[color=red]حرم التّل
التل الصغير يقف متثاقلاً على الطرف الشمالي للقرية المتناثرة ,خليطاً غير متجانس من البيوت الترابية القديمة, التي هدّم معظمها المخطط التنظيمي الأعمى , والبيوت ال(حديثة) المبنية على عجل بالإسمنت,وفيلا تشمخ وسط البيوت المتداعية, مبنية بالحجارة المنتزعة من منطقة أثرية في الجبل المتاخم للصحراء,
وقف حمّود أسفل التل متأملاً أشجار الزيتون المحمّلة بالثمار التي اقتربت من النضوج منذ عام وهو ينتظر موسم القطاف ...ماذا سيشتري للأولاد , ولزوجته,وسيحاول ـ بما ـ سيتبقى اصلاح سقف البيت ليصمد في الشتاء القادم .فالراتب التقاعدي لايكفي لدفع فواتير الماء والكهرباء والغاز والهاتف .
تذكر للحظة أيام الطفولة وهو يرى جموع الأطفال الذين يتزاحمون على القمة الترابية وهم يرفعون عالياً دواليب الهواء البلاستيكية في وجه الهواء لتدور ,وتدور.
البارحة مرّ موظف متنأنق , وبصق كلامه مستعجلاً:
عليك ان تقتلع الأشجار على بعد خمسين متراً عن حرم التل.
قال حمود وهو يبلع ريقه : نقلع الأشجار ! هل تمزح ياأستاذ؟
نظر الأستاذ نظرة حارقة وقال :بلا أكل هوا, بعد غد سنأتي مع دورية من الشرطة وسترى كيف يكون المزح
ومضى ,مستعجلاً. فكّر حمّود ... حرم التل ...هل اشتكى التل من وجود الأشجار , وماهو الضرر الناتج عن وجودها,يلاّ لابد أن الأستاذ يمزح أنّه يريد (اللي فيه النصيب) كباقي الموظفين والشرطة الذين يحملون التبليغات الرسميّة لأهالي القرى.
ثلاثون عاماً وهو يعلم الأطفال كيفية العناية بالشجرة......وشجرة, شجرة , اغرس شجرة, وأعياد الشجرة التي مرّت والإحتفالات ,والخطابات في التلفزيون ,والراديو :لايمكن أن يكون جاداً ذلك ( الأستاذ)
وبعد يومين فوجىء حمود بسيارة المخفر تقف امام البيت , صرخ أحد الشرطة , (شو ياأفندي ليش ماقلعت الشجرات ؟شو ماحدا معبي عينك)... بلع حمود ريقه بينما كان الشرطي يجره باتجاه السيارة وعندما وصلت إلى التل قفز حمود واحتضن أقرب الأشجار إليه (وقال الكريم :خود) كما يقولون في القرية وشحطه الشرطة , وبدأ البلدوزر ـ الذي سبقهم إلى الموقع بقلع الأشجار التي كانت تزعج السيد التل, والسيد موظف الآثار , والسادة الشرطة,تذكر حمود مشهداً مشابهاً, ولملم جراحه وبدأ يغني بصوت متقطع موجوع :بلادي,بلادي بلادي وانخرط في نشيج طويل
[color:cd4e=red:cd4e]