الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

للإبداع الأدبي الحقيقي بحثا عن متعة المغامرة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حوار مع الشاعر الكبير محمود درويش(3)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمدي علي الدين
المدير
المدير
حمدي علي الدين


ذكر عدد الرسائل : 1252
تاريخ التسجيل : 15/04/2007

حوار مع الشاعر الكبير محمود درويش(3) Empty
مُساهمةموضوع: حوار مع الشاعر الكبير محمود درويش(3)   حوار مع الشاعر الكبير محمود درويش(3) Icon_minitime16/4/2007, 18:38

* إذا صدق حدسي، كأنك تلمح إلي ما يلحقك من إيذاء داخل الخريطة الشعرية الفلسطينية...

أنا أتعرض فعلا لحملة قاسية جدا من أغلبية الشعراء الفلسطينيين. لا أشعر أن لدي مشكلة مع الشعراء العرب، ولكنني أتعرض دائما لتشهير، وتكفير، وتخوين من أغلب شعرائنا الفلسطينيين، وأدعي أنني لم أقرأ ولم أسمع.

لكنك، وأنت تتابع وتقرأ وتواكب دبيب النمل في القصيدة العربية الحديثة والمعاصرة، لا شك أن هناك ما يدهشك فيها، وبعض ما يعجبك فيها. فما هي هذه الملامح أو الخصائص التي تثير إعجابك في هذه القصيدة؟

** يعجبني كثيرا إعلاء شأن اليومي والعادي، وانتهاء البطولة اللفظية في الشعر العربي. انتهي زمن الفروسية الشعرية وتمجيد البطولة بكل معانيها. ولا أَمَسُّ هنا معاني الوطنية، بل أشير إلي نموذج الشعر ـ البطل أو الشعر ـ النبي...

إن تكسير أو تفكيك هذه الصورة هو الجانب الجميل والثوري من مشروع الشعراء الشباب. وذلك بإعلاء شأن اليومي والهامشي والعادي. ولكنني لا أحب الإسراف في البحث المضني عن اللامعني لدي كثيرين منهم. إن بعض الشعراء الشباب ـ للأسف الشديد ـ يبذلون جهودا طائلة من أجل أن يكونوا غامضين. والغموض قد يكون طبيعة ملازمة للعمل الشعري، والشاعر عندما يكتب إنما يكتب لكي يوضح نفسه لا ليبحث عن غموضها. الغموض يأتي في سياق العملية الشعرية، لكنه ليس هدفا.

قلت لك ما يعجبني، لكن ما لا يعجبني هو الإسراف في قول اللاشيء وتزيين الكلام بمفارقات أصبحت جاهزة. لا يعجبني لدي البعض هذا الإصرار علي أن يكتب قصيدة لا تقول شيئا.

ويعجبني أيضا التخفيف من الادعاء البلاغي والبحث عن بلاغة جديدة، وإشراك القارئ في معرفة كيف تُكْتَبُ القصيدة. طبعا، في ذلك مكر خطِر جدا. هذه ليست لعبة شكلية، بل يجب أن تحمل معني آخر.

هناك نقطة أخري، حول شعرية التفاصيل وهي مقولة سادت كثيرا في الخطاب حول الشعرية العربية الحديثة. لا شك أن التفاصيل قد تشكل أو تكون الظاهرة، لكن تفاصيلنا أحيانا لا يكون هناك رابط بينها. فأنت عندما تقرأ القصيدة لا تجد تفصيلا واحدا يحمل معني أسطوريا ـ كما يمكن أن نجد ذلك مثلا في شعر يانيس ريتسوس ـ أو معني ميتافيزيقيا. لا تجد أن هذا الجزء التفصيلي الصغير يحيل إلي ما هو أكبر منه أو إلي ما هو خارجه. وهذه لعبة شعرية تحتاج إلي ذكاء أكبر مما يتصورون، وإلي معرفة أعمق قد لا يملكها هؤلاء الذين يقولون عن أنفسهم إنهم شعراء التفاصيل. أية تفاصيل؟

وما هو الضوء الذي يوجد وراء هذه العتمة؟ وما الذي يحمله مثلا ظل الحجر؟ هل يحمل تاريخا ما، أسطورة ما، معني ما ورائيا...أم ليس هناك شيء نهائيا، وأن هناك لقاء مصادفة بين الشباك مع زجاجة الماء مع ورقة الشجرة التي سقطت في الطريق؟ أعرف أن هذه الأشياء وغيرها يمكن أن تجمع، ولكن ينبغي أن يتوفر لها شاعر له رؤية ومعرفة، فيؤلف شكلا وماهية بهذه العناصر التي لا تبدو مشتركة ويمكن أن يربط بينها خيط مشترك إذا تهيأت له رؤية شعرية.
* محمود، كما أشرتَ الآن وكما تلح دائما، أنت لا تحب المعني الجاهز في إنجاز القصيدة. وأيضا، تلح علي ضرورة البحث عن المعني.

فكيف تتم هذه العملية الدقيقة والعميقة في بحثك عن معني شعري؟

** أصدقك القول، أحيانا أكتب تحت ضغط حافز ما كأن أكون فرحا بشيء ما صغير، وكأن أصحو أحيانا وعندي فرح بأن لدي ما أقوله أو ما أكتبه، لكنه غير واضح، وغير محدد. فأجمل كتابة هو أن يأخذك هذا الحافز الانفعالي أو العاطفي أو النفسي إلي كلمات هي التي تعثر علي علاقة بعضها ببعض. ولذا فالفكر الذي يكون محضرا سلفا للقصيدة، تغيره عملية الكتابة بفكر آخر. إن الكتابة لها فكرها الخاص الذي يتمرد علي الفكر السابق للقصيدة.

بهذه الحالات، وهي قليلة جدا، يكون ما ليس معروفا سلفا أفضل مما حدد سلفا. وقد تذهب إلي القصيدة بفكرة شعرية جاهزة فتكتبها بسرعة شديدة، لكنك تكتشف أنها تفتقر إلي الطريق إلي المعني. أي أن المعني في هذه الحالة كان سابقا للبحث عنه. وأعتقد أن المعني الحقيقي للشعر هو الطريق إلي المعني وليس المعني الجاهز سلفا. المعني الجاهز هو أن تمسك بهذه المادة الذهنية أو الروحية فتضعها في قالب جاهز كما لو كنت تصنع خزفا. أما حين يكون المعني قيد التشكل، ويجد نفسه طوع نفسه، ويعتمد علي نفسه في اختيار استعارته وصورته وموسيقاه وختامه؛ آنذاك يتحقق أجمل الشعر.



* في شعرك، هناك حضور قوي جدا لِثِيمَة (موضوعة) الشهيد. وطبعا، فهي لحظة رفيعة من حيث أبعادها الإنسانية والأخلاقية والإستعارية والرمزية، أو من حيث التعبير والموقف النضالي والجمالي، في المسار الفلسطيني والعربي، وحتى في تاريخ قصيدتك.

سؤالي هنا تحديدا عن طبيعة وسيرورة علاقتك بالشهيد، وبالشهادة والاستشهاد عموما. كيف تنظر إلي هذه العلاقة؟ وكيف تكتب شعريا عن شهيد معين؟ هل لطبيعة وفداحة الاستشهاد أم لابد أن تتوفر قرابة شخصية أو إنسانية بين الشهيد وبين قصيدتك، كأن يكون صديقا لك أو لك سابق معرفة به أو ذاكرة مشتركة أو رمزية خاصة؟

** كتبت مرة في بيروت أهدد أصدقائي بأنني سأسميهم خونة إذا ماتوا، في قصيدة سنة أخري فقط.

ومن فرط ما فقدت من أصدقاء ماتوا أو استشهدوا حتى كدت أتحول إلي شاعر مراثٍ، رجوت أصدقائي أن يتوقفوا قليلا عن الموت. للأسف، فإن هذه الأمنية لم تتحقق. وهي أمنية شريفة (أن يتوقف الناس عن الموت)، وليست خيانة وطنية، بل بالعكس هي دفاع عن الحياة وعن الحق في الحياة. وللأسف الشديد، فإن تطور القضية الفلسطينية يجري بطريقة نزداد معها شهداء.

أظن أن اللغة تشابهت من كثرة الكلام عن الشهداء. ويكاد هذا الكلام الذي غدا واجبا وطنيا، يصبح غير أخلاقي. بمعني أن الواجب يقتضي أن نتكلم عن حياة من يستشهدون، عن حياتهم المفقودة وليس فقط لتقديس أو تمجيد عملية الاستشهاد، وإلا سيتحول الشهداء إلي أغراض، ويصبح الخطاب الشعري حولهم نوعا من مساهمة الشعر في القتل.

علي الشاعر أن يحزن لأنه يكتب عن الشهادة، ولا ينبغي أن يفرح لأنه عثر علي موضوع. وقد كان لدي صديق (لا أريد أن أسميه)، كان قد أصيب بحالة جفاف شعري. ولما استشهد أحد أصدقائنا، قال: ربنا رزقني بقصيدة!. ولكن مهما تفلسفنا، يا حسن، ومهما تكلمنا عن هذا الموضوع، فإن علينا أن نتكلم باحترام غير عادي عن الذين يقدمون حياتهم، حتى لو لم يعرفوا بأنهم يقدمون حياتهم من أجل قضية كبيرة. ودعني أعطك مثلا آخر عن هؤلاء الذين قتلوا في الحرب الأهلية بغزة. والمشكلة هي كيف تسمي من ماتوا، شهداء أم ضحايا؟ عندما يقتل الأخ أخاه، هل يكون المقتول شهيدا والقاتل قاتلا؟ والحال أن القاتل ضحية والقتيل ضحية.

إن كثرة الاستشهاد عندنا، وكثرة الموت عندنا، أصبحت تضغط علي الضمير الشعري، وعلي اللغة الشعرية. لذلك، تلاحظ أنني أكتب عن الموت العادي. كأن ليس من حق الفلسطيني أن يموت موتا عاديا، بسبب مرض أو في حادث سيارة أو بسبب شيخوخة مثلا. كأن الفلسطيني صار محروما من الموت العادي. لكنني لكي أكتب عن شهيد، يفترض أو ينبغي أن أعرفه لأنه ليس فكرة. يجب ألا يتحول الإنسان إلي فكرة وإنما يجب أن يظل كائنا بشريا. ولذا لا أكتب إلا عن شهداء أعرفهم شخصيا، أو عن أصدقاء ماتوا موتا عاديا.



* محمود، ألا تري معي أن قراءك قلما ينتبهون إلي قوة حضورك الشعري في كتابة النثر. تعجبهم النصوص ويقرؤونها، لكنها لا تظل حاضرة بنفس القوة التي يظل نصك الشعري حاضرا بها في الوجدان، في الذاكرة، وعلي مستوي التداول والتخاطب، وفي رسائل الحب المتبادلة أيضا.

ومنذ صدور كتابك ذاكرة للنسيان، ومع صدور عملك الجديد في حضرة الغياب بالخصوص، بدا لي أن اهتماما نقديا وإعلاميا واسعا بدأ يحيط بشعرية نثرك.

أنت، كيف تتعامل أو كيف تقرأ أو تتمثل هذه اللحظة في مختبرك الشعري والجمالي؟ أقصد، اللحظة التي تترك فيها قصيدتك جانبا وتنتقل إلي قارة النثر. هل تفعل ذلك بقرار معين قد يكون ناتجا عن تفاعل أو رد فعل معين؟

هل هو خيار تمليه استراتيجية جمالية معينة؟ هل هي استراحة من عبء القصيدة، إذا جاز لي القول، ومن مستلزماتها وإرغاماتها؟ وقبل هذا وبعده، هل تظل خلال لحظة الانتقال من الشعر إلي النثر داخل نفس المختبر ونفس الإحساس؟

** ربما كان الأمر هو كل هذا الذي قلتَه، وربما كان بعض ما قلتَه، وربما كان شيئا خفيا، وربما هو تطور الإحساس بأن القصيدة الغنائية الموزونة بالنسبة لكاتبها تقترب من احتمال أن تصبح نمطا. فإحياء الإيقاع من جديد، والذي قد يصبح مكررا، قد يتم عن طريق النثر.

وعندي قول أقوله دائما في مثل هذا السياق، وهو أن مَا يُضِيءُ القصيدة قد يكون أحيانا جملة نثرية أو كلمة عامية أو كلمة بسيطة جدا بدون أن تكون مبتذلة. هي التي تعطي أحيانا للقصيدة شعريتها، وأتحدث هنا عن الشعر الموزون.

كثير من القصائد المهمة تحولها جملة نثرية، لها طابع الجملة السردية، هي التي تحولها إلي بؤرة شعرية وتعطي للقصيدة وهجها.

هناك جانب آخر، وهو أنني بطبعي أحب النثر، لكن عدم انتباه الناس إلي ذلك هو تقصير مني ربما، إذ لم أعط للنثر صفة المشروع وإنما أكتبه من حين لآخر أو تحت ضغط الواجب عندما أضطر لكتابة مقالة أو خطبة أو كلمة في ندوة.

أنا شديد الرغبة في أن أجري مصالحة في نفسي أولا، قبل أن أجريها في نفوس الآخرين، بين شعرية النثر وبين القصيدة، وبخاصة أن تعريف الشعر، أو تعريف القصيدة لنفسها في العالم، أصبح يتسع لاختلاط أجناس متعددة في الكتابة. لم نعد نستطيع أن نقول هذه حدود القصيدة... أو قد نستطيع أن نقول هذه هي حدود القصيدة، ولا نستطيع أن نقول هذه هي حدود الشعر.

وأعترف لك أيضا أن تأثير جماليات قصيدة النثر عليَّ قد غيَّرني، وكأنني أريد أن أعتذر لعدم استيعابي المبكر لأهمية هذا المشروع. طبعا، لا أريد أن أكتبه، ربما - ولكن قد أكتب شيئا علي تخوم تعريف الشعر وتعريف النثر أو علي تخوم صعوبة تعريف الجنسين فأوفق بينهما أو أتقاطع بينهما.

ثمة نقطة أخري، وهي أنني لا أريد أن أكتب شعرا بوتيرة سريعة. أبتعد لكي لا يقودني إيقاعي. وقد تعتبر هذا استراحة أو إجازة تجريبية، وقد يكون هذا الكتاب هو كتابي الأخير، وربما قد لا أكتب شعرا. لا أستطيع أن أقدم ضمانات أو وعودا لأنني لا أضمن غدي، والشعر ليس مشروعا هندسيا أو تخطيطا علميا قد يمنحك ضمانات قابلة للتطبيق.

ورَاهِنًا، أنا أكتب يوميات تتوزع بين مقاطع نثرية وأخري موزونة، وقد تكون في جوهرها قصيدة نثر، علي الأقل كما أفهمها. وكما أصبحت أقترب من قصيدة النثر ولا أعبر عن أي تحفظ، فإن شعراء قصيدة النثر بدورهم مطالبون بأن يقتربوا من الوزن. ومثلما أري أن قصيدة النثر توسع ضفاف شعريتي، علي شعراء قصيدة النثر أن يجربوا لعل الوزن يوسع ويطور تجربتهم. لماذا هذه القطيعة؟ لماذا هذه المواقف الكفاحية والنضالية؟ لماذا يخوض بعض الأصدقاء الشعراء حروبا تشبه الحروب القبلية أو الطائفية؟

بالنسبة إليَّ، أنا أزاوج كتابة الشعر وكتابة النثر، ولا أعرف إلي أين سيقودني في ذلك. لكنني مرتاح لكتابة النثر كما أرتاح في كتابة الشعر، وهو خيار يعطيك طريقة تنفس مختلفة، ويعطيك حرية سباحة في بحر لا حدود له.


* في هذا السياق، كيف انبثق نصك النثري ذاكرة للنسيان، أثناء وجودك في بيروت 1982، رغم أنك كتبتَ في تلك اللحظة وفي تلك الفضاءات قصائد أساسية عن بيروت؟

** أعتقد أن النص النثري في ذاكرة للنسيان أفضل من كل ما كتبته عن بيروت شعرا. وهو نفسه شعر، مزيج من الروبورتاج ومن القصة ومن المسرحية ومن الشعر، وقد كُتِبَ بحرارة عالية جدا. كما أن فيه دينامية الكاميرا في التنقل، والتداعيات الحرة، والضغط الشديد.

ذلك النص كتبته لسبب بسيط جدا، ولم أكتبه لا بحثا عن شكل جديد ولا تأسيسا لخيار فني معين. كتبته لأحرر نفسي من الحنين إلي بيروت. ولعله أسرع نص كتبته، إذ أنجزته خلال شهرين عندما حبست نفسي في شقة بباريس...



* دعني أندس هنا لأسألك - وأنت تتأمل هذه العلاقة الجدلية والملتبسة والمعقدة في آن بين الشعري والنثري في تجربتك الأدبية والجمالية - لماذا تأخر استيعابك لقوة أو لجاذبية أو لجمالية قصيدة النثر رغم أنك كنت تعرف جيدا أن عددا من أصدقائك الشعراء، وعددا من كبار شعراء الإنسانية الحديثة زاوجوا بين الشعر الموزون وقصيدة النثر (بودْليرْ، رامْبُو، ريتْسوسْ مثلا)...؟

** لعلي أسأت التعبير عندما استعملت كلمة استيعاب ، فقد كنت من البداية أحب قصائد محمد الماغوط، ومن البداية كنت أحب كثيرا من قصائد أنسي الحاج. ومعني الاستيعاب هنا، أن تكون قصيدة النثر جزء من تجربتي. معني تأخر استيعابها، أي تأخر استيعابها في تجربتي.

هذا أولا؟ وثانيا من فرط السهولة والاستسهال في كتابة هذا الشكل بدون أدني وعي به. وإلي الآن، يمكنك أن تفتح الصفحات الثقافية في الصحافة العربية لتجد آلافاً، بل عشرات الآلاف من الذين يكتبون قصيدة نثر بدون أن تكون قصيدة نثر أصلا. فربما كان رد فعلي ناتجا عن هذا الاستسهال أو عن الروح النضالية المبالغ بها لبعض كُتَّاب قصيدة النثر الذين يصدمك لا فقط المستوي الإبداعي لديهم، وإنما أيضا ادعاؤهم النظري حين يتصورون أو يتصور بعضهم علي الأقل بأن بإمكانه أن يطرد أي خيار شعري آخر من الحداثة، أي خيار غير خيار قصيدة النثر ولا يُعَرِّفون الشعر إلا بهذا الخيار.

نقطة أخري، كنت وما أزال أعتقد أن الوزن الشعري لم يستنفد كل إمكانياته وأغراضه. ولو يلاحظ القارئ شغلي الأخير، هناك تطوير للإيقاعات داخل العروض العربي. ليس هناك حدود لاستثمار إمكانيات بحور الشعرية العربية، ولا أوافق علي أنها استنفدت كل أغراضها، بل مازال بوسعها أن تستوعب حتى ادعاءات قصيدة النثر.

الوزن نفسه يستطيع أن يستوعب الادعاءات النظرية لما يسمي بقصيدة النثر. وأنت تعرف مدي حبي للإيقاع المسموع، الإيقاع البصري إذا جاز التعبير، الإيقاع الموسيقي سواء كان خفيضا أو عاليا.

وربما لا أستطيع أن أعبر عن نفسي شعريا إلا بهذه الطريقة.



* محمود، في كتابك في حضرة الغياب نص لم تخف فيه شغفك العميق بالنثر، بشعرية النثر إن شئت، وحققت فيه مستوي من الارتقاء العالي الشفاف المضيء الذي يصل إلي حد تحقق قصيدة نثر بالمواصفات الشائعة التي نعرفها بها.

كيف تحققت هذه اللحظة في الكتابة؟ هل بسبب من ذهابك العميق المؤلم إلي أقصي درجات المحنة الجسدية أم ببساطة، بسبب حضور مكرك الجمالي؟

** إن موضوع المحنة الجسدية بكل تفاصيلها كتبته في قصيدة جدارية . ومشروع في حضرة الغياب لا علاقة له بهذه الأزمة، لكن هاجسي في هذا الكتاب كان هو إعطاء جماليات النثر العربي أقصي طاقاتها.

وكل هذه الأحزان في الكتاب كانت أمرا ثانويا، وما كان يعنيني أساسا هو ترقيص اللغة، والاحتفاء باللغة. كأنني أشتغل في مهرجان من الكلمات والصور والجماليات متحررا من أي اعتبار آخر غير الاعتبار الجمالي. كان هاجسي هو أن أطلق ما يمكن إطلاقه من مردة وحمائم وطيور اللغة العربية. كنت كأنني أكتب شعرا، وكل يوم كنت أكتب صفحة واحدة. وعندما كان ينتهي اليوم وتظل هناك جملة لم تنته، كنت لا أنهيها. كنت كل يوم أريد أن أؤجل الانتهاء من هذا النص لأنه كان يفرحني. كان يشعرني بأن فيه كتابة أخري غير النثر العادي، وغير القصيدة. كنت أبحث عن شكل آخر للكتابة، وجاء هذا النص نِتَاجَ لقاء جنسين، الشعر والنثر.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حوار مع الشاعر الكبير محمود درويش(3)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأولمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :: مغامرات إبداعية :: إنتقاء الذهول :: عصفور إرتطام الروح-
انتقل الى: