون غيابه إنقاصا من دلالته ، وإنما يظل الطرح الدال على الفقد قائما ، فقد كانت الإشارة للفقد كافية لأن تنبهنا إلى أن التغييب المقصود للنخل مقصود لذاته ، حيث ينتفي الدال على الكبرياء بغياب الكبرياء نفسه من بقية النصوص (بعد القصيدة الأولى تختفي مفردة النخل ، ولا تظهر إلا مرة واحدة في قصيدة " قلوب المداين " التي تحمل دلالة الهوان ، وتكشف عن أسبابه) .

ويقترن القطار بالنخل عبر علاقتي : العنصر الدال أولا ، والتضاد ثانيا ؛ فهما عنصران دالان على بيئة بعينها ، والقطار يحمل الشاعر للمدينة ، والشاعر بدوره يحمل النخل بداخله أيضا ، ثم هما دالان على مرجعية الشاعر العرقية ، والمكانية (لا يوجد مبدع جنوبي لا يكون القطار عنصرا حاضرا في نصوصه وتأتي مفردة النخيل بصيغها المختلفة لتحتل المرتبة الثانية في الحضور) ، كما يمثلان مرجعية للصور الممتدة للطفولة في خيال الشاعر ، مما يجعلهما يعبران عن مرجعية من نوع خاص لديه ، ثم تأتي علاقة التضاد بين النخيل بوصفه ثابتا ، قيمته في ثباته ، والقطار بوصفه متحركا قيمته في حركته ، كما يعد مكانا للاجتماع الإنساني ، ودالا على حالة اجتماعية اقتصادية واضحة المعالم، ثم هو علامة على البعد المعنوي وتبدل الحياة ، وهذا ما يتكشف عبر الحركات الثلاثة التي تعتمد على القطار :

1- بداية من الماضي الجميل ، وبداية تشكل العلاقات الإنسانية الحميمة ، وحيث الزمن مازال متسعا والحياة قادرة على أن تمنح الشاعر الفرصة ليجدد علاقته بالأصول ، والناس ، والأشياء:

من عشر سنين . . تقريبا
كانت المسافة اللي بيني
وبين أهلي في البلد ...
تذكرة وكوباية شاي
مع جاري اللي ما عرفهوش
في قطر الدرجة الثالثة
اللي من غير شبابيك ص 96

2- ومرورا بلحظة التذكر لهذا الماضي البعيد ، الماضي المتبدل للأسوأ ، وحيث الزمن لم يبق على اتساعه ، والشوق يدعو للألم :

ويوحشني جدا
جاري اللي ما عرفهوش
في القطر اللي كنت ركبته
وأنا مسافر
وفي القطر اللي ماركبتوش
ما عرفش إيه اللي حصل للسكة الحديد ؟ ص 96

3- وانتهاء باللحظة الحاضرة ، حيث يصبح الألم محله القلب ، والزمن يجبر على النسيان بما يزرع من ألم :

حسيت بغزة ...
أسفل الرئتين
ونسيت تماما ...
جارى اللي ابتسم لي
في القطر اللي كنت ركبته
وفي القطر اللي ماركبتوش ص 100



فعل الموت

يتكئ الشاعر على الموت بوصفه فعلا ناجزا في البشر ، والأحداث ، والنصوص ، وبوصفه عنصرا يعد بمثابة الشخصية الأكثر حضورا وتأثيرا في كل شيء .

يبدأ حضور الموت من الإهداء الموجه للابن الراحل الدال على أن الموت يجري في الحياة فعله الإنقاصي ، حيث الموت ليس نهاية طبيعية للحياة المكتملة ، ولكنه الحاضر قبل الاكتمال :

" لحته من دمي ..
ابني اللي ما لحقتش أضمه ... وما شبعش من ضمي
هنا ... في حارة مخنوقة ... في قبرغريب
في ترب الدويقة " ص 3

ثم يأتي النص الأول موجها القارئ إلى عمر نجم الشاعر الصعيدي الراحل ، راسما صورة أخرى من صور الموت في فعله القاسي ، فالشاعر الذي يشعر بالفقد لأصدقائه يشعر باقتراب الموت ، فعمر نجم بعيد في موته ، والأحياء غائبون ، مما يعطي فرصة للموت لممارسة فعله البديل :

فارس خضر باينه ما جاش
مسعد
ما سقاش الورد اليوم ده
وأنا حاسس
إن الموت ف عروقي بينده
شايفه بيضحكلي ..
وشامم ريحة أحضانه
في ياقة قميصي ص 11

واللحظة المنقضية تنقل إلى لحظة الفقد الحاضرة الممتدة ، المشعرة بوطأة الزمن " ولسه كتير على آخر الشهر " ص 11

ولكن الشاعر المفتقد لهؤلاء الأحياء يلجأ للموت البديل بوصفه الملجأ من قسوة الحياة ، وهو ما يعبر بنا للصوت الثاني المشار إليه آنفا فالشاعر الذي لم يدبر ثمن الشبكة ، ويكتب قصيدة ، يتجه للموت :

" عن إذنك ...
يمكن موتي ...
يقدر يساعدني في تدبير المهر " ص 11

عندها يجعلنا الشاعر على يقين من أن الموت الذي يعنيه ليس الموت الذي أخذ الابن أو عمر نجم ولكنه الموت بالحيا (حسب التعبير الشعبي) ، فإذا ما استحضرنا الحوار بين الشاعر (الحي) ، وعمر نجم (الميت) ، كان علينا أن نعيد تصور دلالة التعبير (عن إذنك) ، فإذا كان الشاعر ميتا ، مشاركا عمر نجم في موته فليس هو في حاجة لأن يستأذن دخولا في حالة مغايرة ، ولكن التعبير (عن إذنك) يعرب عن مغايرة تنقلنا إلى موت من نوع آخر نشترك فيه مع الشاعر ، وما دمنا لسنا مشاركين عمر نجم في موته فنحن بالأحرى حالة الشاعر في موته المعنوي ، ذلك الموت الذي يرسمه الشاعر عبر حالة اللاتحقق التي يعيشها، وهو رغم صوته المعلن عن حياته يعرب عن حالته ، فقد عاش طويلا في حالة اعتدال غير مجدية ، اكتشف بعدها أن عمر نجم الميت حقق في موته ما لم يحققه هو في حياته :

" عدلتي طالت ...
ولا طولت أطولك
ولا كلمتي اتقالت ...
مجرجراني اللغة
للزمان اللي عدى
والصورة مش رسماني
في المدى ..... وردة
واللغز في الغمز..

طارحا صيغة ساخرة لبعض المفاهيم الأدبية ، والنقدية السائدة ، بوصفها عنصرا من عناصر الأزمة ، مشتبكا معها بصورة رافضة :

مش م النوع ولا عبره
نفسي مكروش
م الحساسية الجديدة
والقصيدة الجديدة
ومصر الجديدة
وكل الجديد ص 15

وفي نهاية القصيدة (عمر أبو نجم – النخل وأصحابه) يخرج الشاعر من خطابه لعمر نجم إلى خطاب جماعي دال يضعنا خلاله في المواجهة ، ويؤكد ما ذهبنا إليه سابقا ، وخاصة مشاركتنا الشاعر في حالة الموت المعنوي التي يعبر عنها بالاشتراك في غياب علامة الفعل (اليد) :

لا في إيدي إيد
ولا ف ايديكم أيادي
بيني وبينكم مسافة ...
والطريق مقطوع !! ص 16

ويفضي ختام القصيدة لمطلع القصيدة التالية (كل يوم) ، حيث الشاعر يزور قبره (الدال على البعد عن الحياة بما فيها ومن فيها) ، وهو الذي جرب الخوف بداية لم يعد يخاف الزيارة ، والقبر الذي يسأله عنه ، وترتفع القصيدة دراميا حتى تصل لذروتها عندما ينطلق الشاعر بالصرخة :

وكأني مت في حته تانية
مش كان قصاد الجميع
مش كان بكايا فظيع
والموت بيدهسني
طب ليه ماحدش حاسسني ؟! ص 19

حيث يكون السؤال بمثابة الصرخة التي يعلنها الشاعر في وجه الجميع إدانة ، وتحريضا على التخلص من حالة الموات التي يعيشونها ، مذكرا إياهم عبر خطابه لأنثاه ، أنه واحد من البشر ، نافيا عن نفسه الألوهية التي تجعلهم يرونه قادرا على أن يتحمل سطوة الحياة (صحيح كنت تاعباني الحياة) ، وقسوة اللامبالاة من الآخرين الذين عاينوه وهو يضيع دون أن يقدموا على أي فعل ، وضياعه لم يحدث فجأة :

لكني مش فجأة اختفيت
لكني مش فجأة اتبخرت
أنا لا تقدمت ولا تأخرت ص 21

وعند ختام القصيدة يؤكد الشاعر فكرة الحياة الناقصة المعلنة من قبل الشيطان :

الشيطان بيوزني
ويقولي عايش
ح تقولي إيه
شيطان وعايش ص 22

ويظل الموت مستمرا في تحقيق فعله عبر النصوص جميعها بصور شتى ، تتواتر في القصائد ، مباشرة ، أو غير مباشرة :

- في قصيدة " من طرف واحد" عبر العمر اللي راح .

- وفي " العيب في المنهج " عبر الأصحاب الراحلين :

ليه بتهرب خلف أحزانك
تفتش عن صحاب ؟!
ماتوا ..... استماتوا .... ص 33

- وبعدها في " أخيرا " : تموت بيوت الناس ص 40

- وفي " والدنيا شتا " يضيع الزمان (العمر) مما يجعل الشاعر ينادي على:

" حد يسلفني زمان " ص 45.

- وفي " الشوارع والليل وآخره " يستعذب الشاعر الموت الجماعي :

ما أحلى الموتة ...
لو تبقى الموته......جماعه ص 54.

وفي المقطع الأخير من القصيدة ، تموت المواعيد :

تدبل في جبيني المواعيد ...... وتموت ص 59

- وفي " واحد صاحبي قابلني استغرب " ، يصبح الموت غير متاح لمن هم في حالة الشاعر وقد فقد مقومات الحياة ، وعندما يخبره الطبيب بما يحتاجه لصحة جسمه :

" قلت أموت أسهلى :
قاللي : ما تعرفش
مش مصروفلك تفطس دلوقتي " ص 64

- وفي " حرق الدم " يغزو الموت الحواس : " ريحة موت ف حلقي " .

- وفي " جربت أموت كتير " يأتي الموت بوصفه حالة متكررة هي على مستوى الشاعر بوصفه فردا عادة متكررة ، أو هي تجربة حياتية ، وعلى مستوى الشاعر بوصفه رمزا للإنسان (الجماعة البشرية في تعدد أفرادها) يكون الموت قانونا له فعله الجماعي الدال على قدرته على الجماعة البشرية، والشاعر يصوره كائنا ذا طعم :

جربت الموت كتير
بس المره دي
كان طعمه غريب خالص ...
كان زي الموت بالضبط .... ص 76

والفعل نفسه يجري على الأب : " مات أبويا وكان طعم موته لذيذ " ص 79

ويظل تردد الموت بصيغه وحالاته المختلفة ، وفعله الذي لا يفرق فيه بين الأب والحبيية والقيمة ، إلى أن يبث الشاعر معادلته الكونية الكاشفة عن فلسفته لهذا الموت :" الموت زي الحياة " ص 84 .

وهي فلسفة تقوم بدور الممهد لصورة مغايرة للموت يقدم الشاعر في إطارها رؤيته الحميمية المعبرة عن رؤيتنا جميعا – شريطة أن نمتلك وعيا يقارب وعي الشاعر – رؤيتنا للشاعر الشاب طاهر البرنبالي .

في قصيدة " طاهر من حقه .. يموت " يطرح الشاعر صورة مدارها السخرية أولا ، والقمع ثانيا ، والقصيدة تستهل بالسؤال الحاد الساخر :

" إيه اللي عمله طاهر البرنبالي
غير إنه حب البلد دي .. موت ؟ ص 102

ولا يشفع للبرنبالي حبه أو تضحيته ، أو قلبه " وهوه بيشر محبة " ،أو أنه لجرح الوطن مندور ، فقضى عليه كبده ، أو تركوه فريسة لمرض الكبد :

" كبد طاهر عكس كدبه
كدبه اللي مجربهوش

ولأنه لم يكذب غاب ساعة الهيصة ، ولم ينتبه له أحد ، لسبب بسيط يضاف لكونه صادقا ، فهو فقط مجرد شاعر :

" يا ستي خليه يموت ...
حتى من غير نعي
هوه ابن مين في البلد
لا والده كان مرتشي
ولا أمه رقاصة
لا كان له صوت انتخابي
ولا رقم قومي
طب على إيه في ضلوعه بتساومي ؟.! ص 105

لقد تحول الموت إلى وسيلة للتخلص من أبناء الوطن المخلصين ، ولم يكن الموت بالنسبة للبرنبالي الذي يمثل الرمز الدال علينا جميعا سوى حالة من الترف المحرم علينا :

" استكترت على قلبه حتى الموت
مين اللي قال من حقه يموت ؟!
الموت ... ترف ص 109

لم يجعل الشاعر من الموت موضوعا يسرد حالاته أو يفلسفه أو يجعل منه فعلا قدريا ، أو يفسر فعله لمن لا يعرفه ، ولكنه حوله إلى تقنية لها فعلها وجمالياتها ، تحرك النص لمنطقة لا يمكن للمتلقي أن يتجاوزها في سياق الوصول للدلالة الكلية للنص الواحد أو للنصوص جميعها في آن واحد ، لقد تحول الموت لديه إلى فعل كاشف ، يعري الناس ، والمشاعر المزيفة ، ويفضح الأنظمة ، والقوانين المتكلسة ، والمبادئ المسطحة ، وقد نجح الشاعر عبر بكائياته الدالة في توظيف فعل الموت على مستويات : الموضوع ، والفكرة ، واللغة ، والصورة الشعرية ، كما برع في استخدام الموت بوصفه الكاميرا التي يوجه عدستها للوجوه المتحجرة فتحولها إلى صورة من الأشعة الكاشفة عن العمق الذي لا يقل تحجرا عن الظاهر ، وقد تميز بهذا الطرح عن الطرح التقليدي للموت في النص العامي ، حيث يقدم الموت بوصفه الفاعل القدري ، أو الفعل ذا الصبغة القدرية ، فيخرجه من هذه الصبغة إلى الصيغة الأكثر فاعلية ، والأكثر دلالة ، أو اتساعا في الدلالة مما يمنحه جمالياته الجديدة ، والمغايرة ، وهو اتساع يكافئ المساحة التي شغلها عبر الديوان فقد بدأ الشاعر بالموت الحقيقي (الابن في الإهداء ، وعمر نجم في القصيدة الأولى) ، وانتهى بالموت البرنبالي (القصيدة الأخيرة) ذلك الموت في دلالته الفاضحة على عصر يموت فيه الصادقون ، عصر يتخلص الوطن من أبنائه ، في تسلسل مخل ، عصر تتعدد فيه أشكال الموت ليصبح نوعا من التعذيب لمن لا يعرفون كيف يموتون بصورة مباحة تعبر عن حقهم في الحياة والموت ، ونوعا من العقاب للذين يراقبون الموقف عبر وعيهم المتأجج المراقب لصيغة وحيدة للتعامل مع الشعراء ، أن يتركوا للموت على قارعة القصيدة الوحيدة التي تشعر بهم وتحتضنهم من دون خلق الله .

ويضاف لفعل/ أفعال الموت خلق حركة السرد والتحكم فيها ، وذلك على مستويين :

- السرد بمعنى الإحكام ، حيث خلق الموت خيطا رابطا ، محكما للنصوص ، جاعلها نصا واحدا متعدد الزوايا والوجوه .

- السرد بمعنى الحكاية حيث البساطة في الطرح ، واعتماد الحكاية في بساطتها من ناحية ، وفي سيطرتها على المتلقي من ناحية أخرى ، الأولى الحكاية المكتملة ، وهذا ما نجده في كثير من النصوص كما في القصيدة الأخيرة التي تستفيد من السرد التقليدي في خلق حكاية منتظمة على خط الزمن .

والثانية يستفيد النص فيها بتقنيات المشاهد السينمائية ، ونجده في قصيدة " الشوارع والليل وآخره " حيث المشاهد تتوزع على ثلاث حركات يمكن تعديل ترتيبها لتقرأ بصور مختلفة دالة في كل مرة ، نستدل عليها بالعناوين الفرعية الثلاثة (شارع عمومي – شارع جانبي – حارة سد) .

لقد نجح الشاعر في تشكيل نصه بصورة تنضاف إلى رصيده الشعري ، وتشكل مع نصوصه الغنائية تفاصيل تجربته الشعرية المتميزة ، المعبرة عن صوت شعري أصيل يوظف وعيه لصالح الحياة والناس والقيم الإنسانية .

هكذا فعل الصعيدي الذي حمل الصعيد بتفاصيله كلها إلى المدينة الخارجة من رحم الأسطورة ، وأكمل للمدينة نقصا اكتشفه فيها ولكنها لم تقدم له إلا أصدقاء منذورين للموت ولكنه لم يقف أمام الموت متفرجا ، وباكيا ، فالصعيدي (الذي لا يموت داخله) استثمر الموت نفسه ليمنح نصه البقاء ، في حركة تسعى لمصارعة كل قوى الموات .


د. مصطفى الضبع / مصر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://saidshehata.blogspot.com
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

كبرياء النخل   مصطفى الضبع Empty
مُساهمةموضوع: رد: كبرياء النخل مصطفى الضبع   كبرياء النخل   مصطفى الضبع Icon_minitime14/8/2007, 18:34

جميل يابطل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيد شحاتة
مشرف مؤسس
مشرف مؤسس
سعيد شحاتة


ذكر عدد الرسائل : 665
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 16/04/2007

كبرياء النخل   مصطفى الضبع Empty
مُساهمةموضوع: رد: كبرياء النخل مصطفى الضبع   كبرياء النخل   مصطفى الضبع Icon_minitime15/8/2007, 22:11

أى خدمة يا بطل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://saidshehata.blogspot.com
 
كبرياء النخل مصطفى الضبع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: الرؤى :: رؤى العظماء-
انتقل الى: