يقول سعيد شحاتة :
(1)
درويش أنا
وبقالى كام مليون سنة بسعى
بلضم ضفاير حلمى فى الحواديت
وبشيل وأحط فى أرضك الواسعة
وببوس عيونك ويا كل نهار
وبحن لك وأنا شايل القصعة
(2)
قلبك بيشبهنى
نبضك بيشبهنى
روحك شبه روحى فى شيل الهم
أنا وأنتى حبة دم فى زكيبة
يا معلمانى ازاى أحب النور
ومحسسانى تمللى بالخيبة
وقلت :
أليس من الغــريب أن تطــرأ علـــى وجوههـــم علامـــات التهكم و الانزعــاج ؟ فجأة 00وجدوهـــا ترتدي ثوبهـا الأسود و تزين ملامحها و لكن بألوان غاية في القتامة و الدكنة....الكـل يقـف مشرئبا , فان قرارها لن يكون في مصلـحة البعض لدرجة أن أحدهم مال على الأخر في استياء 0000
ـ تفتكر إنها هتـ0000
لكن أحد المجاورين له أوخذه لكمة أسمعتني طقطقة أسنانه :
ـ فال الله ولا فالك 0
حقا00 فهي منذ لحظات كانت تضاهى فتاة لم تتعـدى الخامسة عشر000غايـــةفي الهدوء والصفاء 00تشارك الكل أحوالهم المتقلبة 00بسيطـة جدا مع عبـده الفران و الأسطى محروس الحـلاق00 مضيئة في عينـي الشيـخ قدري الكفيــف شيـخ كتاب القريـة أينما وجد أمامـه صينيـة الفتة المعمـرة باللحم والزبيب ومتى اســتاقتـه قدماه ناحيـة سرادق أو شـادر لمناسبات الولائم والذبائح حيث لا يفوته عزاء أو تهنئة متشبثا بحجة "الواجب"
فقال سعيد :
(3)
زيك
مانيش لاقى ف أراضى الله عيون سودا
مولد يا ست الكل وبعودة
مولد وعقبال ميت سنة قدام
وتمام تماااااام
كل اللى فيكى صبح تمام
واحنا اللى ردينا لوره
مستنظرانى ازاى
وليه مستنظرة ؟
ما خلاص ما عدتش بحلمك خالص
ولا عاد فى نفسى يا غالية
غير حتة لمونة معصفرة
فقلت :
أمـا أنا, فكثيرا ما أجلس أتأملهـا في صمت و أتهجـى في ملامحهـا ملامح قريتنا الغبية 00لقد انطفأت الوجنات المضيئة و تحولت إلى وجوم وكدر 00لا أبصر فيها سوى الشقوق المفحوتة في كفوف والدي والشقاء المرسوم على جبهته منذ خمسين عاما00ان قرارها أصاب القرية بشلل نصفى في أطرافها البحرية ,أجلس أهلها البؤساء على مداخلها يسألون العفو و الرضا 00وجعلنى أتقهقر بذهني تجاه جدي المسن راقدا على ركبتيه النحيلتين في انكماش من شدة البرد وإلى صحبة كومة النار الواهجة مداعبنى :
ـ أصبحنا في آذار و سيقع الجدار
فتداخل سعيد مع جدى مؤكدا :
(4)
طراطير ونبوت الغفير
والناس كتير جوا الميدان
فى السيرك فوق السلك ماشى البهلوان
خمسين حصان بيعفروا فى آخر المدى
وبنات بيستنوا النهار
وبنات بتهوى البغددة
وفرح ونور ومعددة وضحكة جبان
ع السلك ماشى البهلوان والناس كتير
وقف الطريق المفتخر
عدى الأمير
واحنا اللى واقفين ع السكك
نستنى سواق الحمير
وأنا :
ولأنني لا أجيد ارتداء الكلاسيك من الثياب أو حتى إحكام ما يسمونه "رابطة العنق" تلك المدلاة من الرقبـة كنت أخشى أن أخلع جلبابي أو أنسى مهارتي الفذة في إحكـام "الكوفية الوبر" حول عنقي ولأن ما بيني وبين كأس "الفودكا" مقدار عمر يحـاكى عمر قريتنـا الشقية لم أقلع مرة عن أدمانى لكوب الشـاي "التقيل"00أتأبط حذائي و أجول بحثا عن الشيخ الكفيف مهون عزائي الوحيد في القرية و ما أكاد أجده حتى تنفرج أساريري المظلمة :
ـ الولد ابن قنديل الكلب 00قنديل الجزار أعطاني رطليـن عضم وقاللى اعمل عليها شوربة تسند رجليك 00ويدوب وصلت الدار وقلت لأم شعبـان اعملي لي شويـــة شوربـة محبشـة إلا ولقيت رطليـن العضم في ظهـري وشقايقـى خشبة خشبة أتارى ابن الملعونة مشيلنى طريحة خشب0
وما أن ينتهي الكفيف من أقصوصته إلا وأرتكز على الأرض غير مقاوم االضحـك
فلاطف سعيد ( الرجل ) :
(5)
باعت جواب بالأمس فى البوسطة
وحياة أبوك
كرباج ورا يا أسطى
كرباج ورا وشد اللجام ع النار
لحسن تكون الجنة بالواسطة
فقلت :
ثم ألمحهم يرقبونها00انهـم مزيج من الفـؤوس والشبـاك ! بعضهم يحمـل المنـاجـل المسنونـة والآخـرون يستنـدون إلى قوارب قد نفذ منها ضــوء الشمس 0أطــــراف القريـــة البحرية تلاطمها أمواج البحيرة في شبة مضمار يحف به سياج من غيطان القمح والفول ــ الباهت خضارها ــ فالترع والقنوات صارت يابسة وأضحت عامرة
بالقــوارض ولو بقت على هذا التوالد لاستعمرت القريــة 00يالحسرة الريس سليـم حينما يجد أن ما يصــارعه على البقاء "فأر"من فئران البرارى00 ترى بـأي نظــرات سيشيعه ولده "الهايف"و بأي لــون ستنقلب سحنتـه المغمــــورة بتوجــع التعساء؟!!
"ولما كل هذا الاهتمام بهم؟"ـــ"عند ك حق"00
فقال سعيد :
(6)
يا ساكن القصر الكبير
كيفك
ملينا من كدبك وتحريفك
الدنيا حر وجسمنا مكتوم
وأنا هرضى عنك لو تقوم م النوم
تصفح لنا وتدينا تكييفك
وكان رأيى :
فهم أيضا يستحقون ما ينوط بهم من هم وغم ولا عزاء لهم إلا في هذا التجمع الذي يطرحونه بعد كل وجبة للتها مز والتنابز "بخلق الله", فثق أنهم لـن يتركـوا أهداب الحديث عنك إلا عندما يرتطم جسدي النحيل بأحداقهم ونصبحا من العشرة المبشرين بالفتنة 0
الآن أظن أنها فرغت من التجمل بالعبوس والتحلي بالسواد واختفت شمسها000 تدلت منها الأشـعة كأهداب مكتحلة 00لحظـات وعلا صراخـها الرعــدي فيغضب وجهامة وبدأت ترسل أمطارها 0000
ـ خلاص مطرت يا رجالة 0
فانطلق بعضهم حاملين فؤوسهم ينظفون فتحات المياه والشقوق الموجودة بالأرض كأطباء يتمنون للجرح أن يندمل ، أما الآخرون فانتحوا بشباكهم منزوعي الظـل كل إلى بيته فيتبلد واستياء 0
لقد فرجت السماء باكية عليـهم 00وخلت الساحة تماما من البشر غيــر أنى ألمــح الشيــخ الكفيف متحفظـا على ابن قنديـل الجزار معلقهم من ساقيه على أحد القوارب وتال عليه ما يتيسر له من آيات الذكر وممـطرا عليه هو الأخر وابلا من الضربات القاسية بواحدة من سعف النخيل000
وفي حين بكاء السماء كانت تضحك الطفلة لتنصف أباها :
(7)
ضحكت آلاء بنتى
وضحكت أنا وأنتى فى نص الليل
ضحكة آلاء تشبه لميت قنديل
(
(( هنا القاهرة )) (( هنا القاهرة ))
فى نفسى انى أجيلك وخايف قوى
لأقابل فى حضنك ولاد المرة