علاء الأسواني : أكتب رواياتي وكأني أقود عشرة خيول في ماراثون طويل
حاوره : - إبراهيم شعبان
الدكتور علاء الاسواني حدوتة أدبية مصرية، بدأ كتابة الادب قبل ستة عشر عاماً 1990 عندما انتهي من كتابة روايته القصيرة أوراق عصام عبدالعاطي وذهب بها الي الهيئة العامة للكتاب يطلب نشرها بلا اسم كبير يسنده او واسطة تقوي موقفه فرفضوا نشرها إلا اذا كتب اقراراً علي نفسه يتبرأ فيها من اقوال عصام عبدالعاطي فاستجاب الاسواني لرغبتهم وكتب الاقرار الفضيحة رغم انه حاول جاهداً ان يفهم مسئولي الهيئة ان هناك فارقاً كبيراً بين اقوال كاتب مقال ورأيه وآراء شخصية ادبية مثل عصام عبدالعاطي ومع ذلك رفضوا النشر إلا بعد حذف الصفحات الاولي من روايته فرفض علاء الاسواني وذهب ليطبع من الرواية القصيرة 300 نسخة علي حسابه الشخصي واعطاها لناشر لتوزيعها لكن سرعان ما تعثرت أحواله المادية وتاهت الرواية.. وانقطعت اخبار علاء الاسواني الادبية حتي فاجأ الجميع بروايته الظاهرة عمارة يعقوبيان قبل ثلاث سنوات ونصف فاكتسح سوق الادب بعدما تخطت توزيعات الرواية اكثر من 100 الف نسخة في السوق المصري و140 الف نسخة في فرنسا وترجمت الي 16 لغة وتحولت الي فيلم سينمائي ولاتزال حديث الصالونات والندوات الادبية داخل مصر وخارجها.
بعدها بعام اصدر الاسواني مجموعته القصصية القصيرة نيران صديقه وطبعت ثلاث طبعات خلال عام واحد.
وقبل عدة اسابيع اصدر الأسواني روايته الثانية شيكاجو فأصبحت هي الاخري حديث الساحة الادبية بعدما نفدت منها ثلاث طبعات خلال أقل من شهرين بما يعني نفاد 120 الف نسخة.
قابلنا الاسواني في عيادته التي يتخذها مكتباً له ايضاً.. لنسأله عما رواه عن مصر الحديثة والعالم السري للانتخابات والصفقات المشبوهة واختراق دائرة رجال السلطة الاقوياء وفضحهم ومجتمع المهمشين والمهاجرين من مصر الي امريكا ... فكان هذا الحوار الذي غاص في اعماله الادبية الثلاثة:
كيف تكتب رواية ناضجة ؟ وكيف جاءت فكرة رواية شيكاجو.. وما هو تفسيرك لحالة الاحتفاء الشديدة بعمارة يعقوبيان حتي الان؟
- اولاً نجاح الرواية او عدم نجاحها شيء ليس في يدي ولكنه من عند الله سبحانه وتعالي، واجبي ان اصنع افضل ما لدي فقبل عمارة يعقوبيان جلست 10 سنوات اتعلم كيف اكتب رواية كبيرة، وهي اعقد انواع الكتابة الادبية علي الاطلاق وذات تكنيك معقد جداً، خلال هذه الفترة كتبت اكثر من مشروع روائي لكني فشلت.. فجأة تموت الشخصيات علي الورق ولا استطيع الاستمرار وتتحول الكتابة الي مادة ادبية سخيفة فأبدأ في دراسة سبب فشل هذه المشاريع لاضع يدي علي الحقيقة حتي تكونت لدي خبرتي الخاصة في كتابة الرواية الكبيرة، فكتابتها تشبه فارساً عظيماً يقود عشرة خيول في وقت واحد ليقطع بهم مساراً معيناً.
اما عن شيكاجو فقد فكرت فيها في اليوم الاول الذي نزلت فيه للولايات المتحدة الامريكية لدراسة الطب في جامعة الينوي عندما رأيت لاول مرة افتح فيها النافذة امريكيين يبحثون في الزبالة عن شيء يأكلونه فأنزعجت وبحاستي الادبية احسست ان هذه تجربة مهمة قد لا تتكرر ويمكن استغلالها فيما بعد في مشروع ادبي فأجبرت نفسي علي الانفتاح فيها وتجولت في كل شوارعها واحيائها حتي اكاد اعرفها مثل القاهرة تماماً.. واختلطت بالمهاجرين المصريين وذهبت لجمعيات العدميين حتي تكونت لدي مادة ادبية جيدة خلال الثلاث سنوات الاولي اللاتي قضيتها هناك.. في اواخر الثمانينات صحيح انني ذهبت كثيراً فيما بعد لكن تجربة السنوات الثلاث الاولي.. اهم فترة.
اما عن يعقوبيان فأحمد الله انها قد اثارت كل هذا الجدل والترحاب وحتي الامس فقد كان المركز الثقافي الفرنسي يحتفي برواية يعقوبيان ومؤلفها والفيلم الذي أخذ عنها بنفس الاسم واعتقد بأمانة ان سبب نجاحها من وجهة نظري في أذهان المثقفين والأدباء انه لا احد يقرأ الرواية في مصر أو علي الاصح ليس هناك قاريء ادب من هنا فقد تاه الادباء من وديان الحداثة والالغاز مما ادي بالناس لان ينفضوا عن هذا النوع من الادب غير المفهوم.
ولذا فقد كنت ولا أزال علي عداء مع هذه الكتابة العدمية التي اعتبرها سقيمة جداً وتدور في سياق اجتماعي وثقافي غير مألوف لنا علي الاطلاق.. لذا فعندما جاءت يعقوبيان مختلفة نجحت مع الناس وهذا احد الاسباب..
في شيكاجو ويعقوبيان ونيران صديقه ان لا تصطاد فنياً من المجتمع الا الشخصيات الحانقة المفعمة بكره مصر واحتقار الوضع الحالي... ما هي اسباب ودلالات هذا الاختيار؟
- اولاً.. من يرددون هذا الاتهام اناس لا علاقة لهم بالادب.. فالادب لا يعترف بالنماذج الانسانية النمطية الموجودة في مسلسلات التلفزيون فاما شخصيات طيبة للغاية واما اشرار مجرمون.
الادب نظرته اوسع من ذلك بكثير فهو يتابع الصراع بين الخير والشر ولا يتقصد شخصيات بعينها ولا يصح ان تسألني مثلاً لماذا لا تظهر شخصية طيبة في اعمالك، وبصدق شديد فأنا لا توجد عندي شخصيات سيئة فقط شخصيات محبة للحياة ولكنها تعاني وظروفها اقوي منها فتسقط وتحاول الوقوف من جديد وهذا هو الادب.
وعندك مثلاً الطبيب القبطي كرم دوس جراح القلب الشهير في شيكاجو الذي يصف البيئة المصرية بالتخلف والفساد.. وهذا ان كان حقيقياً من وجهة نظره ونظري... فان له دوافع فكرم دوس تعرض لاضطهاد حقيقي لكونه قبطياً من رئيس القسم المسلم في جامعة عين شمس الدكتور عبدالفتاح بلبع، رغم ان هذا الاضطهاد لم يكن له اي مبرر ومع ذلك فهو يحب مصر للغاية واوضح طارق كيف بعث بفاكس لجامعة عين شمس يعرض عليهم ان يأتي زيارة لمصر يعالج فيها المرضي المصريين دون اجر لكنهم رفضوا مجيئه.
وفي نيران صديقة مثلاً فعصام عبدالعاطي الذي قدم صورة قاتمة لمصر للسائحة الالمانية فقد كان يعاني من حالة اضطراب نفسي انتهت به الي المصحة وازعم اننا نمر بها جميعاً فالقمع والاحباط والفساد قد تدفع بك الي ان تقول مثل هذا الكلام من وراء قلبك .
فالذهاب الي المصالح الحكومية وممارسة التعذيب اليومي علي الناس العاديين امام المخابز والمصالح الحكومية وغيرهما قد يدفع بك الي القاء اللعنات.
لكن عصام عبدالعاطي يحب مصر جداً وهذا الايغال في اللعن جاء من محبة قوية ثم خيبة امل.. فهو يحب هذا البلد ولكنه خيب أمله.. فجاء رد فعله قاسياً.
الجنس في روايتك الجديدة شيكاجو جاء اكثر من المرات السابقة.. فكل المصريين حطمهم الجنس..، لماذا أسرفت علي هذا النحو؟ وهل الجنس عاهة مصرية؟
- في رأيي.. الجنس لا يستعمل الا كوسيلة للكشف الانساني.. فلا يمكن ان تتفاعل مع الشخصيات الروائية دون ان تتطرق الي مشاكلها الجنسية والنفسية وهذا واضح مثلاً في علاقة أحمد دنانة عميل المباحث ومروة فالادب فيه كشف انساني وليس فيه تورية..
اما طارق وشيماء في شيكاجو فهما يحملان كل عقد المصريين الجنسية، ماذا نريد من شاب وصل عمره الي 36 سنه ولم يلمس امرأة واول مرة لمس امرأة بكي.. هذه حالة انسانية تلفت نظري فالجنس عندي شيء انساني وليس هدفاً في حد ذاته ولم يكن المحرك الرئيسي للاحداث، كما كتب اخرون رغم احترامي لرأيهم.. ولكن البحث عن الشرف كانت هي الفكرة الرئيسية، فالجنس جزء من حياة الناس وهو جزء ليس بقليل وخصوصاً في العالم العربي.
وحاولت في كتابتي لبعض التفاصيل الجنسية في شيكاجو وقبلها يعقوبيان مثل العلاقة التي ربطت بين الحاج عزام وزوجته.. ان اكتبه بطريقة غير جارحة للذوق الادبي والحياء وامامنا الله سبحانه وتعالي في وصفه لعملية جنسية في سورة يوسف عندما يقول وغلقت الابواب، وقالت هيت لك... قال معاذ الله صدق الله العظيم.. ففهمنا انهما يقفان في قاعة كبيرة ومن شدة التوهج الجنسي والشبق اخذت امرأة العزيز تجري ناحية الابواب وتغلقها واحداً تلو الاخر.. انا لست ضد الجنس ولكن لابد من كتابته بطريقة راقية وان يكون موظفاً، والضجة التي اثيرت قبل سنوات بشأن عدة روايات جنسية كان الناس فيها علي حق لان كتابها كانوا يقصدون التهييج فقط وكان الجنس مقززاً للغاية.
كتبت يعقوبيان وشيكاجو كانعكاس مباشر للازمة السياسية والاجتماعية الحالية في مصر.. الا يعد هناك مضاد لفترة الاختمار الفني الذي يجب أن تمر به الروايات الادبية؟
- انا لا اكتب رواياتي بغرض السياسة فأنا والحمد لله معروف ككاتب سياسي ولي مساحات في اكثر من جريدة.. لكن هذه طريقتي في الكتابة.. تعلمتها خلال 10 سنوات.
فأنا اهتم بشخصياتي الادبية جداً وأتعب عليها كثيراً حتي أشعر انها موجودة فعلاً وكأنني أراها وأسمعها ثم ادفعها قليلاً في اتجاه الدراما وبعدها تحدث لحظة من أجمل لحظات الكتابة عندي عندما أصل لمنتصف الرواية فأفقد سيطرتي تماماً عليها وتختار نهايتها بيدها.. وهذه حقيقة وليست مبالغة وفي هذا فأنا اعتز بكلمات أحد أكبر الناشرين الايطاليين وهو بالمناسبة ناشري في ايطاليا الذي قال إن هناك روايات حية وهناك روايات ميتة وأنا لا أنشر إلا الروايات الحية وهذه الكلمة بالضبط هي المعبرة عن حقيقة اعمالي، وانا لا اكتب رواية سياسية الرواية عندي بغرض انساني بحت.. ووصف البعض رواياتي بأنها منشورات سياسية وأعمال نضالية وصف سخيف لا يستحق الرد عليه فهناك كثير من الاعمال الادبية التي تتكلم في السياسة اكثر مما اروي ومع ذلك تفشل.
اما أنا فالحمد لله شيكاجو اثبتت ان هناك قارئاً جيداً للادب في مصر.. ومبيعات يعقوبيان المرتفعة حتي اليوم دليل علي تعلق الناس بهذا النوع من الادب وهذا يشرفني.
أنت دائم الهجوم في اعمالك الادبية علي النظام السياسي في مصر .. لماذا ؟
- لانني أري عيوبه وعندما اسافر الي الخارج اعود مكتئباً وهناك عدة ظواهر تؤلمني.. في مقدمتها غياب الديمقراطية وهي في رأيي الآفة الاصلية التي نعاني منها في مصر... فأنا تعلمت في واحدة من اكبر 10 جامعات في امريكا وعايشت المجتمع الغربي وادركت تماماً ان الشخص المصري أو العربي لا يقل اطلاقاً في مهاراته وقدراته وملكاته عن أي مواطن غربي... بدليل أن المصري عندما يسافر الي الغرب وتتوافر له الظروف المناسبة للنجاح والابتكار والابداع يقدم افضل ما لديه.
لكنه غير متواجد في مصر علي الاطلاق لعدم وجود الديمقراطية، لقد جربنا كل نماذج الحكم وكل فلسفات الحكم من أقصي اليمين لأقصي اليسار في مصر والعالم العربي ولم نجرب الديمقراطية مرة واحدة ولا امل لنا بدون ديمقراطية وكل ما نفعله خارج الزمن وهذا سبب انتقادي... اضف الي ذلك حكمنا طوال اكثر من 25 سنه بقانون الأحكام العرفية لذا فقد ابتدع محامو الشيطان وترزية القوانين لفظة الطواريء لتكون اقل وطأة... هذا القانون يعطل القوانين الحقيقية ويعطي لقوات الامن حق الاعتقال بدون محاكمة.. ألا تري ان كل هذه الظواهر تحتاج الي نقد..
المزج بين العامية والفصحي في اعمالك الادبية لاتزال تواجه بانتقادات قاسية؟
- انا اوافق علي هذه الانتقادات وانا لست من انصار استخدام العامية الصرفة في الحوار واسعي دائماً للكتابة باللغة الثالثة التي تستطيع ان تقرأها بالفصحي لكنها مع ذلك تتبادر الي ذهنك بالعامية.. لانني اعتز بالفصحي واري انها رباط حقيقي بين ابناء الوطن العربي... لكن هذه اللغة الثالثة من أصعب ما يمكن فكيف اختار لغة فصحي متعارفاً عليها ولا تخرج الشخصية من سياقها الدرامي.
الرواية عندك لا تخلق الا في اجواء واقعية تماماً.. كئيبة بعض الشيء؟
- اكتب بالطريقة التي احب الكتابة بها وهذه كانت احدي مشاكلي من البداية انني اكتب بطريقة لا يرضي عنها بعض النقاد والمولعون بنقل مدارس الكتابة الغربية.. انا اكتب كما يعن لي وهذه حريتي وللقراء نفس الحق في ان يقبلوا او ينصرفوا عن العمل.
في شيكاجو اثرت مشكلة الانتماء الذي اصبح صعباً علي بعض ابناء الوطن.. فهل الاقتراب روائياً وبقسوة من هذا الواقع يعدله؟
- طبعاً وانا اشكرك علي هذا السؤال، فهو احدي مفردات التذوق الادبي.. لأن الادب له خاصية جميلة فهو يستطيع ان يصل الي الهدف باستعمال عكسه.. بمعني ان القسوة في نقد الانتماء وقد ظهرت ايضاً في مجموعتي نيران صديقة.. تؤدي بالقاريء الي زيادة الانتماء او اعادة التفكير في مسلماته وهذا في النهاية يصب في مصلحة الفكرة الوطنية وهذا السؤال الذي طرحته عجز عن فهمه نقاد يفترض انهم محترمون.
اخيراً.. ألم يحن بعد وقت التفرغ للادب؟ كيف تنجز مشاريعك وسط مشغولاتك المهنية؟
- لن اغلق عيادتي الطبية لانني افتحها لسبب انساني جداً وهي ملتقي اصدقاء وزملاء واهالي من مختلف الاوساط والطبقات، والحمد لله ان هناك بعضاً من زملائي الاطباء يساعدوني في العمل اثناء السفر لتوقيع عقود ترجمة أو نشر وقد تعودت ان اكتب وهي موجودة وهي لا تعوقني عن الابداع.
--------------------------------------------------------------------------------
القاهرة - الراية - إبراهيم شعبان