بوابة
لقد دخلت بالأمس ولم أجدك... تتردد هذه العبارة على الماسنجر
و تنقلنا هذه العبارة إلى حيز معلوم ومحدد هو قريب من المنزل كمفهوم إذ
تشبه هذه العبارة مررت إلى منزلك بالأمس ولم أجد ك. هذا الجملة تنقل
الفضاء الافتراضي ( ترجمة لـ virtual space ) إلى حيز محدد إذ يصبح
الماسنجر في الحيز الافتراضي هو شيء أشبه ما يكون بالمنزل في الحيز
الموضوعي للمكان. إذ ما إن تفتح الماسنجر لترى العلامة خضراء لتقل في سرك:
فلان /ة موجود /ة
و إذ تدعم الكتابة بالصورة والصوت لم يغب من الحواس سوى الشم التي تحيل
إلى الرائحة(وهناك أبحاث تجري لبث الرائحة عبر النت ) و اللمس وحاسة
التذوق مهملة في الحالتين
هذا الفضاء الافتراضي نسج علاقاته وصداقاته ووقته وخصومه إذ انه تستبدل
عبارة أني لن اذهب إلى فلان مرة أخرى.... باني وضعت بلوك على فلان
وتأتيك رسالة تنباك إن فلان قد أضافك إلى قائمة الماسنجر الخاصة به وهي
تشبه من يقرع الجرس على باب منزلك أو شخص يطلب الجلوس إلى طاولتك في
المقهى ليتعرف عليك
وقد تكون في حالة نفسية سيئة لا تسمح لك بفتح الماسنجر لأنك لا تريد إن ترى أحدا وتكتفي بقراءة البريد
أو قراءة (شيء ما من الانترنت ) وهذا يشبه تماما عدم رغبتك بفتح الباب
حينما يطرقه احد أو عد م رغبتك في الرد على التلفون (كون التلفون أصبح جزأ
من الحياة غير الافتراضية اصطلاحا )
إن هذه التسمية ( الفضاء الافتراضي ) تحيل إلى التباس في اللغة حيث إن هذا
الوصف هو نتاج بنية حياة أخرى ( الواقعية ) هي غير بنية الحياة التي
أوجدها الانترنت ويمكن لأحدنا إن يمضي في استدراج هذا الوصف إلى حقل
التحليل ليقول انه نتاج بنية قراءية سابقة للانترنت وهو يحيل بشكل أو أخر
إلى حكم قيمة اعد من تلك البنية لوصف بنية أخرى لاحقة لها
دخول
هذه الحياة الموازية التي أنتجت علاقاتها على المستوى ( الإنساني ) لابد
إن تملأ حيزها الذي نسجته, وإذا كانت هذه الحياة تبدأ عادة بالبريد
الالكتروني فأنها تنزع نحو اكتمال عناصر بنيتها عبر خصيصتها ( الافتراضية
) فهي لن تقف عند بوابة العلاقات ( الإنسانية ) التي أقامتها بل تكمل هذه
البنية بالانتقال إلى العلاقات النوعية بين عناصرها( الافتراضية ) الأخرى
واحد أهم هذه العلائق التي تتشكل لتخلق بنية متكاملة( افتراضيا ) هي
القراءة في منشور هذه الحياة
وهنا يبدأ الحديث عن النشر الالكتروني: فهو لا يبدو كبديل عن الورق بل هو
يأتي من بنية الحياة التي أنتجتها هذه الشبكة والتي هي حياة موازية للحياة
(إلى الآن ) لا تلغيها بل تتقاطع معها (: كثيرا ما انتقلت العلاقات في
الحياة الافتراضية إلى الحياة " الواقعية " وكثيرا ما تحول النشر
الالكتروني إلى ورقي عبر طبعه وأصبح غالبية ما هو ورقي متاح الكترونيا )
وبالتالي فان النشر الالكتروني هو نشر مواز للنشر الورقي في الحياة غير
الافتراضية ( والدقة تقتضي ان لا نقول الواقعية لان إطلاق صفة الواقعية
على الحياة " السابقة: القائمة " بمواجهة الافتراضي سيكون حكم قيمة باتجاه
تسمية الحياة على الانترنت حياة افتراضية ) ولا يلغيه ولكل منهكا خصائص
مختلفة نابعة من بنية كل منهما ولا يمكن المقارنة بين سيء وجيد أو مستقبل
وماضي (حتى الآن أيضا )
خصائص النشر الالكتروني
يتميز النشر الالكتروني بعدة خصائص بعيدا عن المقارنة مع النشر الورقي
ا- السرعة:
سواء كان هذا النشر عبر البريد الالكتروني ( وحتى عبر
مواقع التشات ) أو عبر منتديات ( للهواة أو للمختصين ) عبر مجموعات بريدية
أو عبر صحف الكترونية سواء كان هذا النشر يقوم به الكاتب مباشرة عبر أدراج
مشاركته بنفسه(شات منتديات مجموعات بريدية ) أو عبر إرسالها لهيئة تحرير
(الصحيفة الالكترونية ) فان هذا النشر يكون آنيا أو بعد قليل من الزمن
وهذا فيه إعلاء لقيمة الوقت من ناحية واستجابة لسرعة الحياة ذاتها (
افتراضية أو غير افتراضية ) وهذا نتاج تغير المفهوم النسبي للزمن أولا و
جاءت الانترنت كاستجابة لحل هذه المسالة في الأساس . إذ إن التسارع في
التغيرات الجارية في العالم على مستويات متعددة اقتصادي اجتماعي سياسي
لابد له إن ينتج وسيلة اتصالات تتواءم مع تسارع التغييرات وآنيتها فالزمن
الذي أصبح متسارعا بشكل لم يعد مألوفا بحاجة إلى وسيلة اتصال تستجيب لهذا
التسارع فكانت الانترنت حلا منسجما ومستشرفا في آن للتغيرات الحاصلة على
الأرض وقد أثرت وسيلة الاتصال هذه التي هي نتاج بنية متسارعة للحياة ذاتها
(ونحن هنا معنيين في النشر ) حتى في النشر السابق لها (الورقي ) فنرى
الصحف الورقية وفق هذا المفهوم منفصمة بين طبيعتها الورقية وموقعها
الالكتروني فهي تحدث طبعتها الالكترونية على مدار اليوم ( وخصوصا في
الأخبار) بينما تكون طبعتها الورقية قد صدرت
2- التفاعلية :
يتيح النشر الالكتروني التفاعل بشكل أني مع المادة
المنشورة سواء عبر إرسال تعليق إلى الناشر أو الكاتب عبر البريد
الالكتروني أو عبر أدراج تعليق / قراءة / نقد / تصويب الخ في مكان النشر
ذاته وهذا يحدث عادة في المجموعات التبادلية والمنتديات وتتيح هذه الخاصية
تأكيد صحة أو نفي خبر بشكل أني (مواقع الأخبار ) كما تتيح للكاتب إن يرى
ردود الأفعال التي تحدثها كتابته عبر قراء يتركون أثرا أو رقما في عداد
القراءات ( المنتديات ) أو عبر مراسلته على البريد الالكتروني الذي أصبح
مرفقا بالاسم غالبا في النشر الالكتروني وكما يستطيع الكاتب والقارئ إن
يعرف عدد زوار هذا ( الموقع ) من خلال عدد الزوار التراكمي الذي تثبته بعض
المواقع (صحف الكترونية – مواقع مختلفة - منديات ....) مما يعطي فكرة عن
قراء (رواد ) هذا الموقع أو ذاك
والتفاعلية هنا لا يمكن اعتبار أهميتها ناتجة مما ذكر أعلاه فحسب بل ايضا
من تغييرها لنمط النشر وإشراك القارئ في كتابة النص إذ إن التفاعل مع النص
سيكون جزءا من النص ذاته لا بوصفه تعليقا أو إضاءة بل بوصف القارئ الذي هو
كاتب مضمر للنص ( سابقا ) أصبح مشاركا حقيقة في صياغة النص. واثر القارئ
التفاعلي الذي يتركه ينقل مفاهيم " القارئ كاتب أخر للنص " أو القراءة
إعادة كتابة للنص من حيز افتراضي قبل النشر الالكتروني إلى تجسيد واقعي
لهذه المقولة وهنا تبادل ادوار بين الافتراضي - الورقي , والواقعي -
الالكتروني , وتشكل هذه الخاصية تربة خصبة لبحث قادم في علوم النقد
وكما تتيح خاصية التفاعلية لعدد غير محدد (إلا بالحدود التقنية ) في
التواجد في نفس الصفحة ليقرأو نفس الشيء لا صلة أخرى بينهم سوى الموقع
الذي هم فيه ويتحول المتعامل هنا إلى رقم بعيدا عن خصائص من مثل اللون
الجنس القومية... الخ
3-نفي المكان :
وتتيح هذه الخاصية في النشر الالكتروني إلغاء حاجز
المكان ليتحول العالم كله إلى خارج الجغرافيا أو ليدخل في جغرافيا صغيرة
هي جهاز الكمبيوتر الذي يستخدمه المتعامل : ( كبديل مقترح يجمع كل الصفات
الاخرى) القارئ/ الكاتب / المتلقي /أخر, وينتج عن هذا النفي للمكان (
بمعناه الجغرافي ) توليد خصائص للحيز الجديد لا تشبه خصائص المكان
الجغرافي ففي المكان الجديد لا يوجد تجاور وتباعد لأنها تقوم على المسافة
والمسافة في الحيز الجديد طمست لصالح العنوان فقد أصبح العنوان هو الحيز
الجغرافي الجديد وبالتالي غابت الهوية الجغرافية ( للموقع – الجريدة-
البريد...) لصالح هوية أحرف مركبة تشكل المدخل للحيز المكاني الموجود كلية
معا , إن نفي المكان لا ينتج عنها فقط إزاحة المسافة الفاصلة بين (
المتعاملين ) مع الشبكة بل انه يخلق نمطا مختلفا من التجاور والتباعد
بينهم يقوم على أساس الهوية النفسية التي يكتسبها المكان ( الجديد:
الافتراضي) عبر محتواه وعبر الصلات التي ينسجها ( المتعامل ) مع الشبكة
فتكون المسافة هنا ذاتية منبعها ليس الحيز الافتراضي الذي ألغى مفهوم
الحيز والأبعاد كذلك عبرنزعه بعدين أساسين للمكان وفقا للمفهوم الجديد هما
البعد الزمني ( المتضمن للحركة ) والبعد الفراغي ( الأبعاد الأخرى ) فقد
أصبح المكان في الحيز الجديد متراكما فوق بعضه البعض وقد يبدو التعبير عن
هذه الخصيصة في النشر الالكتروني غير دقيق وفقا لهذا الاصطلاح ( نفي
المكان ) لان المكان رغم تقلص أطراف الأرض إلى حدود الشاشة التي أمامك إلا
أنها تظل مكان بشكل أو بآخر واذا قبلنا ان الشاشة هي حيز بطريقة ما عندها
يمكن القول ان هذا الحيز خلق مفاهيمه التي تخصه
4- كسر احتكار المعلومة:
إن ما يبيحه النشر الالكتروني من تعميم المعلومة هولا سابق له في تاريخ
البشرية إذ أصبح كل مستخدم للانترنت هو مالك لكل المعلومات ( التي يريدها)
وألغى هذا أهمية الكتابة التي كانت تستخدم المعلومة ( غير المعلومة )
لتقدم مادة لا أهمية لها خارج الكشف عن هذه المعلومة كما انه ساهم وبشكل
أساسي في جعل الموسوعات والببلوغرافيات والانسكلوبيديا (ت ) متنقلة مع
القارئ الكاتب أينما حل , و أتاحت الأنترنت للباحثين فرصة ( لم تكن
تراودهم حتى في الحلم ) لتسهيل عملهم ويأتي هنا اختصار زمن البحث متساوقا
مع مفهوم التسارع النسبي للزمن الذي استجاب له العقل البشري باختراع الشبكة
5- انفجار النشر :
إن ما اتاحته الانترنت بجعل كل مستخدم لجهاز الكمبيوتر هو ناشر أدى إلى
انفجار هائل في عدد (مواقع ) النشر وإذا كان لهذا اهمية قصوى في تجاوز "
بيرقراطية النشر الورقي " وحدوده فانه خلق ايضا صعوبة في الاختيار الا إن
هذه الصعوبة سرعان ما تتلاشى بعد خبرة قصيرة في التعامل مع الانترنت ليخلق
كل (متعامل ) مفضلته التي تنتج حيزا قرائيا خاص به تماما كما هي التفضيلات
القرائية الخاصة بالنشر الورقي فانت تقرأ هذه الجريدة أو هذا الكتاب ولا
تقرا هذه أو ذاك ويصبح الفرز حينها خاص بالمتعامل مع الشبكة أي إن كل
متعامل هو رقيب ذاته ولا يمكن الحديث هنا عن الرقابة على النشر الالكتروني
كعائق امام وصول ( المتعامل) إلى ما يريده لان حاجز الرقابة في النشر
الالكتروني يمكن تخطيه بسهولة تجعل من التمسك به(من قبل الحكومات العربية
) مضحك
6- التشابك :
تتيح هذه الخاصية للنشر الالكتروني إن يشتبك مع الفنون البصرية والابداعية
الأخرى بشكل لم يكن متاحا من قبل فقد اتاح النشر الالكتروني للنص المكتوب
إن يتشابك مع فنون بصرية أخرى بدءا من اختيار لون الخط و ولون ( الصفحة )
الخلفية ... إلى التعالق مع تصميم صفحة النشر ذاتها . اضافة إلى تجارب
الكولاج التي كانت معروفة غير إن النشر الالكتروني اعطاها بعد الحركة وهذه
الحركة التي تبدو في ضاهرها هي تحريك للحروف أو للخلفية أو للصور أو
الرسوم داخل النص غير انها تحيل إلى مفهوم متحرك للزمن داخل النص في احد
تجلياتها والزمن هنا ليس زمن قراءة للنص على وجه التحديد بل هو زمن تشكل
للنص باشتراك القارئ .
وقد اتاح هذا التشابك خاصية جديدة في النشر عبر الارتباط التشعبي وهي تحول الهامش إلى متن عبر هذا الارتباط
هذا التشابك بالتاكيد يشرك حواس عديدة في قراءة النص ( السمع على سبيل
المثال عند اضافة موسيقى هي داخل النص وليست اكسسوار خارجي ) لتنتج قراءة
مختلفة في بنيتها هي نتاج بنية الحياة ( الافتراضية )
7- خصائص أخرى نتاج الكومبيوتر:
لا يمكن فصل الانترنت عن الكمبيوتر والإمكانيات التي
اتشاحها للنشر فاحد أهم المفاهيم التي كرسها الكمبيوتر هو مفهوم التراجع
الذي هو تثبيت لإظهار المحو فأصبح الأمر يحتاج إلى ضغطة واحدة للتراجع عن
المحو وعدا عن الخاصية الذهنية التي يولدها هذا المفهوم فقد أصبح التراجع
سهلا ويتيح لك استعادة المحو أو تثبيته
وخلاصة القول انه إلى الان لم ياخذ حيز النشر الالكتروني الاهمية التي
يستحقها لدى المتعامل ( وخصوصا القارئ / الكاتب ) العربي لان بنية الحياة
التي انتجته لازالت هامشية بالنسبة لمجتمع يعاني من الامية ( الورقية )
وفي ظل غياب الاحصاءات الدقيقة عن المواقع العربية (ارقام غير مؤكدة تقول
انها اكثر من مليون موقع ) وعن مستخدمي الانترنت في العالم العربي أو عدد
الذين يمتلكون اجهزة كمبيوتر ( و خط هاتفي ) لا يمكن لباحث إن يعطي تصورا
دقيقا لاهمية النشر الالكتروني في الساحة ( الفضاء ) العربي
الا إن تقرير التنمية البشرية قبل الاخير يشير إلى إن نسبة نمو مستخدمي
الكمبيوتر ( وليس الانترنت ) في العالم العربي هو اقل من نسبة النمو هذه
في دول جنوب الصحراء (في القارة الافريقية )